< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس التاسع والستون:حكم اقتناء ما حرم عمله من الصور

 

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه.[1]

 

خلاص درس الأمس

كان الكلام في حرمة التصوير وقد بين الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" أربعة أقوال في المسألة واختار القول الثاني وهو حرمة التجسيم والنقش لخصوص صور ذوات الأرواح دون غيرها فكان الكلام بالنسبة إلى الأقوال الأربعة بالنسبة إلى حرمة الإيجاد، حرمة إيجاد الصور ثم يقع الكلام في حرمة اقتناء الصور الموجودة وفرق كبير بين الأحداث وبين اقتناء المحدث وفرق كبير بين الإيجاد وبين بيع وشراء الموجود فهل يحرم الاحتفاظ بالمجسمات والنقوش وهل يحرم النظر إلى المجسمات والنقوش كما يحرم النظر إلى بعض ما ورد فيها ذلك كالشطرنج التي ورد فيها أن الناظر إليها كالناظر إلى فرج أمه أي هل حكم الصور والمجسمات حكم الشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار فكما لا يجوز إيجادها كذلك لا يجوز اقتناءها.

 

خلاصة درس اليوم

 

يقع البحث في مقامين:

المقام الأول بيان الأقوال في المسألة

المقام الثاني بيان أدلة المسألة

ثم يقع الكلام في المقام الثالث وهو مناقشة أدلة المسألة.

 

الاقوال في المسألة

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في المقام الأول يذكر قولين:

القول الأول للمتأخرين كصاحب مجمع الفائدة والبرهان المقدس الاردبيلي والمحقق الثاني صاحب جامع المقاصد الشيخ علي بن عبد العال الكركي والعلامة الحلي وهو القول بالجواز فقالوا لا يوجد دليل من الآيات والروايات والفتاوى يدل على حرمة الاقتناء فإن الروايات قالت من مثل مثالا يعني من أوجد تمثالا ولا يصدق على من اقتنى تمثالا أنه مثّل مثالا ولا يصدق على من اشترى أو باع أو نظر إلى تمثال أنه مثل مثالا فالروايات الناهية إنما هي ناظرة إلى حرمة الإيجاد لا إلى حرمة اقتناء الموجود فلا يوجد دليل على تحريم الاقتناء فقالوا بالتفصيل بين حرمة الإيجاد والتجسيم من جهة وحلية الاقتناء والبيع والشراء والنظر من جهة أخرى.

القول الثاني ظاهر كلمات القدماء كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية وابن إدريس الحلي في ظاهر السرائر إذ عبارتهم ظاهرها الشمول للإيجاد واقتناء الموجود، هذا تمام الكلام في المقام الأول الأقوال في المسألة.

 

أدلة المسألة

المقام الثاني الاستدلال على الحرمة، ذكر الشيخ الأنصاري تسعة وجوه على التحريم:

الوجه الأول التمسك بأن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية أمرين مبغوضية إيجاده أولا وإبقائه ثانيا فالدليل الذي يحرم عمل الشيء يلحظ إيجاد الشيء أولا واستدامة الشيء ثانيا فلا معنى للتفريق بين الإيجاد وبين اقتناء الموجود فإذا حرم الشيء يعني صار الشيء مبغوضا وإذا صار مبغوض كما أن إيجاده مبغوض كذلك بقاءه بالاقتناء والاحتفاظ والبيع والشراء أيضا مبغوض، هذا الوجه الأول.

والوجوه الثمانية الباقية ثمان روايات، إذن الشيخ الأنصاري يذكر تسعة وجوه الوجه الأول استظهاري والوجوه التسعة الأخرى هي الثمانية الباقية روايات شريفة هذا خلاصة درس اليوم أولا عرض لقولين ثم عرض إلى تسعة وجوه يستدل بها ثم يقع الكلام في مناقشة هذه الوجوه التسعة يأتي عليها الكلام.

 

تطبيق المتن

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه يعني وعدم جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور، فالمحكي عن شرح الإرشاد للمحقق الاردبيلي والحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة أن المستفاد من الأخبار الصحيحة أولا وأقوال الأصحاب ثانيا عدم حرمة إبقاء الصور يعني المستفاد حرمة الإيجاد دون حرمة الإبقاء، لماذا يستفاد؟ لأن الروايات تقول من مثّل مثالا يعني من أوجد تمثالا فهي تصدق على الإيجاد ولا تصدق على الإبقاء من مثل مثالا يعني أبقى مثالا تمثالا.

انتهى وقرره الحاكي وهو صاحب مفتاح الكرامة أقره على هذه الاستفادة[2] يعني استفادة عدم حرمة إبقاء الصور، الحاكي هو السيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة الجزء الرابع صفحة 49 حكا عن مجمع الفائدة والبرهان في باب لباس المصلي والموجود في مفتاح الكرامة هذا النص، ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة من دون نسبة ذلك إلى الأصحاب يعني هذا ناظر إلى الروايات فقط يراجع مجمع الفائدة والبرهان للمقدس الأردبيلي الجزء الثاني صفحة 93 هذا القائل الأول بجواز الاقتناء.

الثاني وممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة يعني على حرمة إبقاء الصور، المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العال الكركي في جامع المقاصد في شرح القواعد مفرعا ـ المحقق الثاني ـ على ذلك يعني على عدم الحرمة ما دام ليس بحرام فرع على ذلك جواز بيع الصور المعمولة وعدم لحوقها ـ عدم لحوق بيع الصور المعمولة ـ بآلات اللهو والقمار وأوان النقدين يعني التي لا يجوز بيعها وصرح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها بخلاف بعض الأدوات كالشطرنج وغيره فقد ورد أنه لا يصح النظر إليها هذا تمام الكلام في القول الأول الجواز.

القول الثاني الحرمة، لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل وابتياعها وشراءها، القائل الأول ففي المقنعة للمفيد بعد أن ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر وصناعتها وبيعها قال وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة والشطرنج والنرد وما أشبه ذلك حرام إذن هذا حرام ناظر إلى الإيجاد، قال وبيعه وابتياعه حرام[3] يعني بيعه وشراءه هذا ناظر إلى الاقتناء البيع والشراء، انتهى.

القائل الثاني الشيخ الطوسي وفي النهاية قال وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة والصور والشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز والتجارة فيها والتصرف فيها والتكسب بها محظور[4] .

القائل الثالث ونحوها ـ نحو هذه العبارة ـ ظاهر السرائر[5] ابن إدريس الحلي، هذا تمام الكلام في المقام الأول الأقوال في المسألة، قولان قول بحرمة الاقتناء ظاهر كلمات القدماء وقول بعدم حرمة الاقتناء ظاهر كلام المتأخرين.

المقام الثاني الاستدلال على التحريم بتسعة وجوه، ويمكن أن يستدل للحرمة الوجه الأول حرمة الاقتناء، الوجه الأول مضافا إلى أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية وجود المعمول ابتداء واستدامة يعني ابتداء واستمرارا حدوثا وبقاء، الوجه الثاني يستدل بما تقدم في صحيحة أبن مسلم من قوله عليه السلام لا بأس بما لم يكن حيوانا، هذه الرواية يتم الاستدلال بها لكن بناء على استظهار معين أن السؤال عن ما يعم به البلوى الآن لو سأل سائل قال مثلا الخمر حرام والعصير حلال فإن المتعارف هو شرب الخمر وشرب العصير وليس إيجاد الخمر وإيجاد العصير مع أن هذا الاستظهار في مقامنا أو لا لماذا أو لا؟ لأن كل واحد يستطيع أن يعصر الخمر ويعصر العصير لكن مو كل واحد يستطيع يصنع المجسمات وينقش الصور فالسؤال في الرواية ليس ناظرا إلى إيجاد الصور والمجسمات أي إيجاد التصوير بل السؤال ناظر إلى الاقتناء.

هذه الرواية موجودة في صفحة 185 حينما قال الفقرة الثانية اظهر من الكل صحيحة ابن مسلم، سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن تماثيل الشجر والشمل والقمر هنا سأله عن تماثيل يعني عن صناعة تماثيل الشجر والشمس والقمر لو عن اقتنائها قال (لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان) فهذا الاستدلال بها على حرمة الاقتناء بناء على أن السؤال عن المتعارف، المتعارف هو الاقتناء وليس الإيجاد، الإمام يقول لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان يعني يجوز إلا إذا كان من ذوات الأرواح فلا يجوز إذن يتم الاستدلال.

ويمكن أن يستدل الحرمة بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله "عليه السلام" (لا بأس ما لم يكن حيوانا) [6] بناء على أن الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن فعل الحكم المتعارف المتعلق بها بالتماثيل العام البلوى وهو الاقتناء وليس الإيجاد وأما نفس الإيجاد فهو عمل مختص بالنقاش ـ الرسام ـ ألا ترى أنه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة أو سئل عن العصير فأجاب بالإباحة انصرف الذهن إلى شربهما دون صنعتهما لأن الشرب هو المتعارف، بل ما نحن فيه وهو التصوير أولى بالانصراف لأن صنعة العصير والخمر يقع من كل أحد بخلاف صنعة التماثيل فلا يقع من كل أحد بل من أفراد خاصة.

الدليل الثالث وبما تقدم من الحصر في قوله "عليه السلام" في رواية تحف العقول، في رواية تحف العقول يتمسك بمقطعين المقطع الأول يقول الله "عز وجل" حرم الصناعة التي يأتي منها الفساد فإذا حرم التجسيم والنقش يعني يأتي من التجسيم والنقش الفساد محضا هذا أولا.

المقطع الثاني يقول الذي فيه الفساد محضا لا يوجد فيه أي وجه من وجوه الصلاح فإذا صار التجسيم فيه الفساد محضا يعني لا يوجد في أي وجه من وجوه الصلاح ومن هذه الوجوه الاقتناء فبالتالي يحرم الاقتناء فرواية تحف العقول تحرم الاثنين معا الإيجاد والاقتناء معا.

الدليل الثالث وبما تقدم من الحصر ـ حصر الصناعات المحرمة ـ في قوله "عليه السلام" في رواية تحف العقول (إنما حرم الله الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا ولا يكون منه وفيه شيء من وجوه الصلاح) [7] المقطع الثاني إلى قوله "عليه السلام" يحرم جميع التقلب فيه[8] ، الاقتناء واحد من وجوه التقلب فيه فإن ظاهره ـ ظاهر خبر تحف العقول ـ أن كل ما يحرم صنعته ومنها التصاوير يجيء منها الفساد محضا فيحرم جميع التقلب فيه ـ في التصاوير ـ بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة يحرم جميع التقلب فيه، هذا الدليل الثالث.

الدليل الرابع وبالنبوي لا تدع صورة إلا محوتها ولا كلبا إلا قتلته[9] الرواية موجودة في الوسائل.

قال أمير المؤمنين "عليه السلام" بعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة فقال (لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرا إلا سويته ولا كلبا إلا قتلته) [10] هذا سيأتي الكلام في المناقشة سنتطرق إلى فقرة ولا قبرا إلا سويته.

إشكال هذه الرواية لا تدل على التحريم، سؤال قتل الكلب هل هو واجب؟ ليس بواجب الرواية تقول ولا كلبا إلا قتلته قتل الكلب راجح وليس بواجب فيصير بقرينة السياق بما أن قتل الكلب راجح وليس بواجب يصير محو الصورة راجح وليس بواجب، الرواية هكذا لا تدع صورة إلا محوتها ولا كلبا إلا قتلته فبقرينة السياق قد يستفاد الكراهة وليس الحرمة يعني يستفاد الرجحان لدفع هذا المحذور ـ محذور الرجحان ـ نقول ليس المراد بالكلب مطلق الكلب بل المراد بالكلب خصوص كلب الهراش ـ الكلب المؤذي ـ يجب قتل الكلب المؤذي فإذا صار قتل الكلب واجب يصير محو الصور أيضا واجب بقرينة السياق، إذن هذا هو السر في قوله بناء على أن المراد بالكلب كلب الهراش يعني إذا حملنا الكلب على كلب الهراش يصير قتل الكلب واجب إذا صار قتل الكلب واجب يصير محو الصور واجب بقرينة السياق.

وبالنبوي لا تدع صورة إلا محوتها ولا كلبا إلا قتلته[11] بناء على إرادة الكلب الهراش المؤذي الذي يحرم اقتناءه لا مطلق الكلب الذي يحرم اقتناءه الكلب المؤذي، تشتري كلب يؤذي الناس هذا حرام أما تشتري كلب حراسة أمين هذا ليس بحرام، هذا تمام الكلام في الدليل رقم 4.

الدليل الخامس وما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر "عليه السلام" عن أخيه موسى بن جعفر الكاظم قال (سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها قال لا)[12] يعني التقلب فيها ممنوع كاللعب والاقتناء.

الدليل السادس وبما ورد في إنكار أن المعمول لسليمان هي تماثيل الرجال والنساء[13] فإن الإنكار الآية الكريمة تقول (﴿يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان﴾[14] ) لم تقل الآية يعملون له ما يشاء من عمل المحاريب وعمل التماثيل وعمل الجفال فالآية الكريمة ليست ناظرة إلى إيجاد التماثيل الآية الكريمة ناظرة إلى اقتناء التماثيل فرق بين أصل عمل التماثيل وبين الاحتفاظ بالتماثيل يعملون لسليمان ما يشاء من تماثيل يعني يقتنون له ما يشاء من عمل التماثيل لا أنه يعملون ويوجدون التماثيل.

وبما ورد في إنكار أن المعمول لسليمان "على نبينا وآله وعليه السلام" هي تماثيل الرجال والنساء فإن الإنكار إنما يرجع إلى مشيئة سليمان للمعمول وليس إيجاد سليمان للمعمول، مشيئة يعني إرادة سليمان للمعمول يعني للتمثال المعمول كما هو ظاهر الآية (﴿يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان﴾[15] ) دون أصل العمل ـ أصل إيجاد التماثيل ـ فدل على كون مشيئة وجود التمثال يعني إرادة وجود التمثال من المنكرات التي لا تليق بمنصب النبوة.

الدليل السابع التمسك بمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر "عليه السلام" (لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت بشرط إذا غيرت رؤوسها وترك ما سوى ذلك)[16] يعني ترك ما سوى الرؤوس إذن الإشكال في الرؤوس أما ما عدى الرؤوس تضع يد أو رجل لا يوجد أي إشكال فيه إذن المنطوق يقول لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها المفهوم يوجد بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا لم تغير رؤوسها يعني لا يجوز تقتنيها وتحتفظ بها إذا رؤوسها موجودة هناك بأس في وجود التماثيل في البيوت، المنطوق يقول التماثيل لا يوجد مشكلة أن تبقى في البيت إذا قطعت رأسها مجسم تقطع رأسه لا مانع من وجوده في البيت لا يوجد بأس إذا لم تقطع رأسه وجوده في البيت فيه بأس.

وبمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر "عليه السلام" لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها وترك ما سوى ذلك ـ ما سوى الرؤوس ـ المفهوم يوجد بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا لم تغير رؤوسها يعني بقيت سالمة.

الدليل الثامن هو رواية المثنى عن أبي عبد الله "عليه السلام" (أن عليا "عليه السلام" يكره الصور في البيوت) هنا قد يقال المراد بالكراهة المرجوحية وليس الحرمة نظم إليها رواية أخرى الإمام علي ما يكره الحلال فيصير ما يكره إلا الحرم فالمراد بيكره يعني يرى أنه حرام.

ورواية المثنى عن أبي عبد الله "عليه السلام" (أن عليا "عليه السلام" يكره الصور في البيوت)[17] بضميمة ما ورد في رواية أخرى مروية في باب الربا أن عليا "عليه السلام" (لم يكن يكره الحلال)[18] .

الرواية التاسعة هو رواية الحلبي المحكية عن كتاب مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال (أهديت إلي طنفسة ـ بساط ـ من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر)[19] ، هذا تمام الكلام في الأدلة التسعة وفي الجميع نظر يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo