< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /مناقشة فی البدء من الاعلی / الدرس 65

 

الدرس (58): مناقشة دلالة الصحيحتين على البدء من الأعلى إلى الأسفل

أمّا الصحيحة الأولى: فهي لا يظهر منها وجوب الترتيب والابتداء من الأعلى إلى الأسفل في كل عضو، لأنّ الأمر بالصبّ إرشاديّ، ظاهر في جريان الماء على البدن ووصوله إليه، وإنما الجريان والوصول يكون عادة من الأعلى إلى الأسفل، ولذا أمر بالصبّ على المنكب، وذلك من الجهات الثلاث:

الجهة الأولى: أن مقتضى العرف والعادة من الشروع بالأعلى في التنظيفات العرفية، فلا يستفاد منه وجوب البدء من الأعلى إلى الأسفل.

الجهة الثانية: قوله (ع) في ذيل الصحيحة الأولى "فما جرى عليه الماء فقد أجزءه"؛ لأنّ الذيل تفريع على الصدر؛ أي صبّ الماء على المنكبين. ومعناه أنّ الصبّ هو الجريان، ولا تدلّ على غيره، أي لا تدلّ على أنّ الغسل لابدّ أن يقع من الأعلى إلى الأسفل.

الجهة الثالثة: موثّقة سماعة الآمرة بجريان الماء "ثم يفيض الماء على جسده كلّه"؛ يعني استيعاب الماء المصبوب لكل البدن، فلا تدلّ على لزوم البدء من الأعلى إلى الأسفل.

وللسيّد الحكيم احتمال آخر؛ وهو أنّ الأمر فيه للإستحباب، بقرينة قوله (ع) "مرّتين"؛ إذ التعدّد من الآداب، حيث قيّده بالمرتين ولم يقيّد الرأس بذلك، فهذا قرينة على عدم اعتبار التعدّد في أصل الغسل، بل الملاك فيه وصول الماء واستيعابه لكلّ البدن، فيكون الأمر بالمقيّد؛ أمراً استحبابيّاً.

إن قلت: أنّ ظهور "مرّتين" في الآداب لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر بالصبّ في الوجوب، لأنّه نظير أمر المولى بإكرام عشرة فقراء، وقد علمنا خارجاً بعدم وجوب إكرام فقير واحد من هذه المجموعة، فلا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر بالإكرام في الوجوب.

قلت: هذه القاعدة تجري في العموم والإطلاق، ولا تجري في الأمر المقيّد بشيء، لأنّه شيء واحد لا ينحلّ إلى أمرين. أمر بالذات وأمر بالقيد، فإذا علمنا أنّ القيد مستحبّ، فلابدّ من رفع اليد عن ظهور الأمر بالمقيّد من الوجوب، ولأنّ القيد قرينة متّصلة، لثبوت وحدة الظهور.

وأمّا الصحيحة الثانية: فالظاهر منها يشير إلى الاستيعاب، لكون الظرف "من لدن"؛ ظرف مستقرّ، قيد للجسد، فمعناه أنّ الجسد من القرن إلى القدم، كلّها يغسل في الغُسل، وهو عين معنى الاستيعاب والاستغراق. فليس دليلاً على وجوب البدأة المذكورة.

مضافاً إلى أنّ القرن موضع من الرأس، ليس هو أعلى الجانب، بل بعض أعلاه، وكذلك المنكب في الصحيحة الأولى، فذكر المنكب في الأولى لاستشعاره (ع) إلى جريان الماء، وفي الثانية مشعر بالاستيعاب.

 

الأمر السادس: عدم اعتبار الموالاة في الغسل بين الأعضاء.

قال السيّد (ره): " ولا الموالاة العرفية؛ بمعنى التتابع، ولا بمعنى عدم الجفاف".

والدليل على ذلك الاطلاقات المتقدّمة، لعدم تقييدها بالموالاة في الغسل، بل له أن يغسل رأسه ورقبته في أوّل النهار، والأيمن في وسطه والأيسر في آخره. وقد دلت عليها جملة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال:" دخلت على أبي عبد الله (ع) فسطاطه، وهو يكلّم امرأة، فأبطأت عليه، فقال: ادنه، هذه أم إسماعيل جاءت، وأنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أوّل، كنت أردت الإحرام، فقلت: ضعوا لي الماء في الخباء، فذهبت الجارية بالماء، فوضعته، فاستخففتها، فأصبت منها، فقلت: اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك، ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك، فدخلت فسطاط مولاتها، فذهبت تتناول شيئا، فمسّت مولاتها رأسها، فإذا لزوجة الماء، فحلقت رأسها وضربتها، فقلت: لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك".[1]

ومنها: عن حريز في الوضوء يجف؟ قال قلت: فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جفّ أو لم يجفّ، اغسل ما بقي، قلت: وكذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة، وابدأ بالرأس، ثم أفض على سائر جسدك، قلت: وإن كان بعض يوم؟ قال: نعم. [2]

ومنها: عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (ع)، قال:" إنّ عليّاً (ع) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة".[3]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo