< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثلاثون: الاستدلال بالآيات والأخبار على المنع من الدهن المتنجس

 

قال الشيخ الأعظم الأنصاري أعلى الله مقامه الشريف أما الآيات فمنها قوله تعالى ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه﴾[1] [2]

لا زلنا نتكلم في الاكتساب بالدهن المتنجس قلنا يوجد قولان:

القول الأول لمشهور القدماء أن الأصل في المتنجس هو الحرمة إلا ما خرج بالدليل كالاستصباح بالدهن المتنجس تحت السماء.

القول الثاني لمشهور المتأخرين الأصل في المتنجس هو حلية الانتفاع إلا ما خرج بالدليل كأكله أو شربه أو الاستصباح تحت السقف وقد رجح الشيخ الأنصاري "رحمه الله" قول المتأخرين قائلا الأقوى وفاقا لأكثر المتأخرين جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل واستند إلى أصلين عمليين وهما أصالة الجواز ـ الإباحة ـ وأصالة الحل ثم قال لا يوجد دليل حاكم ومقدم عليهما لا من الآيات ولا الروايات ولا الاجماعات ثم أنبرع الشيخ الأعظم الأنصاري مناقشا للآيات والروايات والاجماعات التي استدل بها على حرمة المتنجس، شرعدل أولا في بيان الآيات استدل بثلاث آيات، الآية الأولى قوله تعالى ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه﴾

تقريب الاستدلال المتنجس رجس فاجتنبوه، فرع الاجتناب على صدق عنوان الرجس وهكذا الاستدلال بالآية الثانية ﴿والرجز فاهجر﴾ [3] بناء على أن الرجز هو نفس الرجس وإن كان بعض المفسرين يقول إن الرُجز معنى اشد من الرجس وبعضهم يحمل الرجس على القذارة المادية والرجز على القذارة المعنوية تقريب الاستدلال والرجز فاهجر وقد أمر النبي بهجران الرجز والرجز بمعنى الرجس ثم ناقش الشيخ الأنصاري الاستدلال بالآية الأولى بثلاث مناقشات المناقشة الأولى والثانية تجري أيضا في الاستدلال بالآية الثانية (والرجز فاهجر) بخلاف المناقشة الثالثة فإنها لا تجري وبيان المناقشات الثلاث كما يلي:

المناقشة الأولى الظاهر من لفظ الرجس ما كان رجسا في ذاته لا بالعرض فيختص الرجز بخصوص العناوين والأعيان النجسة دون الأعيان المتنجسة فالاستدلال بالآية أجنبي هذه المناقشة كما تتم في الاستدلال بالآية الأولى تتم أيضا في الاستدلال بالآية الثانية، إذن الرجز ناظر إلى النجاسات العشر المعروفة البول والغائط والخمر والفقاع والدم والخنزير والكلب والكافر إلى آخره.

المناقشة الثانية لو سلمنا أن عنوان الرجس يشمل النجس والمتنجس يشمل النجس بالذات والنجس بالعرض يلزم الالتزام بلازم لا يمكن الالتزام به وهو لزوم اجتناب جميع المتنجسات ومن قال إن جميع المتنجسات يجب اجتنابها ما أكثر الفراش بول الولد، دم إلى آخره ما أكثر المتنجسات من قال أن كل متنجس يجب اجتنابه، إن قلت مخصص يجب اجتناب النجس والمتنجس مطلقاً إلا ثوب الصبي إلا فراش الولد يلزم تخصيص الأكثر وتخصيص الأكثر قبيح عند العقلاء إذن المناقشة الثانية مفادها هكذا نقض عليك إن قلت إن عنوان الرجس يشمل المتنجس يلزم لزوم اجتناب جميع المتنجسات وهذا لا يمكن الالتزام به إن قلت بالتخصيص يلزم تخصيص الأكثر وهذا قبيح في المحاورات العرفية هذه المناقشة الثانية أيضا تجري بالنسبة إلى الآية الثانية.

المناقشة الثالثة ﴿إنما الخمر والميسر﴾ و... رجس من عمل الشيطان لذلك المناقشة الثالثة لا تجري بالنسبة إلى الآية الثانية لأن الآية الثانية فيها والرجز فأهجر يعني في الرجز ما فيما من عمل الشيطان لكن الآية الأولى فيها رجس من عمل الشيطان،

ما المراد بعمل الشيطان؟ يوجد احتمالان وعلى كلا الاحتمالين لا يتم الاستدلال، الاحتمال الأول من عمل الشيطان يعني من مبتدعات وبدع الشيطان إذا حملنا عمل الشيطان على بدع الشيطان ما يصير إن المتنجس من بدع الشيطان، المتنجس ليس من بدع الشيطان إذن إن حملنا رجس من عمل الشيطان على أنه من مبتدعات الشيطان في هذه الحالة ما يشمل المتنجس، دهن تنجس طين تنجس صبغ تنجس هذا صار من مبتدعات الشيطان يجب أن نجتنبها؟ كلا، يجب أن تتجنب مطلقاً عمل الشيطان سواء كان قذارة مادية مثل الخمر أو قذارة معنوية مثل الحشيشة والمخدِرات أو مثل الميسر والقمار هذا ليس نجس مادياً ولكن قذر معنوياً إذن إن حملنا من عمل الشيطان على بدع الشيطان يصير يشمل العناوين النجسة مادياً ومعنوياً وما يشمل الأعيان المتنجسة وإن حملنا عمل الشيطان بمعنى عمل المكلف خارجاً الذي حصل بإغواء الشيطان سامحني الشيطان غواني هذا المراد عمل الشيطان يعني عمل المكلف الذي تحقق في الخارج بسبب إغواء الشيطان إذا حملناه على هذا المعنى في هذه الحالة هذا أيضا لا يدل على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس إلا ثبتنا إن نفس الاستعمال رجس، نفس استعمال المتنجس رجس هذا أول الكلام، من قال إن نفس الاستعمال رجس هذا نريد أن نثبته الآن ولم يثبت، إذن الاستدلال بالآية الأولى والثانية ليس بتام.

يبقى الكلام في الاستدلال بالآية الثالثة وهي قوله "عز وجل" ﴿ويحرم عليهم الخبائث﴾[4] في مقابل ﴿يحل لهم الطيبات﴾ الشيخ الأنصاري يقول الاستدلال بقوله ﴿ويحرم عليهم الخبائث﴾ اضعف من الكل اضعف من الاستدلال بالآية الأولى والآية الثانية لأن هذا الاستدلال مبني على أن كل متنجس خبيث والتحريم المطلق ويحرم يعني مطلقا يعني مطلق المنافع وهذا يحتاج إلى دليل، من قال إن المراد مطلق المنافع لما يقول يحل لهم الطيبات ينصرف إلى أكل الطيبات صحيح الآية لم تصرح قالت يحل لهم الطيبات لكن العرف يفهم يعني يحل لهم أكل الطيبات ما يفهم يحل لهم النوم على الطيبات، يحل لهم يمشي السيارة وهي من الطيبات لا يفهم ذلك العرف يفهم ويحل لهم الطيبات يعني أكل الطيبات فيصير ويحرم عليهم الخبائث، الخبائث في مقابل الطيبات إذا الطيبات حملناها على الأكل حملنا المحرمات على خصوص الأكل فتكون الآية خارجة تخصصاً عن مورد بحثنا ليس بحثنا هو أكل المتنجس بحثنا استعمال المتنجس والآية مختصة بخصوص الأكل والشرب فتكون أجنبية لذلك قال أضعف من الكل.

أما الآيات فمنها قوله تعالى ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه﴾ دل قوله تعالى بمقتضى التفريع فاجتنبوه على وجوب اجتناب كل رجس.

وفيه ثلاث مناقشات:

الأولى إن الظاهر من الرجس ما كان كذلك يعني رجسا في ذاته لا ما عرض له ذلك يعني لا ما عرض له الرجس ما عرض له النجاسة فيختص الرجس بالعناوين النجسة وهي النجاسات العشر المعروفة في الفقه مع أنه هذه المناقشة الثانية لو عم ـ الرجس ـ المتنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد يعني لزم أن يخرج عن وجوب اجتنابه أكثر الأفراد فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه يعني يريد أن يقول فيه حرمة وضعية نجاسة وليس فيه حرمة تكليفية يحرم مباشرة من قال أكثر المتنجسات يجوز اقتحامها ليس بحرام لا يوجد إثم.

المناقشة الثالثة مع أن وجوب الاجتناب ثابت فيما كان ثابتا رجسا من عمل الشيطان يعني في خصوص الرجس من عمل الشيطان يعني من مبتدعاته هذا المعنى الأول من مبتدعات الشيطان فيختص وجوب الاجتناب المطلق يعني اجتناب الرجس مطلقا يعني ما يختص بأكل وغير أكل مطلق الانتفاع بما كان من عمل الشيطان سواء كان نجساً يعني نجساً مادياً كالخمر أو قذراً معنويا مثل الميسر ومن المعلوم أن المائعات المتنجسة كالدهن والطين والصبغ والدبس إذا تنجست ليست من أعمال الشيطان يعني ليست من مبتدعات الشيطان، هذا المعنى الأول لعمل الشيطان مبتدعاته.

المعنى الثاني إغوائه وإن أريد من عمل الشيطان عمل المكلف المتحقق في الخارج بإغوائه يعني بإغواء الشيطان ليكون المراد بالمذكورات ـ الدهن والطين والصبغ و... ـ استعمالها على النحو الخاص،

ما هو النحو الخاص؟ أكل، شرب، صبغ، إلى آخره، فالمعنى أن الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان كما يقال في سائر المعاصي إنها من عمل الشيطان إذا حملناها على هذا المعنى إغواء الشيطان هذا لا يدل على وجوب الاجتناب، فلا تدل أيضا بناء على هذا المعنى إغواء الشيطان على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس إلا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا وهو أول الكلام هذا ما نبحثه هل استعمال هذه المذكورات رجس أو لا؟ هذا أول الكلام لا دليل عليه.

وكيف كان يعني سواء تمت المناقشة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وكيف كان يعني سواء حملنا عمل الشيطان على المعنى الأول بدعة منه أو المعنى الثاني إغوائه فالآية لا تدل على المطلوب ومن بعض ما ذكرنا وهو المناقشة الأولى والثانية دون الثالثة يظهر ضعف الاستدلال على ذلك وجوب اجتناب المتنجس بقوله تعالى ﴿والرجز فاهجر﴾[5] بناء على أن الرجز هو الرجس.

الاستدلال الثالث واضعف من الكل يعني من الاستدلال بالآية الأولى والثانية الاستدلال بآية تحريم الخبائث[6] بناء على أن كل متنجس خبيث والتحريم المطلق يفيد عموم الانتفاع يعني يفيد تحريم عموم الانتفاع.

إذ لا يخفى أن المراد هنا حرمة الأكل وليس مطلق الانتفاع،

من أين عرفنا إن المراد حرمة الأكل؟ بقرينة مقابلته ـ تحريم الخبائث ـ بحلية الطيبات، الآية ﴿ويحرم عليهم الخبائث ويحل لهم الطيبات﴾ يحل لهم أكل الطيبات يعني يحرم عليهم أكل الخبائث.

وأما الأخبار أول الأخبار الاستدلال برواية تحف العقول وواضح أن وجوه النجس بمعنى العناوين النجسة فلا يتم الاستدلال.

وأما الأخبار فمنها ما تقدم من رواية تحف العقول حيث علل النهي عن بيع وجوه النجس بأن ذلك كله ـ الانتفاع بوجوه النجس ـ محرم أكله وشربه وإمساكه وجميع التقلب فيه فجميع التقلب في ذلك حرام.[7]

عندنا نجاسة أرضية وعندنا نجاسة طولية، النجاسة العرضية النجاسات العشرة التي في عرض بعض البول في عرض الغائط في عرض الدم في عرض الخنزير، النجاسة الطولية يعني الفرعية الثوب المتنجس بالبول هذا في طول البول وليس في عرض الدم، الثوب المتنجس بالدم هذا في طول الدم يعني فرع نجاسة الدم إذن النجاسات عرضية والمتنجسات طولية.

عندنا نجاسات عرضية يعني في عرض بعض في مقابل بعض وهي الأعيان النجسة العشرة وعندنا نجاسات طولية يعني المتنجسات التي هي في طول وفرع النجاسات العشر.

هنا وجوه النجس يراد به النجاسات العرضية التي في مقابل بعض لا النجاسات الطولية المتفرعة على النجاسات العرضية هذا فقط تفنن بالتعبير.

وفيه ما تقدم من أن المراد بوجوه النجس عنواناته المعهودة يعني العناوين المعروفة لأن الوجه هو العنوان يريد أن يقول المراد بالوجوه العرضية، الطولية لا يقولون له وجوه لأن الوجه هو العنوان والدهن ليس عنوانا للنجاسة يعني يقول والدهن ليس عنوانا عرضيا للنجاسة ليس من العناوين التي في عرض بعض في مقابل بعض، والملاقي للنجس مثل الثوب الملاقي للبول وإن كان عنوانا للنجاسة يعني وإن كان عنوانا طوليا للنجاسة لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة يعني لكنه ليس وجها عرضيا من وجوه النجاسة في مقابلة غيره يعني في مقابل غيره في عرض غيره.

يريد أن يقول وجوه النجس تنصرف إلى العناوين العرضية ملاقي النجس وهو المتنجس وإن كان هو عنوان لكن عنوان طولي وليس عنوانا عرضيا فلا يطلق عليه وجه أو وجوه، لفظ الوجوه خاص بخصوص العناوين العرضية لا العناوين الطولية لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره ولذا لأن ملاقي النجس ليس من العناوين العرضية ليس في مقابلة غيره لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة يعني في عرض العناوين النجسة مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر لو أريد به المنع عن استعمال كل متنجس، هذه المناقشة الثانية واضحة أنه يلزم تخصيص الأكثر إذا حمل على اجتناب كل متنجس.

الروايات التي آمرة بالإرهاق يريقه هذه ناظرة إلى الأكل يقول له أرقه يعني لا تستطيع أن تأكله أرقه لا بمعنى أنه لازم تجتنبه إذا تستطيع أن تستفيد منه تصبغ به جيد لكن في الغالب كانوا يستفيدون منه في الأكل والشرب ما دام تنجس وهو مضاف يتنجس وينفعل بمجرد ملاقاة النجاسة الإمام "عليه السلام" قال ارقه لأنه لا فائدة فيه.

ومنها ما دل على الأمر بهراق المائعات الملاقية للنجاسة[8] وإلقاء ما حول الجامد من الدهن وشبهه وطرحه [9] ـ طرح ما حول الجامد من الدهن ـ وقد تقدم بعضها في مسألة الدهن وبعضها الآخر متفرقة يعني في أبواب متفرقة حتى غير الدهن مثل قوله يهريق المرق ونحو ذلك لأن المرق ماء مضاف إذا تنجس يلقيه لماذا؟ قال وفيه إن طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الأكل فإن ما أمر بطرحه من جامد الدهن والزيت يجوز الاستصباح به إجماعا فالمراد إطراحه من ظرف الدهن وترك الباقي للأكل لأنه طرحه مطلقاً، هذا تمام الكلام في بيان الآيات والروايات التي استدل بها على قول القدماء الأصل هو حرمة استعمال المتنجس إلا ما خرج بالدليل واتضح أن الدليل عليل الآيات لا تدل على الحرمة والروايات ما تدل على الحرمة بقي الكلام في الاجماعات وسيتضح أنها غير تامة ولا تدل على الحرمة نرجع إلى أصالة الجواز وأصالة الإباحة، شيخ الأنصاري بعد أن يرد الاجماعات في مقام رده يذكر كلام المتأخرين لنقض هذه الاجماعات، وأما الاجماعات يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo