أمّا ما لا يمكن الذبّ عنه فإيرادان:

أحدهما: أنّ الاستدلال إن كان راجعاً إلى اعتبار مفهوم الوصف- أعني الفسق-، ففيه: أنّ المحقَّق في محلّه عدم اعتبار المفهوم في الوصف[1] ، خصوصاً [2] في الوصف الغير المعتمد على موصوفٍ محقَّق[3] كما فيما نحن فيه؛ فإنّه[4] أشبه[5] بمفهوم اللقب.

و لعلّ هذا[6] مراد من أجاب عن الآية- كالسيّدين‌[7] و أمين الإسلام[8] ‌ و المحقّق‌[9] و العلّامة[10] و غيرهم‌-: بأنّ هذا الاستدلال مبنيٌّ على دليل الخطاب[11] ، و لا نقول به.

و إن كان[12] باعتبار مفهوم الشرط، كما يظهر من المعالم‌ و المحكيّ عن جماعةٍ، ففيه:

أنّ[13] مفهوم الشرط عدم مجي‌ء الفاسق[14] بالنبإ، و عدم التبيّن هنا[15] لأجل عدم ما يتبيّن، فالجملة الشرطيّة هنا مسوقةٌ لبيان تحقّق الموضوع، كما في قول القائل: «إن رُزقت ولداً فاختنه»، و «إن ركب زيدٌ فخُذ ركابه»، و «إن قَدِمَ من السفر فاستقبله»، و «إن تزوّجت فلا تضيّع حقّ زوجتك»، و «إذا قرأت الدرس فاحفظه»، قال اللّه سبحانه:

«وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا» الأعراف/204 ، و «إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» النساء/86، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

و ممّا ذكرنا[16] ظهر فساد ما يقال تارةً: إنّ عدم مجي‌ء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإٍ، فلا يجب تبيّنه، فيثبت المطلوب.

و اُخرى: إنّ جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبيّن في خبر الفاسق‌ لأجل عدمه[17] ، يوجب[18] حمل السالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع، و هو خلاف الظاهر[19] .

وجه الفساد: أنّ الحكم إذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجي‌ء الفاسق به، كان المفهوم- بحسب الدلالة العرفيّة أو العقليّة- انتفاء الحكم المذكور في المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه[20] ، ففرض مجي‌ء العادل بنبإٍ عند عدم الشرط- و هو مجي‌ء الفاسق بالنبإ- لا يوجب انتفاء التبيّن عن خبر العادل الذي جاء به؛ لأنّه لم يكن مثبَتاً في المنطوق حتّى ينتفي في المفهوم، فالمفهوم في الآية و أمثالها ليس قابلاً لغير السالبة بانتفاء الموضوع، و ليس هنا[21] قضيّةٌ لفظيّةٌ سالبة دار الأمر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود أو لانتفاء الموضوع.