< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /کیفیة الغسل/ الدرس 59

 

الدرس (52): الروايات التي تدلّ على عدم وجوب الترتيب نصّاً وإطلاقاً

كان بحثنا يدور حول عدم وجوب الترتيب في الغسل، وأنّ هناك روايات أخرى غير التي ذكرناها، تدل نصّاً وإطلاقاً على عدم الوجوب. وذكرنا في الدرس السابق ما ورد في قضية الجارية عن هشام، وقمنا بالإشكال عليه.

وذهب كل من الشيخ الطوسي[1] ، والمحقق البحراني[2] ، وصاحب الجواهر[3] ، والمرحوم الشيخ الحر العاملي[4] ، إلى أنّ رواية هشام بن سالم لا يمكن الإعتماد عليها. لأنّ هشام بن سالم روى هذه القضية في صحيحة محمد بن مسلم على عكس ما رواها هنا.

واستدل الشيخ الحر العاملي[5] بهذا الحديث، وأفتى فيه بوجوب الترتيب بين الرأس والبدن، لأنّ الإمام (ع) قال:" اغسلي رأسكِ"؛ بعدها قال:" فاغسلي جسدكِ"، وهذين الأمرين تصريح ونصّ من الإمام (ع) في وجوب الترتيب في الغسل.

وقال الشيخ في التهذيب:" قَدْ وَهَمَ الرَّاوِي فِيهِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) اغْسِلِي رَأْسَكِ، فَإِذَا أَرَدْتِ الرُّكُوبَ فَاغْسِلِي جَسَدَكِ، فَاشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي فَرَوَى بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ رَوَى مَا قُلْنَاهُ"[6] ، لأنّه ليس من المعقول أن يروي شخص واحد قضية واحدة في حديثين متناقضين.

وقال الشيخ الحرّ العاملي:" يمكن حمل هذه الرواية على التقية لو سلمت من الوهم المذكور، أو على أنّ الماء المنفصل عن الرأس كاف في غسل البدن، فأمرها أن لا تصبّ على بدنها خوفا من مولاتها عليها، وتكتفي بإمرار اليد على الجسد، ويكون ذلك في واقعتين، والأمر بغسل البدن للتنظيف وإزالة النجاسات ونحوها".[7]

أي؛ إمّا أن تحمل الرواية على التقية لا على خطأ الراوي، لأنّ الإمام يمكن أن يكون قد نقل هذه القضية في جلستين، كان في أحدهما منافق. وإمّا خوفا عليها من مولاتها، لئلاّ تؤدّبها على ذلك. فليس مقصود الإمام الترتيب.

وفيه: أنّ توجيه الشيخ الحرّ العاملي بعيد، بل الأصحّ حملها على ما ذكره الشيخ الطوسي، من احتمال خطأ الراوي في نقل القضية. لأنّ الكثير من العامة يقولون بوجوب الترتيب في الغسل.

وأمّا ما دلّ على عدم وجوب الترتيب بين الرأس والبدن إطلاقاً،[8] فهي عدّة روايات:

منها: عن أحمد بن محمد يعني ابن أبي نصر، قال:": سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن غسل الجنابة، فقال: تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك، وتبول إن قدرت على البول، ثم تدخل يدك في الإناء، ثم اغسل ما أصابك منه، ثم أفض على رأسك وجسدك، ولا وضوء فيه"[9] . قوله "ثم أفض على رأسك وجسدك"؛ ظاهر في عدم وجوب الترتيب بين الرأس والجسد، لعدم العطف بينهما بـ "ثمّ" الدلّة على الترتيب. بل كان العطف بينهما بالواو، التي لا تدلّ على وجوب الترتيب. لأنّ الواو تدلّ على جمع المطلق؛ أي أنّ الأعضاء التي يجب عليك غسلها في غسل الجنابة هي الرأس والجسد. وعليه؛ لا دلالة لها على الترتيب.

ومنها: عن حكم بن حكيم قال:" سألت أبا عبد الله (ع) عن غسل الجنابة، فقال: أفض على ‌كفّك اليمنى من الماء فاغسلها، ثّم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثمّ اغسل فرجك، وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل"[10] .

وغيرها من الروايات الظاهرة في عدم وجوب الترتيب بين الرأس والجسد، الواردة في كتاب وسائل الشيعة، الباب 26 من أبواب الجنابة، ص503، فراجع.

 

وفيه:

أوّلا: هذه الروايات وردت لبيان آداب وكيفية الغسل، وهي في صدد بيان واجبات ومستحبّات الغسل، كاستحباب الاستنجاء قبل الغسل، أو غسل اليدين والفرج قبل الغسل، كما أشارت إلى وجوب غسل الرأس والرقبة، وعدم وجوب غسل ثقبة الأنف والأذن والعين وأمثالها. وعليه فإنّ الإمام لم يكن بصدد بيان الترتيب بين الأعضاء، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق. كما ورد في صحيحة زرارة، حيث قال:" من لدن قرنك إلى قدمك"، وفي صحيحة يعقوب بن يقطين، قال:" على جسده كلّه"، وهي ظاهرة في بيان حدود الغسل.

ثانياً: ومع التنزّل، وقبول إطلاق الروايات وأنّها في مقام البيان، فإنّها لا تدلّ على وجوب الترتيب، لأنّ الترتيب لو كان واجبا لبيّنه الإمام (ع)، ومادام أنّه لم يبّين ذلك فليس بواجب.

وقد يقال بجريان قاعدة الإطلاق والتقييد في هذا المورد، وهي أنّ الروايات التي أوجبت الترتيب تقيّد إطلاق الروايات التي لم تشر إلى الترتيب.

توضيح ذلك: المقيّد على قسمين: مقيّد متّصل ومقيّد منفصل. إذا كان المقيّد متّصلاً فإنّه يضيّق دائرة الإطلاق، أي يقلّيل الإحتمالات أو ينفي سائر الإحتمالات، فإذا قلت مثلا: جاءني غالم زيد، فإنّني أنفي بذلك جميع الإحتمالات الأخرى. لذلك قيل بأنّ الشك في الحكم المخصّص والحكم المقيّد يرخّص في الرجوع إلى إطلاق الدليل.

وأمّا المقيّد المنفصل؛ كالمثال الذي نحن فيه، فإنّه مانع من حجّية الإطلاق، أي لا يجوز التمسّك بهذا الإطلاق. فمثلا: إذا قال المولى: أعتق رقبة، وفي مجلس آخر قال: لا تعتق رقبة كافرة. هنا لا يمكن التمسّك بإطلاق الكلام الأوّل، لأنّه ليس بحجّة.

ثالثاً: إذا شكّ في وجوب الترتيب؛ فإنّ الشكّ يكون في محصّل الغرض، ومع الشك في محصّل الغرض تجري قاعدة الإشتغال لا البراءة.

ومعنى الشك في محصّل الغرض هنا، هو هل أنّ غرض المولى حاصل في الموارد التي يغسل فيها الجسد أولاّ ثم الرأس أم لا؟ أو أنّه يجب غسل الرأس أوّلا ثم الجسد؟ لذلك تجري قاعدة الإشتغال، ويجب الإحتياط في هذا المورد، لأنّ الإشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. وذلك يقتضي وجوب الترتيب بين الرأس والجسد.

إلاّ أنّ هناك من ذهب إلى القول بالبراءة، لأنّهم قالوا بأنّ المورد من قبيل الشك في أصل التكليف. وفيه: أنّ أصل التكليف معلوم؛ وهو أنّ الجنب يجب عليه الغسل، بينما الغرض من التكليف مجهول، وهو هل يجب عليه الترتيب بين أعضاء البدن أم لا.

 


[8] أي لا يوجد تصريح ونص في ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo