< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/07/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/الغسل الارتماسي /امر السابع/ الدرس 69

 

الدرس (62): في حكم العلم بعدم انغسال جزء في غسل الجنابة

الأمر السابع: وجوب الإعادة عند العلم بعدم انغسال جزء

ولو تقيّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه، ففي وجوب الإعادة وعدم كفاية غسل ذلك الجزء فقط قولان:

أحدهما: ما ذهب إليه السيّد (ره) وغيره إلى وجوب الإعادة وعدم كفاية غسل ذلك الجزء فقط.

ثانيهما: ما ذهب إلى كفاية غسل ذلك الجزء بلا حاجة إلى الإعادة. وهما العلاّمة الحلّي،[1] والنراقي،[2] (قدس سرهما)، مستنداً إلى صحيحة زرارة المتقدّمة بقوله (ع):" وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما"؛ فإنّه يدلّ على إعادة خصوص غسل بعض ذراعه وجسده عند ترك غسلهما من دون لزوم إعادة الغسل من الأوّل. ولم تقيّد الصحيحة الحكم بالترتيـبيّ، وتَرْكُ الإستفصال بين الإرتماسيّ والترتيبيّ يفيد العموم، خصوصاً قوله (ع):" من ترك بعض ذراعه وجسده".[3]

وفيه: أوّلاً: أنّ ظاهر قول السائل " رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة"؛ هو الغسل الترتيبيّ، خصوصاً أنّ هذه الجملة ليست رواية مستقلّة، بل وردت في ذيل الوضوء،[4] وهذه قرينة على أنّ السائل يطلب حكم الغسل المتحقّق في كلّ من الوضوء والغسل، ومع هذه القرينة لا يبقى لذيلها عموم أو إطلاق، حتّى يشمل الإرتماسيّ.

وثانياً: أنّ الشائع والمتعارف عند ذكر اسم الغسل هو الترتيبـيّ، إلاّ أن يذكر على الخصوص، بأن يقول: الغسل الإرتماسيّ أو كلمة "يرتمس وينغمس"، والصحيحة من هذا القبيل، لم يذكر فيها الإرتماسيّ، بل الغسل فقط.

وثالثاً: أنّها ناظرة إلى السؤال عن الموالاة، وأنّه إذا غسل مقداراً من بدنه ولم يغسل بعضه نسياناً أو غفلة؛ هل يصحّ غسله أو لا يصحّ؟ بلحاظ التخلّل في غسل أجزائه، فأجابه (ع) بأنّ الموالاة غير معتبرة في الغسل، والبحث عن الموالاة إنّما يكون في الترتيبيّ لا في الإرتماسيّ، لكون الإرتماس إحاطة الماء بتمام البدن والإرتباط به.[5]

والدليل على وجوب الإعادة ما ذهب إليه والد العلاّمة يوسف بن علي بن مطهّر الحلّي، بأنّ المأخوذ عليه الإرتماس دفعة واحدة، بحيث يصل الماء إلى سائر الجسد في تلك الدفعة، لقول أبي عبد الله (ع):" إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه"؛ ومن المعلوم عدم الإجزاء مع عدم الوصول. وقال ولده العزيز: ويمكن أن يقال بالإجزاء مع غسل تلك اللمعة، لأنّ الترتيب سقط في حقّه، وقد غسل أكثر بدنه، لقول أبي عبد الله (ع):" فما جرى عليه الماء فقد أجزأه"، وفي الأوّل قوّاه.[6]

وفي دليل ولده العزيز إشكال؛ لأنّ سقوط الترتيب في حقّه يكون فيما إذا كان الإرتماس حاصل، ومع عدم غسل عضو من الأعضاء لم يحصل الإرتماس، فلم يسقط الترتيب عليه، بل الترتيب واجب إذا اغتسل غسلاً ترتيبيّاً أو الإعادة، كما قال به والده المكرّم.[7]

وقد نقل الشيخ عن بعض الأصحاب؛ أنّ الإرتماس بحكم الترتيبيّ. [8] إن كان الجزء في الأيسر فيغسله، وإن كان في الأيمن فيغسله ويعيد الأيسر. وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة، فإنّه يأتي بها وبما بعدها، وفيما لو نذر الإغتسال ترتيباً أو حلف عليه، وأنّه يجزئه بالإرتماس. [9]

وفيه: أنّه مخالف للإرتماس والإنغماس، لمعنى استيلاء الماء على تمام البدن، فكيف يكون حكمه حكم الترتيبيّ؟ فهما متغايرين في الطبيعة.

وعن المحقّق الثاني التفصيل بقِصَرِ الزمان وطوله، وفي الأوّل يغسل الجزء غير المغسول، وفي الثاني يعيد الإرتماسيّ؛ لأنّه إن تخلّل بين غسلها وبين الغسل زمان كثير؛ لم يصحّ، لما عرفت من أنّ الغسل الإرتماسيّ إنّما يتحقّق بارتماسة واحدة. [10]

وفيه: أنّ ظاهر الإرتماس في الأخبار، لزوم استيلاء الماء وإحاطته على تمام البدن بلا فرق بين قصير الزمان وطويله، بل الارتماس يصدق بالإحاطة لا بالزمان. فقيد الزمان غير مأخوذ في الغسل الإرتماسي، وإنّما المأخوذ فيه هو استيلاء الماء وإحاطته على تمام البدن.

وهذا الاختلاف نشأ من أنّ الغسل الترتيبيّ والإرتماسيّ طبيعة واحدة، والاختلاف في الكيفيّة أم أنّهما طبيعتان مختلفتان؛ بمعنى أنّ الإرتماس زائد على الغسل، والأصل في الغسل الترتيبيّ بناء على أنّهما طبيعة واحدة، ثمرتها لو نذر الغسل الترتيبيّ وامتثل بالإرتماسيّ فقد وفى بالنذر، وعلى أنّهما متغايران، فلا يوفي بالنذر، بل عليه الإعادة.

والحقّ؛ أنّ الغسل الإرتماسيّ أيضاً غسل ولكن طبيعته مغايرة لطبيعة الغسل الترتيبيّ، فتظهر الثمرة في الرجوع والإعادة، فتدبّر.[11]


[4] وهذا يدلّ على تجزئة الأعضاء؛ لأنّ الوضوء يشترط فيه الترتيب بين الأعضاء حتى في الارتماسيّ منه، بينما الغسل الإرتماسي لا ترتيب فيه بين الأعضاء. وهذا يكفي لعدم وجود العموم والإطلاق في الرواية، بل هي مقيّدة بالوضوء والغسل الترتيبي.
[5] فلا معنى للسؤال عن الموالاة في الغسل الإرتماسيّ، لأنّه إحاطة الماء بجميع أجزاء البدن دفعة واحدة، بينما الغسل الترتيبيّ يجوز السؤال فيه عن الموالاة، لأنّ الترتيب فيه بين الأعضاء واجب، وعليه فإنّ الموالاة متفرّعة عن الترتيب، فما لا ترتيب فيه لا موالاة فيه أيضاً.
[7] قبل الغسل الإرتماسي، يكون الخطاب متوجها إلى المكلّف بكل من الغسل الترتيبي أو الإرتماسيّ على البدل؛ بأن يقال له: اغتسل غسلاً تريبيّاً أو ارتماسيّاً، فإذا نوى الإرتماسيّ وألقى بنفسه في الماء ولكن بقي شيء من جسده لم يحط به الماء، فإنّ الخطاب السابق؛ باق في حقّه، أي اغتسل غسلا ترتيبيّاً أو ارتماسيّاً، لأنّ الإرتماسيّ لم يتحقّق بعد. فإمّا أن يعيد الغسل الإرتماسيّ من جديد أو يغتسل غسلاً ترتيبيّاً.
[11] إن قلت: كيف يكونان متغايران، وطبيعتهما واحدة، أي أنّ طبيعة الغسل واحدة، سواء كان ترتيبيّ أو إرتماسيّ. وهذا شبيه بالصلاة، إذ طبيعي الصلاة واحد، بالرغم من أنّ أفرادها مختلفة. قلت: أنّهما متحدان في طبيعة غسل الجنابة، أي أنّ كل من الغسل الترتيبي والغسل الإرتماسيّ يصدق عليه عنوان غسل الجنابة، ولكن إذا نظرنا إلى طبيعة أفراد غسل الجنابة؛ أي إذا نظرنا إلى طبيعة الغسل الترتيبيّ وطبيعة الغسل الإرتماسيّ لوجدنهما متغايران، لأنّ حقيقتهما مختلفة. وبعبارة أخرى؛ تارة تكون القيود مأخوذة في الطبيعة، وتارة أخرى تكون خارجة عن الطبيعة ومأخوذة في أفراد الطبيعة، مثلا طبيعة الإنسان تصدق على الأعمى والبصير، ومقطوع اليد والسليم، ونحوها، فكل هذه القيود المأخوذة في الأفراد لا دخل لها في الطبيعة، لأنّها مأخوذة في الأفراد وليس في الطبيعة، لذلك فطبيعة الإنسان تصدق على الجميع. ونفس الشيء بالنسبة لغسل الجنابة، فإنّ قيد الترتيب وعدم الترتيب غير مأخوذ في طبيعة غسل الجنابة وإنما أخذ في أفرادها؛ أي في الغسل الترتيبي والغسل الإرتماسيّ. ولذلك فإنّ التغاير بينهما يجب أن يبحث عنه في خصوصيات وقيود الأفراد لا في قيود الطبيعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo