< فهرست دروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /مسائل / الدرس 75

 

الشك في كون الشيء من الباطن

 

المسألة (7): إذا شكّ في شيء أنّه من الظاهر أو الباطن، يجب غسله، على خلاف ما مرّ في غسل النجاسات؛ حيث قلنا بعدم وجوب غسله، والفرق أنّ هناك الشكّ يرجع إلى الشكّ في تنجسه، بخلاف هنا، حيث إنّ التكليف بالغسل معلوم، فيجب تحصيل اليقين بالفراغ، نعم لو كان ذلك الشيء باطناً سابقاً وشكّ في أنّه صار ظاهراً أم لا؛ فلسبقه بعدم الوجوب‌ لا يجب غسله، عملاً بالاستصحاب‌.

 

قد تقدّم نظير هذه المسألة في باب الوضوء في المسألة الثالثة والعشرين من الفصل المتعلّق بأفعال الوضوء، بأنّ الشبهة تارة مفهوميّة وأخرى موضوعيّة، فإن كانت الشبهة مفهوميّة وجب غسل المشكوك فيه، بمقتضى الإطلاقات والعمومات، إلاّ ما خرج بالدليل؛[1] وهو الظاهر، فلا يغسل الباطن أو عنوان مرادف للباطن أو عنوان يصدق عليه أنّه غير ظاهر عرفاً. ولو الإطلاقات والعمومات فالمرجع هي البراءة، لدوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

وأمّا إذا كانت الشبهة موضوعيّة، فلها ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يكون للمشكوك فيه حالة سابقة، بأن كان من الظاهر.

الصورة الثانية: أن يكون للمشكوك فيه حالة سابقة كذلك، لكن كان سابقاً من الجوف والباطن. والحكم في هاتين الصورتين معلوم، ففي الأوّل وجوب الغسل، وفي الثاني عدم وجوب الغسل، لأنّه باطن.

الصورة الثالثة: أن لا يكون للمشكوك فيه حالة سابقة معلومة أصلاً، فيجري في هذه الصورة استصحاب عدم كونه من الظاهر، ولازمه عدم وجوب غسله، بناءً على القول بجريانه في الأعدام الأزليّة. ولكنّ السيّد (ره) حكم بوجوب الغسل، على خلاف ما مرّ في غسل النجاسات، حيث قال هناك بعدم وجوب غسله، والفرق أنّ هناك يرجع إلى الشكّ في أصل تنجّسه، بخلاف هذا؛ حيث أنّ التكليف بالفعل معلوم،[2] فيجب تحصيل اليقين بالفراغ.

وفيه: أنّ حقيقة الغسل أمر مركّب من الغسلات؛ كالوضوء،[3] ولا فرق بينهما من هذا الحيث، فعندئذ يكون الشكّ[4] في المقام دائر بين الأقلّ والأكثر، والمرجع هو البراءة لا الإحتياط والإشتغال.

إن قلت: أنّ المأمور به هو الطهارة التي هي الأثر الحاصل من الغسل، وهو مقتضى ظاهر قوله (ع):" ﴿وإن كنتم جنباً فاطهّروا﴾"؛ وهو الأمر البسيط الحاصل من الغسلات، لا نفس الغسلات، بل هي محصّلة له، فالشكّ حينئذ يرجع إلى المحصّل، ويكون مرجعه قاعدة الإشتغال، لا البراءة على ما قرّر في الأصول.

قلت: وفيه أوّلاً: أنّه خلاف ظاهر الأدلّة الآمرة بغسل الرأس والرقبة وغسل الجانب الأيمن والأيسر، فإنّ مقتضاه هو أنّ المأمور به ليس إلاّ نفس الغسلات. وثانياً: أنّ الشكّ في المحصّل إذا كان المأمور به ذات مراتب[5] يرجع إلى الأقل والأكثر عند بعض،[6] فالمرجع هو البراءة، والمقام من هذا القبيل، لأنّ الطهارة الحاصلة من الغسلات في الغسل أقوى من الطهارة الحاصلة من الغسلات في الوضوء لرفع الحدث الأكبر والأصغر، ولا يجب الوضوء بعد ذلك بخلاف الوضوء.

وأمّا استدراك السيّد (ره) في المتن بقوله "نعم لو كان ذلك الشيء باطناً سابقاً وشكّ في أنّه صار ظاهراً أم لا، فلسبقه بعدم الوجوب، لا يجب غسله، عملاً بالإستصحاب".

والدليل على ذلك: أنّ عدم وجوب غسله من آثار المستصحب، وهو استصحاب بقاء كون المشكوك باطناً، لكونه موضوعاً للأثر الشرعي، وهو عدم وجوب غسل الباطن.

وقد أورد عليه؛ بأنّه أصل مثبت، لأنّ لازمه عقلاً وجوب غسل ما عداه من باقي الأعضاء، واستصحاب الشيء لأجل ترتيب آثار لوازمه أصل مثبت، ومن آثار لوازمه إثبات الطهارة بغسل الباقي.

وفيه: أنّ عدم وجوب غسله من آثار نفس المستصحب كما عرفت، وإثبات الطهارة ووجوب غسل الباقي ليس من لوازمه، بل يستفاد من أدلّة الغسل،[7] من أنّ الطهارة تحصل بغسل البدن من القرن إلى القدم، والطهارة اسم لذلك؛ أي نتيجة غسل تمام البدن.


[1] دليل يخصّص العام أو يقيّد المطلق.
[2] وهو وجوب غسل تمام البدن.
[3] فالوضوء مركّب كذلك من غسل أعضاء البدن.
[4] أي الشكّ في كون الشيء من الظاهر أم من الباطن، وعليه يستلزم الدوران بين الأقل والأكثر في الأعضاء.
[5] مراتب تشكيكيّة. ويرد عليه: أنّ المراتب التشكيكية تكون في الماهيات المتحصّلة وأما هنا فالماهيات اعتبارية.
[6] أي إلى قاعدة الأقل والأكثر الإرتباطيين.
[7] أي من إطلاقات وعمومات غسل الجنابة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo