< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والخمسون: النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء [1] كبيع الخنافس والغربان والجرذان والحشرات والثعابين والحيات فالتحريم في هذا القسم ليس إلا من باب فساد المعاملة فلا يترتب النقل والانتقال فلو اشتريت خنفساء بدينار فإن الدينار لا ينتقل من ملكيتي إلى ملكية بائع الخنفساء كما أن ملكية الخنفساء لا تنتقل من ملكية البائع إلى ملكية المشتري فليس البحث هنا كالبحث في الاكتساب بالخمر والخنزير الذي ينظر فيه إلى الحرمة التكليفية يحرم بيع الخمر والخنزير أي أن بيع الخمر والخنزير يترتب عليه الإثم ولا يقال إن بيع الغراب والخنفساء والحية يترتب عليه الإثم نعم لا يترتب عليه النقل والانتقال فالمعاملة فاسدة باطلة ولكن ما هو الدليل على الفساد:

الدليل الأول وهو ما صرح به فخر المحققين ابن العلامة الحلي في كتابه إيضاح الفوائد الجزء الأول صفحة 401[2] قال هذا يصدق عليه أكل للمال بالباطل أي أن المال يكون مقابلا للباطل والمعاملة التي يكون فيها المال بإزاء الباطل وفي مقابل الباطل معاملة باطلة فاسدة.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يعلق على هذا الدليل الأول ويقول توجد الكثير من المنافع في الحشرات وغيرها مما ذكر بل بعض هذه الفوائد تقابل بمال عرفا ولو بقليل بحيث لا يعد بذل المال في مقابلها سفها فلا يصدق عنوان أكل المال بالباطل فبعض الحشرات قد يستفاد منها في تهريب حشرات أخر تضع هذه الحشرة لكي تفر الحشرة الأخرى كما سيأتي في حيوان الحدأة التي تلتهم الجرذان وتحاصر وتهجم على الجرذان إذن بما أنه توجد بعض المنافع في المذكورات لا يصدق عنوان أكل المال بالباطل.

الدليل الثاني العمدة فيما يستفاد من النصوص الشرعية والفتاوى الفقهية أن الشارع لا يعتني بالمنافع النادرة فهي في نظره كالمعدومة ولو قلنا أنك تريد أن تحلل أي شيء لوجود منفعة فيه ولو نادرة للزم تحريم جميع الأشياء لأنه ما من شيء إلا وفيه منفعة نادرة قد يعتد بها العقلاء وقد لا يعتدون بها إذن المهم في الدليل هو هذا وهذا ما عنون به الشيخ الأنصاري النوع الثالث ما لا منفعة فيه أولا محللة ثانيا معتدا بها عند العقلاء فلو وجدت منفعة أولا محللة ثانيا معتد بها عند العقلاء قد تكون محرمة ومعتد بها عند بعض العقلاء، إذن الكلام في أن بعض الأشياء فيها منفعة نادرة فإذا كانت هذه المنفعة محللة ومعتد بها عند العقلاء جاز بيعها ولكن إذا كانت هذه المنفعة ليست محللة أو محللة لكن غير معتد بها عند العقلاء فلا يجوز.

النوع الثالث ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء والتحريم في هذا القسم يعني هذا النوع الثالث ليس إلا من حيث فساد المعاملة يعني الحرمة الوضعية لا التكليفية فلا يحرم بيع الخنفساء وعدم تملك الثمن وليس كالاكتساب بالخمر والخنزير الذي فيه الحرمة تكون تكليفية توجب الإثم.

والدليل على الفساد في هذا القسم يعني عدم ترتب النقل والانتقال الحرمة الوضعية على ما صرح به في الإيضاح [3] هذا الدليل الأول كون أكل المال بإزائه يعني في مقابله، أكلا بالباطل وفيه تأمل في صدق كون أكل مال بإزائه أكلا بالباطل في هذا الصدق تأمل لأن منافع كثير من الأشياء التي ذكروها في المقام تقابل عرفا بمال مثل بيع الأسد سابقا صحيح ولكن الآن يستفاد منه في السرك.

تقابل عرفا بمال ولو قليل بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه يعني في مقابله سفها، الدليل الثاني العمدة ما يستفاد من الفتاوى والنصوص من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة وكونها ـ المنافع النادرة ـ في نظره ـ نظر الشارع ـ كالمعدومة يعني كأنها غير موجودة.

قال في المبسوط الشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي إن الحيوان الطاهر على ضربين ضرب ينتفع به والآخر لا ينتفع به إلى أن قال وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر الحشرات مثل الحيات والعقارب والفأر والخنافس والجعلان والحدأة والرخمة والنسر وبغاث الطير وكذلك الغربان انتهى[4] .

الخنافس جمع الخنفس دويب سوداء أصغر من الجعل كريهة الرائحة، المنجد.

الجعلان بكسر الجيم وسكون العين جمع الجُعل ضرب من الخنافس يعني قسم من أقسام الخنفساء.

الحدأة بكسر الحاء وفتح الداء وفتح الهمزة طائر يصيد الجرذان ويعرف عند عوامنا بالشوحة جمعه حداء وحدئآن فاقرب الموارد، الجرذان جمع الجرذ وهو نوع من الفأر الكبير.

الرخمة بفتح الراء والخاء طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع.

النسر بتثليث النون يعني النِسر والنَسر والنُسر والفتح أفصح النَسر أشهر طائر حاد البصر وأشد الطيور وأرفعها طيرانا وأقواها جناحا تخافه كل الجوارح وليس في سباع الطير أكبر جثة منه ويقال له أبو الطير وكنيته أبو الأبرد أبو الأصبع أبو المالك وأبو المنهال وأبو يحيى والأنثى يقال لها أم قشعم جمعه أنسر ونسور، تراجع أقرب الموارد.

بغاث الطير بتثليث الباء يعني بُغاث بَغاث بِغاث طائر أبغث أصغر من الرخم بطيء الطيران، المنجد.

الغربان بكسر الغين وسكون الراء جمع الغراب بالضم وهو طائر يتشاءمون به وهو أنواع منها الغراب الأسود والأبقع والزاغ.

إلى هنا شرحنا معاني هذه الحيوانات أو الحشرات وأتضح أنه لا يوجد فيها منفعة معتد بها عند العقلاء لكن واضح الكثير من هذه الأمثلة في زماننا هذا فيها ثمرة مثلا الفأران بعض أنواع الفأران تستعمل في التجارب الطبية كثير من الأدوية والعقاقير تجرب على الفأران فإذن لها منفعة صار معتد بها عند العقلاء هنا اختلف العرف فهكذا الأسد يستفاد منه في السرك وهكذا بالنسبة إلى الحيات يستخدم منها العقاقير.

وظاهر الغنية للسيد ابن زهرة الإجماع على ذلك [5] أيضا يعني الإجماع على فساد المعاملة عليها نظرا لعدم وجود منفعة محللة معتد بها فيها ويشعر به يعني بالإجماع عبارة التذكرة حيث استدل على ذلك يعني على عدم صحة بيعها بخسة تلك الأشياء يعني خسيسة لا قيمة لها ولا مالية لها وعدم نظر الشارع إلى مثلها ـ مثل هذه الأشياء ـ في التقويم يعني في تقويم وتثمين الأشياء ولا يثبت يد لأحد عليها بعض الحيوانات إذا وضعت يدك عليها اليد أمارة الملكية تملكها هنا لا تثبت اليد وضع اليد عليها لا يفيد الملكية، ولا يثبت يد لأحد عليها.

قال العلامة الحلي في التذكرة ولا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها ليس المراد هنا بما ورد يعني في الروايات بما في كتب الطب في الخواص من منافعها يعني هناك خواص وخصوصيات ومنافع لهذه الحشرات والعقارب لأنها لا تعد مع ذلك يعني لأن هذه الأشياء لا تعد مع ذلك يعني مع الخواص من منافعها لا تعد مالا لا تثبت لها المالية وكذا عند الشافعي[6] كتاب التذكرة للعلامة الحلي كتاب فقه مقارن فلما يذكر المسألة ويقول وكذا عند الشافعي هذا يفهم منه أن الإمامية اتفقوا على هذا القول ووافقهم أيضا الشافعي لذلك قال ويشعر به يعني ويشعر بالإجماع عبارة التذكرة، إن كتاب التذكرة ـ تذكرة الفقهاء ـ كتاب فقهي مقارن وحيث إن العلامة الحلي قد ذكر الرأي ولم يبين فيه خلافا بل عطف عليه موافقة الشافعي فهذا يستشعر منه أن الطائفة الشيعية قد أجمعت على عدم جواز بيع هذه الأشياء لخستها ووجود منفعة نادرة فيها لا يثبت لها المالية انتهى.

وظاهره ـ ظاهر العلامة الحلي ـ اتفاقنا عليه يعني اتفاق الشيعة الإمامية عليه يعني على عدم عدها مالا وعدم صحة بيعها.

يقول الشيخ الأنصاري وما ذكره العلامة الحلي من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه يعني الشيء الذي لا يعد مالا لا يجوز بيعه يكون دفع المال في مقابله أكل للمال بالباطل هذا لا إشكال فيه إذن يريد أن يقول الشيخ الأنصاري ليس لنا إشكال في الكبرى إنما الإشكال في الصغرى ليس لنا إشكال في المفهوم الكلي إنما الإشكال في المصاديق التي ذكرت للكلي.

يقول وما ذكره ـ العلامة الحلي ـ من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه هذه الكبرى لا إشكال فيها وإنما الكلام فيما عدوه من هذا يعني عدوه مصداقا لهذا يعني ما لا يعد مالا.

ثم الشيخ الأنصاري يستشهد بكلام الفاضل القطيفي صاحب كتاب إيضاح النافع وينقل عنه الشيخ الأنصاري، خلاصة فاضل القطيفي هذه الأمثلة إما تفترض أنها لا منفعة فيها فإذا افترضت كأصل موضوعي فلا كلام لنا وتارة أنت ما تفترضه تدعي تقول بالفعل لا منفعة فيها نقول لا نسلم بعضها له منفعة وبعضها ليس له منفعة إذن الأمثلة والمصاديق المختلفة الصغريات التي ذكرت لما ليس مالا إما أنت تفترضها كأصل موضوعي لا فائدة فيها بعد نحن لا نناقشك أنت عندك أصل موضوعي وتارة أنت ما تفترضها أصل موضوعي تقول لا بلحاظ العرف الآن بالفعل ليس لها فائدة نقول لا أفيدكم يا أخوتي فائدة فكلما بعد إذا زائدة هذه فائدة نحوية وليس فائدة نحوية.

يقول الفاضل القطيفي إذا أنت تدعي أنها الآن بالفعل لا فائدة فيها كلامك هذا في تأمل كثير من الأمثلة نحن لا نسلم لذلك قال الشيخ الأنصاري هذا كلام جيد قال في محكي إيضاح النافع ونعم ما قال جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب ـ باب ما لا يعد مالا، باب ما لا منفعة فيه ولا مالية له ـ وذكر أشياء معينة على سبيل المثال يعني أنها هي أمثلة لما لا منفعة فيه فإن كان ذلك يعني فإن كان ذكر أشياء معينة على سبيل المثال لهذا الباب ما لا منفعة فيه إن كان ذلك لأن عدم النفع مفروض فيها يعني افترضنا أصل موضوعي لا يوجد فيها نفع فلا نزاع بعد هذا أصل موضوعي هذا فرض جدلي افترضتم أنه لا منفعة فيه وإن كان ـ عدم النفي ـ لأن ما مثل به لا يصح بيعه لأنه محكوم بعدم الانتفاع يعني محكوم بعدم الانتفاع الآن حكم عليه أنه لا نفع فيه الآن فالمنع متوجه في أشياء كثيرة [7] فالمنع يعني منع الحكم بعدم الانتفاع فيها متجه يعني يتجه إلى أشياء وأمثلة كثيرة مما ذكرت يعني لا نسلم أنه لا منفعة فيها.

وبالجملة وكون الحيوان من المسوخ ـ يعني كان أصلها إنسان والله مسخها ـ أو السباع ما له مخلب حاد كالأسد والنمر والذئب، أو الحشرات لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا يعني النجاسة بحد ذاتها مانع من البيع لأنه لا يجوز التكسب بالأعيان النجسة وبالنجاسات لكن من قال أنه لا يجوز التكسب بالمسوخات والسباع لا يجوز من جهة أخرى عدم وجود نفع فيها فالمتعين فيما اشتمل منها يعني من المسوخ أو السباع أو الحشرات على منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع.

لا وصية إلا في ملك ما يصير أن يوصي شخص بأملاك غيره الوصية تكون نافذة في أملاكه فإذا جازت الوصية بشيء يعني هذا الشيء قابل للملكية فكلما جاز الايصاء به جاز بيعه لأنه كما لا وصية إلا في ملك لا بيع إلا في ملك أيضا لكن ذهب العلامة الحلي "رحمه الله" إلى جواز الايصاء بأشياء ومنع البيع بها مع أنه مقتضى القاعدة إذا جاز الايصاء بها جاز البيع بها.

قال فكلما جاز الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء فينبغي جواز بيعه إلا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا هذا استثناء تعبدي يعني خارج عن القاعدة ببركة التعبد نقول هذا لا يجوز بيعه وقد صرح في التذكرة العلامة الحلي بجواز الوصية بمثل الفيل والأسد وغيرهما من المسوخ والمؤذيات وإن منعنا عن بيعها.

وقد صرح في التذكرة العلامة الحلي بجواز الوصية بمثل الفيل والأسد يجوز يوصي بالفيل والأسد وغيرهما ـ غير الفيل والأسد ـ من المسوخ والمؤذيات ـ الأسد والنمر ـ وإن منعنا عن بيعها [8] يعني ما يجوز بيع الفيل وبيع الأسد وظاهر هذا الكلام من العلامة الحلي أن المنع من بيعها على القول به يعني على القول بمنع بيعها حرمة بيعها للتعبد لا لعدم المالية، لماذا ظاهر كلامه؟ لأنه لو لم يكن لها مالية لما جاز الايصاء بها هذا صاحب السرك عنده فيل وعنده أسد يموت يوصي ولده يا ولدي أتحمل بالفيل وأتحمل بالأسد في السرك ولكن لا يجوز بيعهم، هنا لا يجوز بيعهما لا من جهة عدم وجود مالية في مالية قوام السرك بالفيل والأسد وإنما المشكلة من جهة تعبد.

وظاهر هذا الكلام أن المنع من بيعها على القول به للتعبد لا لعدم المالية.

المطلب الأخير نقد ما أفاده العلامة الحلي في التذكرة، العلامة الحلي قال ثم إنما تقدم منه "قدس" من أنه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لأنها لا تعد مالا مع ذلك يعني مع وجود الخواص من منافعها هذا مشكل إذا تم الإطلاع على خواص منافعها خواص بعض الحشرات افترض هذه الحشرات الحسنات منهن يذهبن السيئات صارت ثمرة تترب عليها مثل الدودة التي تشرب الدم.

قال من أنه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لأنها لا تعد مالا مع ذلك يعني مع وجود الخواص من منفعتها يشكل بأنه إذا اطلع العرف على خاصية في إحدى الحشرات معلومة بالتجربة أو غيرها فأي فرق بينها ـ بين هذه الحشرات التي لها خاصية ـ وبين نبات من الأدوية علم فيه تلك الخاصية نبتة معينة كنبتة الزعتر.

وحينئذ يعني وحين إذ وجدت خاصية في الحشرات علمها العرف فعدم جواز بيعه وأخذ المال في مقابله بملاحظة تلك الخاصية يحتاج إلى دليل لأنه حينئذ يعني حين إذ ثبتت له الخصوصية عند العرف ليس أكلا للمال بالباطل.

ويؤيد ذلك جواز بيعها إذا ترتبت عليها فائدة ما تقدم في رواية تحف من أن كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه وقد أجاد الشهيد الأول في الدروس حيث قال ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء كالحشر وفضلات الإنسان[9] ، ما هو وجه الجودة في كلام الشهيد الأول في الدروس؟ ذكر قيدين وجود النفع وقصد العقلاء له يعني لو وجدت منفعة نادرة لكن لا يقصدها العقلاء لا يجوز بيعها لكن إذا وجدت منفعة وقصدها العقلاء ثبتت لها المالية إذا ثبتت لها المالية جاز بيعها وجازت المعاوضة عليها وعن التنقيح للفاضل المقداد السيوري التنقيح الرائع لمختصر الشرائع قال ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه يعني أبدا، كالخنافس والديدان[10] ، هذه إذا ما يفيها أي نفع ما يجوز بيعها.

ومما ذكرنا يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo