< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس السادس والستون: استظهار أنّ الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق

 

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" ويؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إيداع الحيوانات.[1]

كان الكلام في المسألة الرابعة من النوع الرابع وهي الاكتساب بالعمل المحرم في نفسه في التصوير قلنا هناك أقسام للتصوير:

القسم الأول وهو تجسيم ذوات الأرواح وهذا مجمع عليه نصا وفتوى

القسم الثاني نقش ذوات الأرواح يعني نقش ما له روح حيوانية ورسمه فهل هو محرم كتجسيمه أو لا؟ يوجد خلاف بين الفقهاء ذهب الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى أن رسم ونقش صور ذوات الأرواح محرم كما أن تجسيم ذوات الأرواح حرام أيضا وذكر الروايات المستفيضة مستدلا على أنها كما تدل على حرمة التجسيم تدل أيضا على حرمة التصوير والرسم والنقش وذكر ثلاثة شواهد:

الشاهد الأول ما حكاه الفاضل الهندي في كاشف اللثام من أن لفظ المثال والتصوير مترادفان والروايات المستفيضة قد ورد فيها لفظ التصوير أحيانا ولفظ المثال أحيانا أخرى وكلها تشير إلى النقش أي الرسم باصطلاح اليوم.

الشاهد الثاني أن الشائع والمتعارف من التصوير والمطلوب منه عرفا هو الصور والرسومات والنقوش لاشكال الرجال والنساء والطيور والسباع دون الأجسام والمجسمات المصنوعة على إشكال ذوات الأرواح.

الشاهد الثالث وهو أن الحكمة من تحريم التصوير هي التشبه بالخالق فإن الصانع تبارك وتعالى قد أبدع في صنعه ومخلوقاته وكما أن من يجسم هذه المصنوعات والمخلوقات يكون قد قصد أنه يتشبه بالخالق المبدع فكما أن الخالق قد أبدع وصور مخلوقاته على صور مطبوعة بطابع معين من عينين وأذنين وما شاكل ذلك فإن المجسم كذلك، كذلك من يرسم فيشترك النقش مع التجسيم في التشبث والتشبه بهذه الحكمة فإذن الشاهد الثالث على أن نقش ذوات الأرواح محرم كما أن تجسيم ذوات الأرواح محرم أيضا هو اشتراكهما في حكمة المنع في حكمة التحريم وهي التشبه بالخالق ثم يأتي بشاهد مؤيد لهذه الحكمة وهي أن بعض الأساطين وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء منع من تمكين غير المكلف وهو غير البالغ من نقش ورسم ذوات الأرواح ثم يعلق الشيخ الأنصاري يقول الرسم والنقش لها حيثيتان:

الحيثية الأولى المادة الصبغ والألوان والخطوط

الحيثية الثانية الشكل ومن الواضح أن التشبه بالخالق إنما يكون بالشكل لا المادة والشكل كما يحصل من التجسيم يحصل أيضا من التصوير والرسم، هذا تمام الكلام في بيان ما أفاده الشيخ الأنصاري في حكمة الحكم.

سؤال الشيخ "رحمه الله" علل بحكمة التحريم ولم يقل علة التحريم، ما هو الفرق بين العلة والحكمة؟ الجواب العلة يدور الحكم مدارها وجودا وعدما بخلاف الحكمة فهي استظهار ولا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما مثلا لو قالت الرواية كل مسكر فهو حرام نستكشف أن حلة التحريم هي الاسكار ولكن لو قالت الآية أو الرواية حرم عليك لحم الخنزير وحللنا ووجدنا أن لحم الخنزير فيه دودة شريطية وهذه الدودة كلما قطعت اللحم تتقطع هذه الدودة لأنها كالشريط الذي يقصص وهي ضارة بالإنسان فهل يلتزم بأن لحم البقر أيضا حرام لأن لحم البقر أيضا فيه دودة شريطية خفيفة، وهل يلتزم بأنه لو وجد خنزير ليس فيه دودة شريطية بأنه حلال؟ كلا لأن عنوان الدودة الشريطية لم يرد كعلة في النص لذلك الكثير من الأمور التي نذكرها أنه الحجاب واجب لأنه كذا وكذا ولأنه كذا وكذا وأن المخدرات حرام لأنها تزيل العقل ولأنها ولأنها هذه كلها حكم نحن نستظهرها ولا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما بخلاف علة الحكم.

علة الحكم يدور الحكم مدارها وجودا وعدما كالعلة المنصوصة لو نصت الرواية على علة الحكم أو العلة المستنبطة التي قام الدليل عليها أو حصل الاطمئنان أو القطع بكونها علة وبالتالي هذه العلة تشبيه الخالق ليست علة منصوصة وإنما مستنبطة فإن أيدها الدليل أصبحت علة وإن لم يؤيدها الدليل بقيت حكمة والظاهر والله العالم أنها لا ترقى إلى مستوى العلة فينتفي التحريم وما أكثر العلل.

مثلا من حكم التحريم الذي قد يقال وهو أن الجان يعبث بالمجسمات لذلك حتى تعليق الثياب أنت لما تعلق الثوب على الشماعة قد يأتي الجان ويدخل فيه تجد أن الروايات نهت عن تزيين البيوت بمجسمات ذوات الأرواح إلا أن تخرجه.

قد يقال إن حرمة التجسيم من هذا لأن هذا مورد لتجمع الشياطين والجان حتى هذا ما ندعي أنه علة إذا لم يرد في الروايات من قال أن حرمة التجسيم أو التصوير هو حلول الشياطين والجان فهذا حكمة كما قد يقال الحكمة التشبه بالخالق قد يقال تلك هي حكمة.

ويؤيده يعني ويؤيد أن نقش صور ذوات الأرواح حرام كما أن تجسيمها حرام هذا مؤيد ـ التشبه بالخالق ـ ويؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إيداع الحيوانات وأعضائها على الإشكال المطبوعة يعني التي طبعها الله عليها يعني التي لها طبع خاص من خلقتها التي كونها الله "عز وجل" لها طبع خاص الإنسان له طبع خاص العينين في مكان الأنف في مكان الأذن في مكان، التي يعجز البشر عن نقشها على ما عليه فضلا عن اختراعها ولذا لأن نقش ذوات الأرواح حرام، منع بعض الأساطين الشيخ جعفر كاشف الغطاء في شرحه على القواعد نهى عن تمكين غير المكلف من ذلك يعني تمكين غير البالغ غير العاقل، من ذلك يعني من تصوير ونقش ذوات الأرواح.

الآن يعلق الشيخ الأنصاري يقول ومن المعلوم أن المادة ـ مادة الصور والنقش ـ لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة فالتشبه إنما يحصل بالنقش والتشكيل يعني بالشكل لا غير ـ غير الشكل ـ وهو المادة.

إذا قلت إن الحكمة من تحريم النقش هي التشبه بالخالق يتضح وجه اختصاص التحريم بذوات الأرواح لأنه رسم الشجر والشمس والقمر هذا ما يصدق عليه تشبه بالخالق، التشبه بالخالق في الحيوانات التي تدب على الأرض وفيها روح تحركها لا الجمادات ترسم جبل أو ترسم سماء أو ترسم أرض أو شمس أو قمر.

قال ومن هنا يعني من أن الحكمة في التحريم هي التشبه بالخالق، يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح فإن صور غيرها ـ غير ذوات الأرواح ـ كثيرا ما تحصل بفعل الإنسان للدواعي الأخر غير قصد التصوير مثلا جاء رجل وبنا بيت لما بناه اتضح أنه على صورة جبل هو لما بناه هو قصد بيت ما قصد جبل لكن صار كأنه جبل أو جاء شخص وبنا له بيتا وصبغه بصبغ سماوي ووضع غيوم صار الذي يراه من بعيد يتوهم أن هذه سماء وغيوم، هو ما كان قاصد أنه يخلق الغيوم ويصنع الغيوم ويشارك الله رب الأرباب وهكذا افترض واحد أخذ خشب وهو نجار قطع الخشب فصار الخشب كقصب السكر وهذا زرع من زرع الله خلق من خلق الله فهل يلتزم بالتحريم يقولون لا يلتزم بالتحريم وإن تحققت هذه الأمور قهرا، هذه الأمور التي يذكرها تصلح نقض على أنه حتى لو رسم غير ذوات الأرواح.

الآن مثلا واحد أراد أن يصنع طائرة ورقية صارت كالطير هو لا يريد أن يصور ذوات أرواح، أو الآن هذه الطائرات الورقية التي يبيعونها جاهزة مصنوعة من البلاستك والنايلون إذا تطير تصبح تشبه الطير ما قصد أن يشبهونها بخلق الله "عز وجل" ويشاركون الله "عز وجل" فهنا القصد غير موجود هنا هذه بالعكس هذه شواهد على خلاق المدعى.

ومن هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح فإن صور غيرها ـ غير ذوات الأرواح ـ كثيرا ما تحصل بفعل الإنسان للدواعي الأخر يعني غير قصد التشبه بالله "عز وجل" غير قصد التصوير يعني غير قصد التصوير المقرون بمشابهة الله "عز وجل" هو قاصد يبني بيت اتضح جبل قاصد يصنع طائرة ورقية صارت طير يقول ولا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه إذا البيت صار كأنه جبل ما يقصد أنه تشبه بل كل ما يصنعه الإنسان من التصرف في الأجسام فيقع على شكل واحد من مخلوقات الله تعالى أن يمكن أي شيء تصنع يصير يشبه شيء من مخلوقات الله، يعني تلتزم بحرمة كل ما تصنعه هذا لازم لا يمكن الالتزام به ولذا قال كاشف اللثام الآن الشيخ الأنصاري يأتي بكلام الفاضل الهندي في كاشف اللثام، الكاشف اللثام كشف ونقض التعميم بثلاثة نقوضات يقول لو عمت كراهة التمثيل لكراهة التصوير لعمت ثلاثة أشياء:

النقض الأول يلزم من ذلك كراهة الثياب ذوات الأعلام يعني ذوات الخطوط لأن هذه الأعلام تشبه القصبات تشبه قصب السكر والخشب والخشب أشجار فإذا تعمم الكراهة يعني تعممها لذوات الأرواح وغير ذوات الأرواح يلزم أنه كما أنه التجسيم حرام أيضا الرسم حرام وكما هو لذوات الأرواح حرام كذلك لغير ذوات الأرواح حرام وإذا التزمت بالكراهة ـ كراهة الرسم ـ يصير الكراهة كما تشمل ذوات الأرواح أيضا تشمل غير ذوات الأرواح لأنه النقض الأول الثياب المعلمة والمخططة تشبه الأقلام والأخشاب هذا النقض الأول.

النقض الثاني يلزم كراهة لبس الثياب المحشوة، توجد ثياب تحشى يعني مبطنة خصوصا الثياب الشتوية قماشين يدخل داخلهما قطن، وقد يضع مثلا على القميص أو الكوت قطن معين بحيث تتنفخ خطوط فمن مكان التبطين هذه الخطوط يصير كأنه قصب سكر يصير كأنه خشب هذا صار تشبه بالخالق في غير ذوات الأرواح فهذه الأطراف المخيطة المبطنة تصير بهذا التبطين تشبه عمل الخالق فيلتزم بالكراهة، هذا النقض الثاني.

النقض الثالث نلتزم بكراهة الثياب مطلقا حتى في غير المبطنة، الآن أنت تلبس عباءة هذه العباءة فيها خط هذا الخط يشبه مثلا قصب السكر أو يشبه خوص أو يشبه تلاحظ في هذه الثياب تجد أن هذه الثياب تشبه حجرة تشبه صخرة هذا الأزرار مثلا يشبه حبة معينة حصاة معينة فصار كل الثياب حرام إذن نقض كاشف اللثام بثلاثة نقوضات.

الشيخ الأنصاري يقول لكن هذه لا تخلو من مناقشة وستأتي المناقشة في 189 زبدة المناقشة أن القصد معتبر فهذا إذا بطن ثيابه وشابهت مخلوقات الله وهو لم يقصد المشابهة إذا لبس الثياب المعلمة وشابهت القصب والحجر والشجر لم يقصد ذلك فكيف يلتزم بالكراهة.

تشبه تفعل في الصرف القصد دخيل فيها شيخنا الأنصاري كما نقضت على كاشف اللثام نحن ننقض عليك كذلك الحال بالنسبة إلى غير ذوات الأرواح إذا عمل طائرة ورقية وأشبه الطير من الطيور ما قصد هو أن يتشبه.

ولذا قال كاشف اللثام، ولذا هذا شاهد من كاشف اللثام على أن حرمة النقش مختصة بخصوص ذوات الأرواح ولا تشمل غير ذوات الأرواح الحيوانية ينقض بثلاثة أشياء، على ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل ـ الصور ـ إنه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح وغيرها الشاهد هنا النقض يأتي بثلاثة نقوض على أن الكراهة لا تعم غير ذوات الروح، النقض الأول كراهة الثياب ذوات الأعلام ـ العلامات ـ لشبه الأعلام يعني الثياب المعلمة بالأخشاب والقصبات ونحوها كالخوص وغيره، النقض الثاني والثياب المحشوة يعني وكرهت الثياب المحشوة يعني لزم كراهة الثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها يعني تشبه الأخشاب والقصبات ونحوها، النقض الثالث بل الثياب قاطبة يعني بل كره لبس الثياب قاطبة لشبه خيوطها ـ خيوط الثياب بالأخشاب ونحوها ـ انتهى كلامه زيد في علو مقامه، كشف اللثام للفاضل الهندي الجزء الأول صفحة 194.[2]

الشيخ الأنصاري يقول وإن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجيء صفحة 189 بداية الفقرة الثالثة[3] يقول ومنه يظهر النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام تقدم صفحة 186، أين هذا ومنه من قوله الفقرة الثانية هذا كله مع قصد الحكاية والتمثيل فلو دعت الحاجة إلى عمل شيء يكون شبيها بشيء من خلق الله ولو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس به قطعا، إلى هنا انتهينا من بيان شواهد ثلاثة على أنه كما يحرم التجسيم أيضا يحرم النقش هذا أولا.

ثانيا إن كلا من التجسيم والنقش مختص بخصوص تصوير ذي الروح الحيوانية ولا يشمل ما ليس له روح حيوانية ذكر الشاهد الثالث وهو التشبه بقدرة الله على إبداع المصنوعات.

الشيخ الأنصاري يقول الصحيح ليس هذا الصحيح والعمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح ثلاث روايات خاصة، هذا ولكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo