< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثمانون: الأقوال في أخذ الحاكم للجعل، والفرق بين الهدية والرشوة

 

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" وربما يستدل على المنع بصحيحة ابن سنان.[1]

 

خلاصة درس السابق

كان الكلام في جواز أخذ الأجرة على القضاء ذكرنا ثلاثة أقوال:

القول الأول هو المنع في صورة تعين القضاء على القاضي.

القول الثاني المنع مطلقا سواء تعين القضاء عليه أو لا.

القول الثالث وهو الجواز مطلقا.

ثم سيأتي قول رابع وهو الجواز مع الحاجة وعدم التعين والحرمة مع عدم الحاجة ومع التعين.

 

ادلة قول الثاني

وصلنا إلى القول الثاني وهو المنع مطلقا استدل الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بدليلين:

الدليل الأول التمسك برواية يوسف بن جابر وموطن الشاهد قوله “عليه السلام” (ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة) بحمل الاحتياج إليه أي الاحتياج إلى نوعه لا الاحتياج إلى شخصه.

الدليل الثاني التمسك بإطلاق رواية عمار بن مروان كل شيء غل من الإمام فهو سحت والسحت أنواع كثيرة إلى أن يقول وأما الرشا في الأحكام يا عمار فهو الكفر بالله العظيم وأيضا ورد فيها ومنها أجور القضاة.

 

اليوم في هذا الدرس

يتطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى دليل ثالث قد يستدل به على حرمة أخذ الجعل والأجرة على القضاء مطلقا ثم يرد هذا الدليل.

الدليل هو صحيحة بن سنان قال سال أبو عبد الله “عليه السلام” عن قاضي بين قريتين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال “عليه السلام” (ذلك السحت) ومن الواضح أن السحت هو الحرام الشديد فدلت الرواية على أن أخذ القاضي للرزق من السلطان سحت وحرام شديد مطلقا سواء تعين عليه القضاء أو لم يتعين عليه القضاء.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يناقش في ظهور هذه الرواية يقول الشيخ الأنصاري "رحمه الله" ظاهر هذه الرواية كون القاضي منصوبا من السلطان وظاهر هذه الرواية بل صريحها أن هذا السلطان سلطان الجور.

سؤال من أين استظهر الشيخ الأنصاري أن القاضي قاضي جور وليس بقاضي عادل؟ يقول من قوله ذلك السحت فلو كان السلطان عادلا لكان ما يعطيه من رزق حلال زلال وليس بسحت من هنا يقول الشيخ الأنصاري هذه الرواية ليست ظاهرة فقط بل صريحة في أن السلطان سلطان جور ولا شك ولا ريب في أن أخذ المال من السلطان الجائر على القضاء حرام.

سؤال لو كان القاضي له أهلية القضاء كما لو كان مجتهدا عادلا وأجبره السلطان الجائر على القضاء وخصص له مالا ورزقا من بيت المال فهل يحرم عليه الأخذ؟ الجواب لا يحرم عليه الأخذ أولا هو له الأهلية للقضاء لتوفر شروط القضاء في شخصه وثانيا هو يستحق من بيت المال إذ أن بيت المال للفقراء ولمصالح المسلمين ومنها القضاء إذن كون السلطان سلطانا جائرا لا يكفي لوحده في تحريم اخذ الرزق منه

إذن هنا يوجد أمران أولا كون السلطان جائر ثانيا كون القاضي ليست له أهلية للقضاء وليست له قابلية للقضاء.

النتيجة النهائية نحمل هذه الرواية على أن القاضي أولا ليست له قابلية للقضاء ليس مؤهلا للقضاء كما لو لم يكن فقيها وثانيا هذا القاضي منصوب من السلطان الجائر فمن هنا صار أخذ الرزق على القضاء سحت فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على أن اخذ الرزق على القضاء حرام مطلقا سواء احتاج الناس إليه في القضاء أو لم يحتاجوا إليه سواء تعين عليه القضاء أو لم يتعين إذن الرواية أجنبية عن المدعى المدعى حرمة أخذ المال والرزق والجعل والأجرة على القضاء مطلقا سواء تعين القضاء على القاضي أو لا والرواية هي في مقام تحريم أخذ الرزق في القاضي الذي هو غير مؤهل أولا ومنصوب من السلطان الجائر ثانيا إذن الرواية أجنبية عن المدعى إلا أن يدعى شيء آخر فيقال المراد الرزق من غير بيت المال كما لو أعطاه السلطان الجائر المال من ماله الشخصي أو أعطاه أجرة من غير بيت المال هذا أولا.

وثانيا وجعله على القضاء يعني بمعنى المقابلة يعني عوض قضائه يعطيه المال يعني المال الذي يعطى له في مقابل قضائه ثم يقول الشيخ الأنصاري كيف كان الاستظهار هذا أو ذاك يكفي في الاستدلال على المنع مطلقا الروايتان السابقتان التمسك برواية يوسف بن جابر وبرواية عمار بن مروان.

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" وربما يستدل على المنع، ربما فيها تشكيك لأنه سيرد هذا الاستدلال هو استدل بروايتين نرجع إلى الفقرة السابقة والمشهور المنع مطلقا وقبل هذه الفقرة القول الأول ومنه يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين مع تعين الحكومة عليه.

القول الثاني والمشهور المنع مطلقا يعني تعينت الحكومة عليه أو لا لدليلين الدليل الأول يقول ولعله يعني المنع مطلقا الدليل الأول لحمل الاحتياج في الرواية على الاحتياج إلى نوعه الدليل الثاني ولإطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان إذن الآن شرع في القول الثاني.

 

تطبيق المتن

القول الثالث سيأتي عند قوله في آخر سطر خلافا لظاهر المقنعة والمحكي عن القاضي من الجواز هذا القول الثالث وربما يستدل على المنع يعني المنع مطلقا يعني منع اخذ القاضي الجعل على القضاء مطلقا سواء تعينت الحكومة عليه أو لا، بصحيحة عبد الله بن سنان قال (سأل أبو عبد الله الإمام الصادق “عليه السلام” عن قاضي بين قريتين يأخذ على القضاء الرزق[2] يعني مقابل القضاء الرزق، من السلطان قال “عليه السلام” ذلك السحت).

سؤال ما الفرق بين الأجرة والرزق؟ جواب: في الأجرة توجد مقابلة يعني لكي يستحق الأجرة لابد أن يقضي في الرزق لا توجد مقابلة ويترتب على ذلك هذه الثمرة وهي إن القاضي لو قصد المجانية بقضائه هل يستحق الأجرة؟ ما يستحق الأجرة لكن يمكنه أن يأخذ الرزق من بيت المال حتى لو قصد المجانية هذه ثمرة تترتب على الارتزاق من بيت المال أو الاستئجار من بيت المال فلو قصد القاضي المجانية في قضائه وقصد التبرع لم يستحق الأجرة من بيت المال لكنه يستحق الارتزاق من بيت المال.

قال “عليه السلام” ذلك السحت وفيه ـ في هذا الاستدلال ـ بصحيحة ابن سنان عن المنع مطلقا أن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان الظاهر بل الصريح في سلطان الجور، من أين استفدنا الصراحة؟ من قوله هذا إذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا فيكون ما يؤخذ كسحت هو من السلطان الجائر ولا شك أن هذا المنصوب يعني هذا القاضي المنصوب غير قابل للقضاء لأنه حتى لو السلطان جائر إذا القاضي له أهلية القضاء وقابل للقضاء ما يحرم عليه اخذ الأجرة.

ولا شك أن هذا القاضي المنصوب غير قابل للقضاء يعني غير مؤهل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه ـ غير قابل للقضاء لعدم أهليته للقضاء ـ يعني لا من جهة كون السلطان جائر لو كان السلطان جائرا وكان القاضي له أهلية القضاء جاز ولم يكن ما يأخذه سحتا ولو فرض كونه يعني كون القاضي قابلا للقضاء يعني له أهلية القضاء كما لو كان مجتهدا جامعا للشرائط لم يكن رزقه من بيت المال أو رزقه من جائزة السلطان محرما قطعا لأن السلطان إما يعطيه من بيت المال أو جائزة من عنده ما يكون محرما قطعا فيجب إخراجه عن العموم، يعني فيجيب إخراج القاضي القابل للقضاء عن العموم حرمة كل ما يأخذه من الرزق على القضاء يعني يحرم ما يؤخذ من الرزق على القضاء إلا إذا كان القاضي قابلا للقضاء يعني فيه أهلية القضاء إلا أن يقال هذا استظهار آخر، إن المراد الرزق من غير بيت المال كما لو كان هدية أو أجرة من المال الشخصي للسلطان الجائر، وجعله على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض يعني في مقابل قضائه يعطيه الأجرة وكيف كان سواء استظهرنا المعنى الأول غير مؤهل للقضاء أو المعنى الثاني فالأولى في الاستدلال على المنع ما ذكرناه في قوله ولعله لحمل الاحتياج في الرواية عن الاحتياج إلى نوعه هذا الدليل الأول والدليل الثاني ولإطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان هذا تمام الكلام في الاستدلال على القول الثاني، إذن الشيخ الأنصاري يرجح المنع مطلقا الحرمة مطلقا خلافا لظاهر المقنعة[3] للمفيد والمحكي عن القاضي[4] ابن البراج في المهذب من الجواز يعني جواز أخذ الجعل على القضاء، ما هو الدليل؟ يذكر دليلين الدليل الأول أصالة الإباحة ولعله للأصل أصالة الإباحة الأصل في الأشياء الإباحة يشك هل يحرم عليه أخذ الجعل الأصل الإباحة.

الدليل الثاني هو ظاهر رواية حمزة بن حمران قال (سمعت أبا عبد الله “عليه السلام” يقول من استأكل بعلمه افتقر يعني من جعل علمه وسيلة للارتزاق والأكل أصبح فقيرا، قلت إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم ـ من الشيعة ـ البر والصلة والإكرام يعني هؤلاء ينشرون علوم أهل البيت والشيعة ما يقصرون معهم فقال “عليه السلام” ليس أولئك بمستأكلين) يعني من ينشر علوم أهل البيت لا يشمله عنوان المستأكل إنما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا[5] إلى آخر الخبر.

هنا ليبطل به الحقوق هذه اللام إما لام التعليل يعني لكي يبطل الحقوق وإما لام العاقبة يعني فتكون عاقبته وتكون النتيجة إبطال الحقوق إذا استظهرنا الغاية لكي يبطل الحقوق هذا يدل على حرمة اخذ المال يصير المال في مقابل الحكم الباطل إذا استظهرنا لام العاقبة لام النتيجة هذه تدل على حرمة الانتصاب للفتوى لغير علم.

قال واللام في قوله ليبطل به الحقوق إما للغاية وإما للعاقبة وعلى الأول للغاية يعني لكي يبطل به الحقوق فيدل على حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل وعلى الثاني يعني للعاقبة النتيجة فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا عموما سواء التزمنا بلام العاقبة أو لام الغاية النتيجة واحدة حرمة الاستيكال بالعلم.

قال وعلى كل تقدير يعني تقدير الغاية أو تقدير العاقبة فظاهرها ـ ظاهر الرواية ـ حصر الاستيكال المذموم فيما كان لأجل الحكم بالباطل هذا تقدير الغاية أو مع عدم معرفة الحق هذا على تقدير أن اللام للعاقبة فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق.

إشكال هذا الاستدلال يتم بناء على الحصر الحقيقي الرواية فيها حصر وهي قوله “عليه السلام” (إنما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله) فإذا قلنا بالحصر الحقيقي يصير مفاد الرواية هكذا إن الذي يفتي بغير علم أكله حرام استئكاله حرام والذي يفتي بعلم وهو الذي ينشر علوم أهل البيت هذا حلال بناء على الحصر الحقيقي تصير الرواية تفرق بين صنفين من يفتي بغير علم ولا هدى من الله فهذا لا يجوز له الارتزاق من بيت المال ومن الناس في مقابله من يفتي بعلم وهدى من الله فهذا يجوز له والقاضي سواء تعين عليه الحكم أو لم يتعين عليه الحكم إذا كان مؤهلا كما لو كان فقهيا جامعا للشرائط يجوز له الاستئكال، هذا بناء على الحصر الحقيقي ولكن بناء على الحصر الإضافي الحصر النسبي.

مقطع الحصر هو قوله “عليه السلام” (إنما ذاك الذي يفتي بغير علم) هذا المقطع من كلام الإمام “عليه السلام” ليس مطلقا وإنما ورد بالنسبة والإضافة والنظر إلى الفرد الذي ورد في الرواية وسألوا عنه، من هو الفرد الذي سأله عنه؟ حينما ينشر علوم أهل البيت "عليهم السلام" هذا الفرد الذي سألوا عنه.

من استأكل بعلمه افتقر هذا كلام عام قلت إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والإكرام إذن موطن السؤال الصلة التي تعطى لناشر علوم أهل البيت حلال أو حرام هذا الفرد الذي سأل عنه الإمام علق على خصوص هذا الفرد فقال “عليه السلام” (ليس أولئك بمستأكلين يعني هؤلاء ما يشملهم هذا العنوان من استأكل بعلمه افتقر ثم لاحظ الحصر الحصر بالإضافة إلى هذا الفرد بالنظر إلى هذا الفرد الذي ينشر علوم أهل البيت.

قال “عليه السلام” (إنما ذاك الذي يفتي بغير علم) إذن الرواية يستفاد منها من ينشر علوم أهل البيت يجوز له اخذ الصلة والذي يفتي بغير علم لا يجوز له اخذ الصلة فإذا هذه الرواية هذا المقطع الحصر إنما ذاك الذي يفتي بغير علم غير ناظر إلى القاضي الذي يقضي بالحق، القاضي الذي يقضي بالحق سواء تعين عليه القضاء أو لم يتعين مسكوت عنه في هذه الرواية بناء على الحصر الإضافي يصير مسكوت عنه لأن الحصر الوارد في الرواية إنما ذاك الذي يفتي بغير علم هو في مقام التعليق على خصوص الفرد الذي ذكروه وهو من ينشر علوم أهل البيت يعني الذي ينشر علوم أهل البيت إذا كان يفتي بعلم يستحق البركة يفتي بغير علم ما يستحق إذن الرواية غير ناظرة إلى القاضي الذي يفتي بالحق تعين عليه القضاء أو لم يتعين هذا مسكوت عنه.

جوابه هذا الاستظهار خلاف الظاهر لأن لفظ إنما في اللغة العربية قد وضع للحصر الحقيقي لا الحصر الإضافي حمل لفظ إنما على الحصر الإضافي يحتاج إلى قرينة ويحتاج إلى دليل والقرينة مفقودة فنرجع إلى الأصل في وضع لفظ إنما وهو خصوص الحصر الحقيقي لا الحصر الإضافي إذا صار حصر حقيقي الرواية واضحة تفرق بين أمرين بين من يفتي بعلم ومن يفتي بغير علم الذي يفتي بغير علم ما يستحق الارتزاق والأجر و؟؟؟ والذي يفتي بعلم يستحق مطلقا تعين عليه أو لم يتعين.

قال ودعوى كون الحصر إضافيا قوله إنما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ودعوى كون الحصر إضافيا بالنسبة إلى الفرد يعني بالإضافة إلى الفرد الذي ذكره السائل، من هو الفرد الذي ذكره السائل؟ من ينشر علوم أهل البيت، قوله إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والإكرام دعوى كون الحصر إضافيا يعني حرمة اخذ الأجرة على الإفتاء بغير علم هذا ناظر إلى خصوص من ينشر علوم أهل البيت ودعوى كون الحصر اضافيا يعني ناظر إلى خصوص الفرد الذي ذكره السائل فلا يدل يعني الحصر الإضافي إلا على عدم الذم على هذا الفرد يعني خصوص هذا الفرد وهو من ينشر علوم أهل البيت إذا يأخذ الجعل على القضاء هذا غير مذموم أما غيره مسكوت عنه، دون كل من كان غير المحصور فيه يعني غير من لم ينشر علوم أهل البيت قاضي لكن ما ينشر علوم أهل البيت يقول خلاف الظاهر، هذه خلاف الظاهر جواب دعوى، دعوى مبتدأ يعني ودعوى كون الحصر إضافيا بالنسبة إلى الفرد الذي ذكره السائل خلاف الظاهر، ما هو وجه خلاف الظاهر؟ إذ الظاهر أن لفظ إنما موضوعة في اللغة العربية للحصر الحقيقي لا الحصر الإضافي خلافا لابن هشام الأنصاري صاحب قطر الندى حيث أنكر أن لفظ إنما تدل على الحصر لغة فقد غلبه مذهبه الاعتقادي فأنكر دلالتها على الحصر، هذا تمام الكلام في القول الثالث.

القول الرابع للعلامة في المختلف قال بالتفصيل بين احتياج القاضي إلى المال وعدم تعين القضاء عليه فهنا يجوز له أولا لحاجته وثانيا القضاء غير متعين عليه وأما إذا كان غنيا غير محتاج أو تعين عليه القضاء فلا يجوز ثم يذكر الشيخ الأنصاري مدرك هذا القول يقول أما بالنسبة إلى تعين القضاء عليه فلعل الوجه في ذلك هو حرمة اخذ الأجرة على الواجبات التعينية فالمشهور بين الفقهاء حرمة اخذ الأجرة على الواجبات التعينية دون الواجبات الكفائية يجوز أخذ الأجرة عليها وإن كان الآن بعض المعاصرين يرى جواز أخذ الأجرة على الواجبات التعينية مثل السيد محمد صادق الروحاني يرى جواز اخذ الأجرة على الواجبات العينية حتى على الواجبات وغيره يجوز اخذ الأجرة طبعا خلاف المشهور فهذا هو الوجه في الحرمة.

وأما التعليق على الحاجة وغير الحاجة فلظاهر الروايات الرواية الأولى ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه الناس احتاجت إلى فقهه فسألهم الرشوة لم تقل الرواية فسألهم الرشوة لحاجته هو غني هم احتاجوا إلى فقهه هو ما محتاج إليهم ظاهرها أنه غني وهكذا الرواية الأخرى.

قال الشيخ الأنصاري وفصل في المختلف فجوز اخذ الجعل والأجرة بقيدين هنا الجعل والأجرة عطف تفسير عطف بيان كلاهما واحد فجوز اخذ الجعل والأجرة مع حاجة القاضي هذا القيد الأول اثنين وعدم تعين القضاء عليه ومنعه يعني ومنع اخذ الجعل والأجرة مع غناه ـ غنا القاضي ـ أو عدم الغناء عنه[6] يعني عدم استغناء الناس عنه يعني تعين القضاء عليه ولعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم الفقهاء من حرمة الأجرة على الواجبات العينية وحاجته لا تسوغ ولا تجوز أخذ الأجرة عليها على الواجبات العينية حاجته لا تحلل ما حرمه الله وإنما يجب على القاضي وغيره رفع حاجته من وجوه أخر البر وجوه الخير يعطونه مدة اليد إعمال البر وأما اعتبار الحاجة فبظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء كما يظهر بالتأمل في روايتي يوسف وعمار المتقدمتين.[7]

رواية يوسف بن جابر صفحة 240 لعن رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أن يقول ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة[8] ولم تقل الرواية فسألهم الرشوة لحاجته الرواية مطلقة لكن الحق والإنصاف أن الرواية ساكتة عن غناه وفقره هي مطلقة ليس فيها ظهور أنه غني عدم ذكر قيد لحاجته لا يعني أنه يسأل لغناه لذلك ناقش بعض الشراح والمحشين الشيخ الأنصاري في دلالة هذه الرواية على الغناء.

الرواية الثانية رواية عمار وعن الخصال في الصحيح عن عمار بن مروان قال كل شيء غل من الإمام فهو سحت والسحت أنواع كثيرة ومنها أجور القضاء[9] فمن أين نستفيد من هذه الرواية؟ غنا القضاة عن هذا الأجر، قد يتأمل في دلالة هذه الرواية قد يقال إنه لم تذكر الرواية أجور القضاة مع حاجتهم.

قال الشيخ الأنصاري ولا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي ـ وجوب القضاء كفاية ـ يعني إذا قام بها البعض سقط عن البعض الآخر وإذا تركه الجميع استحق العقاب جميعا القضاء ليس متعينا عليه فإذا تصدى له يستحق الأجرة كما هو احد الأقوال في المسألة الآتية في محلها، إلى هنا تكلمنا عن الجعل يعني الأجرة ذكرنا أربعة أقوال القول الأول الحرمة في صورة تعين القضاء عليه القول الثاني الحرمة مطلقا تعين عليها القضاء أو لم يتعين القول الثالث الجواز مطلقا تعين عليه القضاء أو لم يتعين القول الرابع التفصيل بين حاجته وعدم تعين القضاء عليه فيجوز وبين عدم حاجته وتعين القضاء عليه فلا يجوز له أن يأخذ الأجرة هذه الأجرة الآن الكلام في الارتزاق والفارق يبين لو قصد المجانية فإنه يصح له أن يرتزق من بيت المال ولا يجوز له أخذ الأجرة.

وأما الارتزاق من بيت المال فلا إشكال في جوازه للقاضي مع حاجته يعني مع حاجة القاضي للمال والارتزاق من بيت المال بل مطلقا يعني حتى مع عدم حاجته لو كان القاضي غني لكن ولبيت المال شخص مصلحة في إعطاءه حتى يغلق عينيه ما يأخذ رشوة يجوز له يأخذ يعني يشترط تحقق المصلحة.

بل مطلقا إذا رأى الإمام المصلحة فيه ـ في إعطاء القاضي الغني ـ لما سيجيء من الأخبار الواردة في مصارف الأراضي الخراجية، الأراضي الخراجية من مصارفها أجور القضاة ويدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين “عليه السلام” إلى مالك الاشتر من قوله تدل عليه أنه يجوز له أن يأخذ حتى مع غناه، قوله “عليه السلام” (وأفسح له في البذل ما يزيح علته ـ فقره ـ وتقل معه حاجته إلى الناس)[10] حتى لا يلجأ إلى الرشوة وغيرها ولا فرق بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل أو من الجائر لما سيجيء من حلية بيت المال لأهله ولو خرج من يد الجائر والقاضي من أهل بيت المال لأن بيت المال للفقراء ومصالح الدولة الإسلامية ومنها القضاء.

وأما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من اخذ الرزق من السلطان فقد عرفت الحال فيه وهو حمل الرواية على القاضي غير القابل للقضاء غير المؤهل فتكون أجنبية عن المدعى.

في الختام يتطرق الشيخ الأنصاري إلى الفارق بين الهدية وبين الرشوة يقول الفارق بين المقابل الرشوة مال أو شيء في مقابل الحكم له فالذي يقابل المال المبذول هو الحكم له ـ للباذل ـ هذا في الرشوة وأما في الهدية المقابل للمال إيجاد المحبة يعني الذي يدفع الهدية يعطيه مبلغ حتى يكسب مودته إذا كسب مودته حكم إليه بحق أو بباطل وبالتالي قد القاضي يقضي بالحق حتى لو علم أن باذل الهدية له كان قاصدا أن يحكم له بالباطل والقاضي يريد أن يقضي بالحق فهل الهدية حرام كما أن الرشوة حرام على القضاء؟ الجواب نعم لتنقيح المناط يعني تنقيح الضابطة، ما هو ضابط الحرمة هنا؟ أن يميل القاضي لا فرق في ذلك إذا أعطي المبلغ لكي يحكم أو أعطي المبلغ لكي تتحقق المحبة في قلبه.

قال وأما الهدية وهي ما يبذله الباذل على وجه الهبة ليورث المودة في قلب القاضي، الموجبة للحكم له ـ للباذل ـ حقا كان الحكم أو باطلا وإن لم يقصد المبذول له الحكم لم يقصد الحكم إلا بالحق إذا عرف ولو من القرائن أن الأول وهو الباذل قصد الحكم له على كل تقدير يعني سواء حكم له بالحق أو حكم له بالباطل المهم يريد يحكم إليه فيكون الفرق بينها ـ بين الهدية وبين الرشوة ـ أن الرشوة تبذل لأجل الحكم مقابل الحكم للباذل بحق أو باطل والهدية تبذل لإيراث الحب في القاضي المحرك له ـ للقاضي ـ على الحكم على وفق مطلبه ـ على وفق مطلب الباذل ـ فالظاهر حرمتها لأنها رشوة أو بحكم الرشوة بتنقيح المناط يعني بتحقيق الضابطة الحرمة لكي لا يميل القاضي.

وعليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين وإن أخذ يعني الوالي هدية كان غلولا[11] يعني كان خيانة وعليه يعني الهدية التي تورث المحبة وتؤدي إلى الحكم على وفق مطلب الباذل، وعليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين “عليه السلام” وإن أخذ هدية كان غلولا وما ورد من أن هدايا العملاء غلول[12] يعني خيانة وفي خبر آخر سحت وعن عيون الأخبار ـ عيون أخبار الرضا “عليه السلام” ـ عن مولانا أبي الحسن الرضا “عليه السلام” عن أمير المؤمنين “عليه السلام” في تفسير قوله تعالى (﴿أكالون للسحت﴾ [13] أكالون فعال صيغة مبالغة فعال يعني كثير الأكل للحرام، قال هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته)[14] .

سؤال ظاهر الرواية هل فيه إشكال؟ الجواب لا إشكال فيه الآن أنا لو قضيت حاجتك وأعطيتني هدية وقبلتها ما هو الإشكال في ذلك؟ إذن ظاهر هذه الرواية ليس فيه إشكال هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته هذه الرواية لكي تحمل على الحرمة تحتاج إلى توجيه ولكي تحمل على عدم الحرمة تحتاج إلى توجيه أما التوجيه بالنسبة إلى الحرمة هو الرجل يقضي لأخيه حاجته تحمل الحاجة إلى المرافعة عنده قضية يريد يترافع إلى القاضي ثم يقبل هديته هذا لفظ ثم يحمل على الترتيب اللفظي فقط لا الترتيب الواقعي يعني هو في الواقع في البداية يريد يعطيه هدية يعني هو أصلا أعطاه هدية وترافع لكن في ذكر الهدية صار تأخير فلفظ ثم نحملها على الترتيب الذكري لا الترتيب الواقعي ونحمل لفظ الحاجة ليس على مطلق الحاجة خصوص المرافعة في القضاء تصير الرواية مفادها الحرمة هو الرجل يقضي لأخيه حاجته يعني يقضي عند الترافع ثم يقبل هديته يعني هو قبض الهدية مسبقا.

قال وللرواية توجيهات تكون الرواية على بعضها ـ بعض هذه التوجيهات ـ محمولة على ظاهرها من التحريم وذلك إذا حملنا الحاجة على الترافع للقضاء ولفظ ثم على الترتيب الذكري وعلى بعضها ـ على بعض التوجيهات الأخر ـ محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة إليه ـ إلى القاضي ـ لئلا يقع في الرشوة يوما ما، هو على قضاء الحاجة يجوز له أن يأخذ لكن إذا أخذها يحتمل بعدين يقبل يأخذ الرشوة.

رجحان التجنب من قبول الهدايا من أهل الحاجة إليه لئلا يقع في الرشوة يوما، إلى هنا أخذنا حكم الرشوة على القضاء واتضح انها حرام ولكن هل تحرم الرشوة في غير القضاء، المشهور اختصاص تحريم الرشوة بخصوص القضاء دون غيره يقع الكلام في الرشوة في غير القضاء، وهل تحرم الرشوة في غير الحكم يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo