< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /وجوب الغسل/ الدرس 51

 

فصل في کيفية غسل الجنابة وأحكامه

الدرس (44): غسل الجنابة بين الاستحباب النفسي والغيري

 

متن العروة الوثقى: غسل الجنابة مستحب نفسي، وواجب غيري للغايات الواجبة، ومستحب غيري للغايات المستحبة، والقول بوجوبه النفسي ضعيف، ولا يجب فيه قصد الوجوب والندب، بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل، بل مع العلم؛ إذا لم يكن بقصد التشريع وتحقق منه قصد القربة، فلو كان قبل الوقت واعتقد دخوله فقصد الوجوب، لا يكون باطلا، وكذا العكس، ومع الشكّ في دخوله يكفي الإتيان به بقصد القربة، لاستحبابه النفسي، أو بقصد إحدى غاياته المندوبة، أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي، والواجب فيه بعد النيّة؛ غسل ظاهر تمام البدن دون البواطن منه، فلا يجب غسل باطن العين والأنف والأذن والفم ونحوها، ولا يجب غسل الشعر؛ مثل اللحية، بل يجب غسل ما تحته من البشرة، ولا يجزي غسله عن غسلها، نعم يجب غسل الشعور الدقاق الصغار المحسوبة جزء من البدن مع البشرة، والثقبة التي في الأذن أو الأنف للحلقة؛ إن كانت ضيّقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها، وإن كانت واسعة بحيث تعدّ من الظاهر وجب غسلها، وله كيفيّتان؛ الأولى: الترتيب، وهو أن يغسل الرأس والرقبة أوّلاً، ثمَّ الطرف الأيمن من البدن، ثمَّ الطرف الأيسر، والأحوط أن يغسل النصف الأيمن من الرقبة ثانياً مع الأيمن، والنصف الأيسر مع الأيسر، والسرّة والعورة يغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن، ونصفهما الأيسر مع الأيسر، والأولى أن يغسل تمامهما مع كلّ من الطرفين، و الترتيب المذكور شرط واقعيّ، فلو عكس ولو جهلاً أو سهواً بطل، ولا يجب البدء بالأعلى في كل عضو، ولا الأعلى فالأعلى، ولا الموالاة العرفية؛ بمعنى التتابع، ولا بمعنى عدم الجفاف، فلو غسل رأسه ورقبته في أوّل النهار، والأيمن في وسطه، والأيسر في آخره صحّ، وكذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد، ولو تذكّر بعد الغسل تَرْكَ جزءٍ من أحد الأعضاء؛ رجع وغسل ذلك الجزء، فإن كان في الأيسر كفاه ذلك، وإن كان في الرأس أو الأيمن؛ وجب غسل‌ ‌الباقي على الترتيب، ولو اشتبه ذلك الجزء؛ وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب.

الثانية: الإرتماس؛ وهو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية، واللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد، وإن كان غمسه على التدريج، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر؛ لم يكف، كما إذا خرجت رجله أو دخلت في الطين قبل أن يدخل رأسه في الماء أو بالعكس؛ بأن خرج رأسه من الماء قبل أن تدخل رجله، ولا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء، بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفى، بل لو كان تمام بدنه تحت ‌الماء؛ فنوى الغسل وحرّك بدنه؛ كفى على الأقوى، ولو تيقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه؛ وجبت الإعادة، ولا يكفي غسل ذلك الجزء فقط، ويجب تخليل الشعر إذا شكّ في وصول الماء إلى البشرة التي تحته، ولا فرق في كيفيّة الغسل بأحد النحوين؛ بين غسل الجنابة وغيره من سائر الأغسال الواجبة والمندوبة، نعم في غسل الجنابة لا يجب الوضوء، بل لا يشرع، بخلاف سائر الأغسال؛ كما سيأتي إن شاء الله.‌

 

توضيح ذلك:

لا إشكال في رجحان الغسل شرعاً لقوله تعالى:"﴿إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين﴾"[1] ، لأنّ الغسل من الجنابة يصيّر الجنب من المتطهّرين، من حيث أنّ المغتسل منها متطهّر.

ولما ورد في النبوي:" أكثر من الطهر يزد الله تعالى في عمرك وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا متّ على طهارة شهيداً"[2] ، وما ورد في تغسيل الملائكة لحنظلة الأنصاري حين استشهد"[3] .

وإنّما الخلاف في أنّ محبوبيّته نفسيّة أو غيريّة؟ فالمشهور هو الوجوب الغيري المقدّمي. وخالف في ذلك عدّة من الفقهاء؛ كابن حمزة[4] والعلاّمة[5] والمحقّق الأردبيلي[6] وصاحب المدراك[7] .

وتظهر الثمرة من حيث العقاب والعقابين. فبالبناء على نفسية وجوب غسل الجنابة؛ إذا صلّى بدون غسل الجنابة بطلت الصلاة، فإذا لم يعد الصلاة أو تركها فقد استحق عقابين؛ عقاب لترك الغسل وعقاب لترك الصلاة، بخلاف ما إذا قلنا بوجوبه الغيري، فإنّه لا يعاقب حينئذ إلاّ عقاباً واحداً، وهو العقاب لترك الصلاة، لعدم مجعولية العقاب لترك الوجوب الغيري.

ولا يوجد ثمرة فقهية لهذا النزاع غير هذه الثمرة الكلامية، ظاهراً من الاختلاف بين الفقهاء في نفسية وجوب غسل الجنابة وغيريته، وقد تقدّم ذلك في مبحث الوضوء.

وكيف كان؛ فإنّ للإستدلال بالقول بوجوبه النفسي وجوه:

الوجه الأوّل: قوله تعالى:" وإن كنتم جنباً فاطهّروا".[8] فإنّ إطلاق الأمر بالطهر يقتضي كون الوجوب نفسيّاً، كما يقتضي تعييناً عينيّاً. ولو أراد الله وجوباً غيرياً فقد لزمه البيان ونصب القرينة، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه، فالإطلاق يقتضي نفسية وجوب غسل الجنابة.

وفيه: أنّ القرينة الداخليّة موجودة، فللآية قرينتان:

أحدهما: قوله تعالى:" إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم"؛ فإنّه قرينة على كون الوجوب غيريّاً وشرطيّاً وإرشاديّاً إلى الشرطية، وأنّ الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر شرط ووجوب غيري ومقدّميّ، كما هو ظاهر.

ثانيهما: قوله تعالى:" ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماءاً فتيمّموا﴾"؛ حيث أنّ وجوب التيمّم كان بدلاً عن وجوب الوضوء، والتيمّم بدل، فلو كان الغسل واجباً نفسيّاً فلابدّ من الإلتزام بأنّ التيمّم أيضاً واجب نفسيّ، وهو ممّا لا يلتزمون به. فالآية لا دلالة لها على المدّعى.

الوجه الثاني: بعض الأخبار يدلّ على أنّ وجوب غسل الجنابة هو وجوب نفسيّ، كخبر معاذ بن مسلم، عن أبي عبد الله (ع):" أنّه سئل عن الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره ولا يعذرهم على جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (ص) والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة وحج البيت والإقرار بما جاء من عند الله جملة والإئتمام بأئمة الحق من آل محمد".[9]

تقريب الاستدلال: أنّ غسل الجنابة في هذه الرواية ذكر في عداد الواجبات المهمّة النفسيّة، وفي عَرَض أركان الدين ودعائمه، وهذا قرينة على كونه من الواجبات النفسيّة.

والخبر وإن كان معتبراً بحسب السند، لوجود الحسين بن سيف في أسانيد كامل الزيارات، لكنّها تدلّ على أهميّة الغسل، ولعلّ وجه الأهميّة هو اشتراط الصلاة مطلقاً، وكذا الصوم في الجملة به، وإلاّ فمن البعيد جدّاً أن يكون غسل الجنابة من الأركان والدعائم، دون الجهاد والأمر بالمعروف والزكاة وغيرها من الأمور التي هي أعظم وأهمّ منه بمراتب، ولذا لا يدلّ على المدّعى.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo