و ربما يتوهّم[1] : أنّ للآيات الناهية جهة خصوصٍ، إمّا من جهة اختصاصها[2] بصورة التمكّن من العلم، و إمّا من جهة[3] اختصاصها بغير البيّنة العادلة و أمثالها[4] ممّا خرج عن تلك الآيات قطعاً.

و يندفع الأوّل- بعد منع الاختصاص[5] -: بأنّه يكفي[6] المستدلّ كون الخبر حجّةً بالخصوص عند الانسداد.

جلسه 114 (ص 263)

و الثاني: بأنّ خروج ما خرج[7] من أدلّة حرمة العمل بالظنّ لا يوجب جهة عمومٍ في المفهوم[8] ؛ لأنّ المفهوم- أيضاً[9] - دليلٌ خاصّ، مثل الخاصّ الذي خصّص أدلّة حرمة العمل بالظنّ، فلا يجوز تخصيص العامّ بأحدهما أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ بعد ذلك التخصيص و بين الخاصّ الأخير.

فإذا ورد: أكرم العلماء، ثمّ قام الدليل على عدم وجوب إكرام جماعةٍ من فسّاقهم[10] ، ثمّ ورد دليلٌ ثالثٌ على عدم وجوب إكرام مطلق الفسّاق منهم، فلا مجال لتوهّم تخصيص العامّ بالخاصّ الأوّل أوّلاً، ثمّ جعل النسبة بينه[11] و بين الخاصّ الثاني عموماً من وجه[12] ، و هذا أمر واضح نبّهنا عليه في باب التعارض.

جلسه 115 (ص 264)

و منها: أنّ مفهوم الآية لو دلّ على حجّيّة خبر العادل لدلّ على حجّيّة الإجماع الذي أخبر به السيّد المرتضى‌

و أتباعه قدّست أسرارهم:

من عدم حجّيّة خبر العادل؛ لأنّهم عدولٌ أخبروا بحكم الإمام عليه السّلام بعدم حجّيّة الخبر.

و فساد هذا الإيراد أوضح من أن يبيّن؛ إذ بعد الغضّ عمّا ذكرنا سابقاً في عدم شمول آية النبأ للاجماع[13] المنقول، و بعد الغضّ عن أنّ إخبار هؤلاء[14] مُعارَضٌ بإخبار الشيخ[15] قدّس سرّه، نقول: إنّه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الآية.

أمّا أوّلاً: فلأنّ دخوله[16] يستلزم خروجه- لأنّه خبر عادل‌- فيستحيل دخوله[17] .

و دعوى[18] : أنّه لا يعمّ[19] نفسه، مدفوعةٌ: بأنّه و إن لم يعمّ نفسه- لقصور دلالة اللفظ عليه[20] - إلّا أنّه يُعلم[21] أنّ الحكم ثابتٌ لهذا الفرد؛ للعلم بعدم خصوصيّةٍ مخرجةٍ له عن الحكم؛ و لذا لو سألنا السيّد عن أنّه إذا ثبت إجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتّكال عليه؟ فيقول: لا.

و أمّا ثانياً: فلو سلّمنا جواز دخوله[22] ، لكن نقول: إنّه وقع الإجماع[23] على خروجه من النافين[24] لحجّيّة الخبر و من المثبتين[25] ، فتأمّل[26] .

و أمّا ثالثاً: فلدوران الأمر بين دخوله و خروج ما عداه و بين العكس، و لا ريب أنّ العكس متعيّنٌ، لا لمجرّد قبح[27] انتهاء التخصيص إلى الواحد؛ بل لأنّ المقصود من الكلام حينئذٍ[28] ينحصر في بيان عدم حجّيّة خبر العادل، و لا ريب أنّ التعبير عن هذا المقصود بما يدلّ على عموم حجّيّة خبر العادل قبيحٌ في الغاية و فضيحٌ إلى النهاية؛ كما يُعلم من قول القائل: «صدّق زيداً في جميع ما يُخبرك»، فأخبرك زيدٌ بألفٍ من الأخبار، ثمّ أخبر بكذب جميعها، فأراد القائل من قوله: «صدّق ...

الخ» خصوص هذا الخبر.

و قد أجاب بعض من لا تحصيل[29] له: بأنّ الإجماع المنقول مظنون الاعتبار و ظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.