< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /مسائل / الدرس 74

 

أشرنا في الدرس السابق إلى المسألة الخامسة وقلنا بأنّها تبحث من جهتين:

الجهة الأولى: هل يشترط طهارة كل عضو حين غسله أم لا؟

الجهة الثانية: هل يشترط طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل أم لا؟

وأمّا الجهة الأولى فقد عالجناها في الدرس السابق.

أمّا الجهة الثانية في اشتراط طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل وعدمه، كما لو كانت رجله متنجّسة؛لم يصحّ غسل رأسه لو اشترط الطهارة في جميع الأعضاء قبل الغسل، ويصحّ الغسل إن قلنا بعدم اشتراطه.

فقد اختلف فيها كلمات الأعلام، فذهب جمع إلى وجوب طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل، كابن حمزة في الوسيلة والعلاّمة في القواعد، وذهب جمع من المتأخرين إلى عدم وجوبه، وهو الحقّ، كما في المتن.

وقد استدل على اشتراط طهارة جميع الأعضاء قبل الغسل في صحّته؛ بالروايات المتضمّنة للأمر بغسل الفرج قبل صبّ الماء على الرأس والبدن، وبما دلّ على غسل ما في البدن من الأذى؛ وهو النجاسة قبل غسل الرأس والبدن.[1]

لأنّ ظاهر الأمر فيهما إرشاد إلى الشرطية أو الجزئية، كما أنّ النهي إرشاد إلى المانعيّة في المركّبات والمقيّدات، وبهذا تمّ الإستدلال.

وفيه: أنّ هذا الظهور صحيح لو كان المولى بصدد المولويّة، بأن يكون الأمر مولويّاً، فإنّ الإرشاد إلى الشرطية أو الجزئية أو المانعية أيضاً من وظائف المولى، فعندئذ ظاهر الأمر هو كون الوجوب النفسي إرشاد إليهما، والمقام من قبيل بيان الآداب والسنن. كما قال به ابن إدريس[2] ، أو من قبيل بيان الأولويّة العاديّة؛ كما عدّه الفاضل الهندي[3] ، لأنّ الجنب أو المحتلم إذا تنجّس بالمنيّ وجفّ المنيّ في بدنه لا يزول بسهولة، وقد يحتاج لإزالته بالصابون والسدر ثم الإغتسال، فالأولى بل الأرجح أن يغسله ويزيله ثم يغتسل، والأمر بأمور عاديّة وشؤون متعارفة، لا يكون مولويّاً وجوبيّاً، بل إرشاد إلى طريق سهل، ويرشدنا إليه صحيح حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (ع) في حديث كيفيّة غسل الجنابة، قال:" فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرّك أن لا تغسل رجليك، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك".[4]

فهي تدلّ على عدم بطلان الغُسل إذا كان الموضع نجساً غير نظيف، مع أنّ الموضع قذر وموجب لتنجّس الرجلين بوصول الماء إليهما، ومعه لا يحكم ببطلان غسل رأسه وبدنه، بل أمره بغسلهما بعد ذلك حتى يطهرا ويصحّ غسلهما، فيستفاد منه أنّ صحّة الغسل غير مشروطة بطهارة الأعضاء قبله، بل يصحّ مع نجاسة الأعضاء حينه.

وإن قلت: أنّه بين النجاسة السابقة والطارئة في الأثناء فرق، فقد اشترطت الطهارة في النجاسة السابقة لا الطارئة، فلا يشترط ذلك.

قلت: بعيد جدّاً، لعدم وجود دليل معتبر على هذا الفرق، بل الدليل على خلافه، لظهور الخبر إلى كون الأمر بغسل رجليه إرشاد إلى إيجاد الغسل بنحو أسهل.

 

وجوب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء:

المسألة (6): يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء، ‌فلو كان حائل وجب رفعه، ويجب اليقين بزواله مع سبق وجوده، ومع عدم سبق وجوده يكفي الإطمئنان بعدمه بعد الفحص. ‌

 

وفيها أمران:

الأمر الأوّل: يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء، بحيث لو كان حائل وجب رفعه، لقاعدة الإشتغال، لأنّ الإشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

الأمر الثاني: فصّل الماتن بين سبق وجود الحائل وعدمه، ففي الأوّل يجب اليقين بزواله، لاستصحاب بقائه، ولا ينقض اليقين إلاّ بقين مثله، وفي الثاني يكفي الإطمئنان بعدمه بعد الفحص، لأنّه يقين عقلائيّ في لسان أهل المحاورة والعامة.[5]

والتفصيل في غير محلّه، لأنّ في صورة عدم سبق الحائل وليس لاحتماله منشأ عقلائيّ يعتني به العقلاء، صحيح أنّه يكفي فيه الإطمئنان واليقين العقلائي، وإن كان لاحتماله منشأ عقلائيّ،[6] فلا يكفي الظنّ والإطمئنان العقلائي، بل يشترط فيه اليقين بعدمه، فتدبّر.[7]


[5] الإطمئنان يدخل في اليقين بالمعنى الأعمّ، وهو يقين عقلائي، في مقابل اليقين العقليّ، الذي هو اليقين بالمعنى الأخصّ.
[6] كالدهّان والميكانيكي.
[7] فعادة في صورة عدم سبق وجود الحائل لا يكون هناك احتمال عقلائي يعتنى به، لعدم وجود منشأه، وعليه فإذا كان هناك منشأ عقلائي يعتنى به، فإنّ الإطمئنان بعدمه غير كاف، بل يشترط فيه تحصيل اليقين بعدم الحائل. لأنّ عدم سبق الحائل لا يكفي لوحده لنفي تحصيل اليقين بالعدم، فإنّ المنشأ العقلائي؛ كالميكانيكي الذي غالبا ما تكون في بدنه آثار زيوت السيارات، يكون بمنزلة السبق في وجود الحائل، ولذلك يجب عليه تحصيل اليقين بعدم وجوده.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo