< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس التاسع والثلاثون: القسم الأول من النوع الثاني هياكل العبادة المبتدعة

 

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به[1] وهو على أقسام:

القسم الأول ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص ـ شكله الخاص ـ إلا الحرام وهي أمور منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم.

قسم الشيخ مرتضى الأنصاري "رحمه الله" المكاسب المحرمة إلى خمسة أنواع النوع الأول الاكتساب بالأعيان النجسة أو المتنجسة، النوع الثاني ما يحرم التكسب به لحرمة ما يقصد منه وهو على ثلاثة أقسام:

القسم الأول ما لا يقصد منه إلا الحرام كالصليب والصنم

القسم الثاني ما يقصد منه الحرام كبيع العنب ليعمل خمرا وبيع الخشب ليعمل صليبا

القسم الثالث ما يتوصل منه إلى الحرام عادة كبيع السلاح لأعداء الدين

إذن المباحث التي ستأتي مباحث عملية وشيقة.

نشرع في القسم الأول ما لا يقصد منه إلا الحرام بيع الصليب وبيع الصنم عادة لا يباع إلا لكي يعبد وتحرم عبادة الأوثان والصلبان لذلك يقول الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الإجماع عليه يعني على حرمة بيع هياكل عبادة المبتدعة المخترعة كالصليب والصنم ويدل عليه مواضع من رواية تحف العقول المتقدمة مثل قوله "عليه السلام" (وكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه) وقوله "عليه السلام" (أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد) وقوله "عليه السلام" (وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله) كل هذه الروايات تصدق على بيع الصلبان وبيع الأصنام.

وقوله "عليه السلام" (إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها مما يجيء منها الفساد محضاً خالصاً نظير المزامير والبرابط وكل ملهو به والصلبان والأصنام) فيها تصريح بالصلبان والأصنام إلى أن قال (فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) ولكن هذه الروايات العامة قد اتضح أنها ضعيفة السند وهناك مناقشة في متن رواية تحف العقول إذ فيها اضطراب فقد لا يقبلها البعض لذلك أضاف دليلين آخرين،

الدليل الأول قال هذا كله روايات العامة روايات تحف العقول مضافاً إلى أن أكل المال في مقابل هذه الأشياء ـ الهياكل والصلبان ـ أكل له بالباطل يعني أكل للمال بالباطل لأنها لا مالية لها فيكون بذل المال في مقابلها أكل للمال بالباطل هذا دليل تام.

الدليل الثاني وإلى قوله "صلى الله عليه وآله" إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه[2] وهي الرواية النبوية وقد ناقشنا في سندها واتضح أنها ليست تامة إذ لم يرويها إلا صاحب عوالي اللئالي ابن أبي جمهور الاحسائي وهي رواية عامية، كيف يتم الاستدلال بها إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه؟ المراد بتحريم إما جميع المنافع أو أغلب المنافع الغالبة.

قال بناء على أن تحريم هذه الأمور ـ الصلبان والأصنام ـ تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة،

ما هي المنافع الدائمة؟ العبادة، فإن الصليب من حيث إنه خشب بهذه الهيئة ـ بهيئة الصليب ـ لا ينتفع به إلا في الحرام وليس بهذه الهيئة ـ هيئة الصليب ـ مما ينتفع به في المحلل والمحرم.

لو افترضنا أن الصليب له منفعة غالبة وهي التعبد وله منفعة نادرة مثلا يعلقوه على الثياب أيضا لا يصح بيعه لأن البيع يلحظ فيه المنفعة الغالبة لا المنفعة الشخصية النادرة وإنما المنفعة النوعية الغالبة وهي العبادة وهذا حرام.

قال ولو فرض ذلك يعني كونه مما ينتفع به في المحلل والمحرم، كان منفعة نادرة يعلقون عليه الثياب هذا منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول المطلق يعني تحريم بيع العين بشكل مطلق يعني سواء كان متمحضاً في المنفعة المحرمة أو أعم في المنفعة المحرمة والمحللة وكانت المنفعة المحرمة هي الغالبة، الذي هو المناط في تحريم الثمن، المناط في تحريم الثمن موجود منفعة محرمة غالبة فيكون بذل الثمن في مقابلها أكل للمال بالباطل.

لو افترضنا فرضية أخرى أن هذا الصليب له منفعتان مشتركتان قد يكون هيكل للعبادة وقد صنعوه بشكل يمكن تحويله إلى شيء آخر يستفاد منه في أمور حسنة يمكن تركبه يصير صليب ويمكن تركبه يصير هذا لنشر الثياب عليه أو تضعه يخيف الطيور في البساتين ويستخدم في كلا الأمرين لو افترضنا في هذه الحالة جاز بيعه بقصد المنفعة المحللة يشتري بحيث ما يركبه إلا بهيئة الخفاش الذي يخيف الطيور في البساتين أو بهيئة ما يعلق عليه الثياب مثلا نعم لو فرض هيئة خاصة يعني وجود هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة وآلة أخرى يعني ما يخيف الطيور في البساتين مثلا أو ما يوضع عليه الثياب لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة يستخدم في كلا المنفعتين فالأقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة كما اعترف به الشهيد الثاني في المسالك[3] .

الشيخ جعفر كاشف الغطاء "رحمه الله" استظهر من الروايات والاجماعات أحد أمرين:

الأمر الأول أن يحمل بيع الصليب وبيع الصلبان على أنه أصلا لا توجد فيه منفعة محللة أي أنهما قد تمحضا في المنفعة المحرمة لذلك دلت الروايات والاجماعات على حرمة بيعه هذا التصوير الأول.

التصوير الثاني توجد منفعة محرمة وتوجد منفعة محللة لكن المنفعة المحرمة هي الغالبة والمنفعة المحللة هي النادرة فيكون بذل الثمن في مقابل المنفعة الغالبة فيحرم.

قال فما ذكره بعض الأساطين[4] الشيخ جعفر كاشف الغطاء في شرح القواعد من أن ظاهر الإجماع والأخبار أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة وغيرها وهي غير المحللة يعني قصد الجهة المحرمة فلعله محمول

الحمل الأول التصوير الأول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها هذا التصوير الأول يعني هيئة الصليب وهيئة الصنم لا دخل لهما في الهيئة المحللة يعني يريد أن يقول نحمل الروايات الناهية عن بيع الصليب والصلبان على أن الصليب والمحرم هيئة متمحضة في الحرمة ولا دخل لهاتين الهيئتين في جهة من جهات الحلال إذن التصوير الأول يرى أن الهيئة مختصة بخصوص المنفعة المحرمة.

فلعله محمول على الجهة التي لا دخل للهيئة يعني لهيئة الصليب أو الصنم فيها يعني في الجهة المحللة يعني بأن تكون هيئة الصليب متمحضة في المنفعة المحرمة.

الحمل الثاني أو النادرة ـ المنفعة النادرة ـ التي مما للهيئة دخل فيه يعني لهيئة الصليب وهيئة الصنم دخل في المنفعة الغالبة المحرمة وهي العبادة وفي المنفعة المحللة النادرة فيكون البيع يلحظ المنفعة الغالبة وهي العبادة فيحرم نعم ذكر أيضا بعض الأساطين وفاقاً لظاهر غيره ـ غير كاشف الغطاء ـ بل الأكثر أنه لا فرق بين قصد المادة والهيئة ثم يشرع الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في بيان مقصود كاشف الغطاء من قصد المادة، معروف المادة الخشب أو الحديد والهيئة يعني شكل صليب وشكل صنم هنا ماذا يريد كاشف الغطاء من قوله قصد المادة؟ يشرع الشيخ الأنصاري في تحقيق هذه المسألة ويأتي باحتمالين:

الاحتمال الأول المراد بقصد المادة أن تكون المادة هي الباعث على الشراء، افترض رأى صليب من خشب صاج وخشب الصاج ما متوفر قال هذا خشب جيد أنا أشتريه لكي أخذ خشب الصاج فهنا قصد المادة لكنه بذل المال في مقابل الاثنين يعني اشترى الخشب ودفع المال في مقابل الخشب وهيئة الصنم أو هيئة الصليب، هنا المبيع ليس الخشب فقط إذا الخشب فقط لاكتفى بتكسيره مثلا أو أنه غير هيئته، كلا هنا المبيع الخشب والهيئة معا لكن الداعي للشراء هو الخشب هنا يحرم لأنه أكل للمال بالباطل بذلت المال في مقابل مجموع المادة والهيئة وإن كان الداعي والدافع الذي دفعك للشراء هو كون هذا الصليب من ذهب أو من خشب صاج أو ما شاكل ذلك وأحيانا يكون المقصود المادة فقط بقطع النظر عن الهيئة صار أو ما صار المهم هو يريد أن يشتري الخشب الهيئة ما تهمه وبالتالي إما يشتري خشب فقط يقول له اكسره وأنا اشتري الخشب وإما أن يكون ضمن شيء مركب هو اشترى مجموعة من خشب الصاج وتبين أن بعضها أصنام أو بعضها صلبان هو لما اشترى لم يلتفت أن موجود ضمنها أصنام أو صلبان هذه المعاملة صحيحة لا مانع منها لأن المعاملة وقعت على المادة والدليل إذا تبين أن هذا مكسور وأراد أن يرجع عليه ما يرجع عليه بقيمة كسر الصنم أو الصليب يرجع عليه بقيمة الخشب فقط، هذا تمام الكلام في تفصيل الشيخ الأنصاري لتعبير كاشف الغطاء قصد المادة يعني قصد المادة هل المراد هي الداعي والمبيع هو المجموع أو المراد من قصد المادة أن المبيع هو المادة فقط، هذا هو الملاك إذا المبيع المقصود هو المادة فقط المعاملة صحيحة إذا المبيع مجموع المادة والهيئة المعاملة باطلة حتى لو كان الداعي الذي دعاه هو المادة.

أقول ـ الشيخ الأنصاري ـ إن أراد ـ كاشف الغطاء ـ بقصد المادة كونها ـ المادة كالخشب ـ هي الباعثة يعني هي التي دعته على بذل المال بإزاء ذلك الشيء يعني مقابل ذلك الشيء ذلك الصنم أو الصليب وإن كان عنوان المبيع المبذول بإزاء ـ مقابله ـ الثمن هو ذلك الشيء يعني ذلك الشيء بمجموعه من المادة والهيئة فما استظهره من الإجماع والأخبار حسن ـ الحرمة ـ لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم ـ جسم مادة ـ المتشكل بالشكل الخاص يعني له هيئة من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال على الباطل لأن المال يبذل في مقابل المبيع الذي هو مجموع المادة والهيئة فهنا يحرم وإن كان الداعي للشراء هو المادة.

الشق الثاني وإن أراد كاشف الغطاء بقصد المادة كون المبيع هي المادة يعني المادة فقط دون الهيئة سواء تعلق البيع بها بالخصوص ـ بالمادة فقط ـ كأن يقول بعتك خشب هذا الصنم أو في ضمن مجموع المركب يعني أو تعلق البيع بالمادة في ضمن مجموع المركب كما لو وزن له وزنة حطب يعني مجموعة حطب فقال بعتك يعني بعتك هذه الأخشاب فظهر فيه صنم أو صليب فالحكم ببطلان البيع في الأول إذا تعلق البيع بالمادة بالخصوص وفي مقدار يعني والحكم ببطلان البيع في مقدار الصنم في الثاني إذا تعلق بالمادة في ضمن مجموع مركب مشكل لأن أدلة النهي عن بيع الصلبان والأصنام لا تشمله المبيع هو المادة فقط ولا دخل للهيئة لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرض يعني لمنع شمول الأدلة الناهية عن بيع الصليب والصنم لمثل هذا الفرض الذي كان المبيع فيه هو خصوص الخشب والمادة دون الهيئة لأن المتيقن من الأدلة المتقدمة حرمة المعاوضة على هذه الأمور الصنم والصليب نظير المعاوضة على غيره من الأمور العرفية وفي بعض النسخ على غيرها يعني غير الصلبان والأصنام من الأموال العرفية وهو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشيء من المادة والهيئة والأوصاف يعني يكون المبيع المجموع ـ مجموع المادة والهيئة وأوصاف هذا المبيع ـ والحاصل أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء من غير مدخلية الشكل هذا كما في القسم الثاني فيجوز ألا ترى أنه لو باعه وزنة نحاس يعني اشتراه على أنه نحاس اتضح أن بينهم صنم نحاس، فظهر فيها آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب لأن المبيع هي المادة ـ مادة النحاس ـ دون شكلها، ما يثبت له خيار العيب يقول هذه آنية مكسورة أرجعها أنا بعتك نحاس ما بعتك آنية، ودعوى أن المال يأتي عليه الكلام.

 


[4] القواعد (مخطوط ): 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo