< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

44/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/الوضوء /الدرس 88

 

الدرس (88):

«المسألة (39): إذا كان متوضئا وتوضّأ للتجديد وصلى ‌ثمَّ تيقن بطلان أحد الوضوءين ولم يعلم أيّهما، لا إشكال في صحّة صلاته ولا يجب عليه الوضوء للصلاة الآتية أيضا بناء على ما هو الحقّ من أنّ التجديدي إذا صادف الحدث صحّ، وأمّا إذا صلّى بعد كل من الوضوءين ثمَّ تيقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة، وأمّا الأولى فالأحوط إعادتها وإن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها».

وههنا أمور:

الأمر الأول: هل الوضوء التجديدي رافع للحدث أم لا؟

وفي مسألة رافعية الوضوء التجديدي للحدث قولان:

القول الأوّل: ذهب مشهور الفقهاء إلى أنّ الوضوء التجديدي رافع للحدث.

القول الثاني: ذهب جمع من الفقهاء[1] كالعلامة[2] والشهيد الأوّل[3] والمحقّق الثاني[4] والسيّد محمد الموسوي العاملي[5] إلى أنّ الوضوء التجديدي غير رافع للحدث، ويجب عليه إعادة الوضوء والصلاة. وعليه فإذا علم شخص بطلان أحد الوضوئين يستصحب بقاء الحدث ويحكم ببطلان وضوئه وصلاته.

سؤال: هل تجري قاعدة الفراغ في مثل هذه الصلاة (بسبب حصول الشكّ بعد الفراغ من الصلاة) أم لا؟

والحق عدم جريانها، لوجهين:

الوجه الأوّل: لأنّ الشكّ في صحّة الصلاة، مسبّب عن الشكّ في صحّة الوضوء، فهنا عندنا أصل سببي وأصل مسبّبي، والأصل السببيّ مقدّم على الأصل المسبّبي وحاكم عليه، وعليه فإنّ قاعدة الفراغ تجري في الوضوء لا في الصلاة، لأنّ الوضوء سبب والصلاة مسبّب.

الوجه الثاني: لا تجري قاعدة الفراغ إذا كانت صورة العمل كاملة من حيث الشرائط والأجزاء، بل تجري فيما إذا رجع الشكّ إلى صورة العمل؛ كالشكّ بين الركعتين والثلاث أو الشك في الإتيان بالركوع أو الشك في إتيان ثلاثة سجدات أم سجدتين، وأمّا الشكّ بين كونها فريضة أم واجبة، فلا يمكن إجراء قاعدة الفراغ فيها.

وأمّا حكم السيّد (قده) بصحة الوضوء والصلاة في هذه الحالة فيرجع طبقا لنقل الشهيد الأول[6] إلى تبعيته لقول جمال الدين ابن طاووس، وأكّد المرحوم العلامة[7] على هذا القول، وهو أنّه إذا أجرينا قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل صحّ، وعندما يصحّ الوضوء تصحّ الصلاة كذلك بتبعه، ولذلك يقول العلامة أنّه شك في صحّة الوضوء، وقاعدة الفراغ ترفعه.

إشكال: ورد في كتاب مدارك الأحكام[8] أنّه يستفاد من أخبار قاعدة الفراغ أنّ الشكّ في الوضوء يجب أن يكون بعد الفراغ منه، والشك في الوضوء هنا كان بعد الوضوء التجديدي ولا علاقة له بالوضوء الأوّل.

وفيه: تم البحث سابقا في أخبار قاعدة الفراغ، وهي أنّ هذه القاعدة غير جارية في الوضوء التجديدي، بل تتعلّق بالوضوء الواجب، لأنّ الظاهر من تعليل الإمام (عليه السلام) في روايات الفراغ بقوله "لأنّه أذكر"؛ أي أنّه في حال الوضوء الواجب كان ملتفتا إلى عمله، فلا يلتفت لما يحصل بعده من الشكّ، وهذا التعليل يتعلّق بالوضوء الواجب.

إن قلت: تتعارض هنا قاعدتان، قاعدة الفراغ في الوضوء الثاني التجديدي وقاعدة الفراغ في الوضوء الواجب، لأنّ صحّة الصلاة من آثار الوضوء الواجب، فيتعارضان ويتساقطان، والمرجع قاعدة الإشتغال، فيجب عليه الإعادة.

قلت: سلّمنا بأنّ الأثر العملي ليس للوضوء التجديدي، ومع فقدان الأثر العملي لا تجري قاعدة الفراغ، لأنّ قاعدة الفراغ تتعلّق بالوضوء الواجب، لأنّ الفقهاء اختلفوا في الوضوء التجديدي، هل هو مقيّد بقرآءة القرآن أو الصلاة ونحوها؟ أم أنّه يؤتى به من باب نور على نور، فإذا كان من جهة كونه نورا على نور لا تجري فيه قاعدة الفراغ، إلاّ إذا كان مقيّدا، ومن هذه الجهة يكون الإشكال في محلّه.

إن قلت: هناك بون شاسع بين الموردين؛ أي بين مورد قاعدة الفراغ وما نحن فيه، وهو أنّ القاعدة تجري في موارد الشكّ وعدم اليقين، بينما محل بحثنا أنّ هناك يقين وشكّ. يقين ببطلان أحد الوضوئين، والشكّ في مصداقهما، فجريان قاعدة الفراغ في أحدهما ترجيح بلا مرجّح.

قلت: ما يمنع جريان قاعدة الفراغ هو اليقين التفصيلي لا العلم الإجمالي، بينما ما نحن فيه هو العلم الإجمالي ببطلان أحد الوضوئين. فإذا كان متعلّق العلم الإجمالي متباين؛ أي أن يكون أحد الوضوئين واجبا والآخر تجديديا، فلا أثر حينئذ للعلم الإجمالي، كالشكّ في بطلان أحد الصلاتين؛ الواجبة أو النافلة.

سؤال: لم لا تجري قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدي؟

الجواب: جريان قاعدة الفراغ منوط بإمكان تدارك ما فات، والوضوء فيما نحن فيه واجب وغير قابل للتدارك، فلا وجود لوضوئين، أمّا الوضوء التجديدي يمكن تداركه.

وبعبارة أخرى: فالوضوء إمّا ان يكون واجبا أو مندوبا، فإذا كان الوضوء واجبا وبطل يجب إعادته، وإذا كان مستحبّا لا يجب إعادته. وعليه فلا تجري قاعدة الفراغ في الموارد التي لا إلزام فيها.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo