< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثاني والثمانون: الانتهاء من المسألة الثامنة في حرمة الرشوة

 

قال الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" وفي كلام بعض المعاصرين أن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد معللا بتسليط المالك عليها مجانا.[1]

 

خلاصة درس الامس

كان الكلام في حكم الرشوة تكليفا ووضعا ذكرنا الرشوة الحقيقية والرشوة الحكمية قلنا إن الرشوة الحقيقية هي عبارة عن بذل المال في مقابل الحكم له بخلاف الرشوة الحكمية وهي عبارة عن بذل المال لجلب مودة القاضي فالرشوة الحكمية لا يصدق عليها أنها رشوة حقيقتا لكنها بحكم الرشوة الحقيقية أي أنها حرام كالرشوة الحقيقية.

قلنا في الدرس السابق إن الرشوة الحقيقية حرام تكليفا ووضعا أي أن بذل المال في مقابل أن يحكم القاضي له يوجب الإثم تكليفا ويوجب عدم النقل والانتقال وضعا أي أنه يقتضي الضمان بخلاف الرشوة الحكمية فإن الحرمة ثابتة فيها أيضا أي أن بذل المال في مقابل جلب مودة ومحبة القاضي حرام أيضا لكن هذا حرام تكليفا لا وضعا يعني لا يترتب الضمان لأن هذه هدية مجانية وفي التسليط المجاني لا يثبت الضمان لأن ما يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ففي الهدية الصحيحة لو تلفت العين المهداة فإن المهدى له لا يضمن مثل أو قيمة الهدية للمهدي فكذلك في الهدية الفاسدة وهي الرشوة الحكمية الهدية التي تبذل للقاضي لا لكي يحكم بل لجلب مودته.

 

درس اليوم

اليوم في هذا الدرس يتطرق الشيخ الأنصاري إلى رأي بعض المعاصرين الذي ذكر احتمال عدم الضمان في القسمين معا يعني في كلا القسمين الرشوة الحكمية والرشوة الحقيقية توجد حرمة تكليفية يترتب الإثم وفي كليهما لا توجد حرمة وضعية يعني لا يترتب الضمان واستدل على عدم الضمان في الرشوة مطلقا أي الرشوة الحقيقية والرشوة الحكمية بدليلين أو تعليلين:

التعليل الأول إن المالك وهو المهدي أو المرتشي قد سلط العين المبذولة مجانا فالمرتشي حقيقة والمرتشي حكما كما في الهدية كلاهما قد سلط المبذول له على العين المبذولة مجانا وفي التصنيف المجاني لا يثبت الضمان لأن ما يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده هذا تمام الكلام في الدليل الأول والتعليل الأول.

التعليل الثاني يقول بعض المعاصرين الرشوة تشبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده أما قوله تشبه المعاوضة وليست بمعاوضة لأن المعاوضة عبارة عن مبادلة مال بمال يعني مبادلة العوض بالمعوض وفي كلا القسمين أي الرشوة الحقيقية والرشوة الحكمية لا يوجد عوض في مقابل معوض بل يوجد عوض وهو المال الذي يبذله الراشي في مقابل التزام وهو في الرشوة الحقيقية أن يقضي له وفي الرشوة الحكمية أن تتحقق المحبة والمودة في قلب القاضي إذن العنوان المأخوذ في المعاوضة وهو أن يكون العوض في مقابل المعوض هذه الضابطة غير متوفرة في كلتا الرشوتين الحكمية والحقيقية لأنه في كلتا الرشوتين يوجد مال في مقابل التزام ولكن الرشوة بكلى قسميها تشبه المعاوضة لأن المعاوضة عبارة عن التوصل بالشيء إلى شيء آخر وهذا العنوان التوصل إلى شيء بشيء آخر التوصل بالشيء وهو المال المبذول إلى شيء آخر وهو إما الحكم له في الرشوة الحقيقية أو جلب مودة القاضي في الرشوة الحكمية فهذا العنوان متحقق، إذن إلى هنا بينا أولا كيف أن الرشوة مطلقا تشبه المعاوضة إذن إذا ثبت أن الرشوة تشبه المعاوضة في هذه الحالة نطبق القاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فإذا كانت المعاوضة الصحيحة ليس فيها ضمان فكذلك المعاوضة الفاسدة ليس فيها ضمان وكذلك الضمان في شبيه المعاوضة فإذا كان ما يشبه المعاوضة لا ضمان في صحيحه فكذلك ما يشبه المعاوضة الفاسد لا ضمان فيه أيضا لأن ما لا يضمن بصحيحه يعني ما لا يضمن في صحيحه الباء بمعنى في الظرفية لا يضمن بفاسده يعني لا يضمن في فاسده.

المناقشة في التعليلين

الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" يناقش ويقول يوجد تنافي بين التعليلين أي بين نتيجتي التعليلين يعني نتيجة التعليلين مختلفتان لاحظ التعليل الأول يقول في كلتا الرشوتين لا يجب الضمان لأن التسليط مجاني هذا تعليل صحيح ففي التسليط المجاني كما في الهبة المجانية لغير ذوي الرحم، لا يثبت الضمان في الهبة والهدية الصحيحة فكذلك لا يثبت الضمان في الهبة والهدية الفاسدة وبما أن الرشوة الحقيقية فيها تسليط مجاني وكذلك الهبة الحكمية فيها تسليط مجاني إذ أن الراشي يبذل الرشوة للمرتشي مجانا وبالتالي لا يثبت الضمان لأن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده إذن نتيجة التعليل الأول عدم ثبوت الضمان إذن التعليل الأول لبعض المعاصرين تام طبعا لم يعرف من هو بعض المعاصرين ولكن يشبه بعض الشيء كلام صاحب الجواهر وسنشير إليه.

وأما التعليل الثاني لعدم الضمان وهو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن في فاسده يقول هذه القاعدة تثبت الضمان لا أنها تثبت عدم الضمان لأن مقتضى المعاوضة الصحيحة ثبوت الضمان لكلا المتعاملين فالضمان إما أن يكون في العقود الصحيحة وإما أن يكون في العقود الفاسدة إذا كان الضمان في العقود الصحيحة ثبت الضمان بالأجرة المسماة وإذا ثبت الضمان في العقد الفاسد ثبت الضمان بالأجرة الواقعية يعني المثل أو القيمة.

مثلا في عقد البيع لو كان عقد البيع صحيحا باع الكتاب بدينار وثبت الضمان فإنه يضمن المسمى في العقد الدينار وأما لو كان العقد فاسدا فإنه يضمن الأجرة الواقعية العوض الواقعي يعني المثل أو القيمة، إذن قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده تقتضي أن كل معاوضة يكون العوض في مقابل المعوض يعني كل واحد يضمن ما يدفعه في المقابل فإذا كانت المعاملة فيها ضمان في العقد الصحيح وهي ضمان أجرة المسماة فكذلك يثبت الضمان في العقد الفاسد إذن النتيجة قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده تقتضي الضمان إذن التعليل الأول التسليط المجاني يقتضي الضمان التعليل الثاني أن الرشوة تشبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده هذا يقتضي الضمان إذن التعليل الأول التسليط المجاني لا يقتضي الضمان والتعليل الثاني يقتضي الضمان صار تنافي بين التعليلين التعليل الأول ينفي الضمان والتعليل الثاني يثبت الضمان.

 

تطبيق المتن

قال الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" في كلام بعض المعاصرين حاشية رقم 3 من صفحة 249 لم نقف عليه نعم استشكل صاحب الجواهر في الرجوع بها يعني الرشوة مع تلفها يعني إذا تلف العين المبذولة كرشوة، وعلم الدافع بالحرمة دفعه وهو يعلم أن هذا حرام، باعتبار تسليطه يعني على أساس أنه سلطه على العين المبذولة إذن لم يقل مطلقا بشرطين الشرط الأول التلف والشرط الثاني علم الدافع بالحرمة أما كلام مطلق.

وفي كلام بعض المعاصرين أن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا يعني الرشوة الحقيقية بذل المال في مقابل الحكم والرشوة الحكمية يعني الهدية بذل المال في مقابل جلب مودة القاضي، غير بعيد هذا إفتاء يعني تثبت الحرمة التكليفية فيهما ولا تثبت الحرمة الوضعية وهي الضمان فيهما معللا هذا بعض المعاصرين ذكر علة عدم الضمان، العلة الأولى بتسليط المالك عليها يعني على الرشوة مجانا والتسليط المجاني لا يقتضي الضمان هذا التعليل الأول، التعليل الثاني قال بعض المعاصرين ولأنها الرشوة تشبه المعاوضة لأن المعاوضة عبارة عن التوصل بالشيء إلى شيء آخر وهنا يتوصل بالرشوة إلى شيء آخر وهو إما القضاء له الحكم له كما في الرشوة الحقيقية أو جلب مودة القاضي كما في الرشوة الحكمية.

وما لا يضمن بصحيحه يعني والعقد الذي لا يضمن في صحيحه كالهبة المجانية لا يضمن في صحيحها لا يضمن بفاسده يعني لا يضمن في عقده الفاسد.

يعلق الشيخ الأنصاري ولا يخفى ما بين تعليليه من التنافي يعني في النتيجة التعليل الأول تسليط المالك عليها مجانا هذا يقتضي عدم الضمان التعليل الثاني لأنها تشبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده هذا يقتضي الضمان الآن يبين وجه التنافي التعليل الأول واضح أنه يقتضي عدم الضمان الآن يبين كيف أن التعليل الثاني يقتضي الضمان.

يقول حقيقة المعاوضة ما هي؟ دفع العوض في مقابل المعوض يعني حقيقة المعاوضة أن أدفع العوض في مقابل التوصل إلى المعوض يعني حقيقة المعاوضة الصحيحة أنها توجب ضمان كل من المتعاملين للعوض هكذا يقول لأن المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما يعني من المتعاملين ضمان ما وصل إليه بعوضه هذه الباء باء المقابلة يعني في مقابل عوضه الذي دفعه إليه فيكون مع الفساد يعني فيكون العقد مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعي لأن الضمان في العقود الصحيحة بعوض المسمى والضمان في العقود الفاسدة بالعوض الواقعي، ما هو العوض الواقعي؟ وهو المثل إن كان مثليا أو القيمة إن كان قيميا إذن التعليل الثاني اثبت الضمان وهذا يتنافى مع التعليل الأول الذي أثبت عدم الضمان وليس في المعاوضات ما لا يضمن بالعوض بصحيحه يعني في صحيحه حتى لا يضمن بفاسده أي في فاسده يقول الضمان موجود في جميع المعاوضات لأن الدافع يدفع العوض في مقابل العوض الآخر.

إشكال لو استأجر شخص دارا واحترقت الدار فهنا سواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة يقولون لا ضمان لو استأجر شخص سيارة واحترقت السيارة لكن ليس بسببه كلا هو استأجر السيارة واحترقت يقولون لا يضمن عين السيارة فهنا سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا فلا ضمان فهذا الإشكال مؤيد لبعض المعاصرين.

الجواب الكلام في الضمان بالنسبة إلى العوض لا بالنسبة إلى غير العوض وفي مثال الإجارة المستأجر يدفع مال الإجارة في مقابل سكنى الدار لا في مقابل عين الدار مستأجر السيارة يدفع الأجرة اليومية في مقابل الانتفاع بالسيارة لا في مقابل عين السيارة فهنا حينما نقول إن المستأجر لا يضمن عين المبنى ولا يضمن عين السيارة يعني لا يضمن غير العوض فهذا المثال خارج تخصصا لا تخصيصا كلامنا في ضمان نفس العوض لا في ضمان أو عدم ضمان غير العوض لذلك يستدرك الشيخ الأنصاري يقول نعم بعض العقود ليس فيها ضمان كالعين المستأجرة إذا تلفت فإنها لا تضمن سواء كان عقد الإجارة صحيح أو فاسد لكن هذا ليس ضمان للعوض يعني عوض الإجارة عوض الإجارة هو السكنى الدار هذا ليس ضمانا لغير عوض الإجارة وهو عين الدار أو عين السيارة إذن يقول الشيخ الأنصاري جميع العقود بالنسبة إلى العوض يوجد ضمان في الصحيح وفي الفاسد لا يوجد عندنا عقد لا يضمن في صحيحه ما يدفع العوض إلا في مقابل معوض كيف يدفع عوض من دون أن يأخذ معوض.

الشيخ الأنصاري يقول وليس في المعاوضات يعني مطلقا ليس فيها ما لا يضمن بالعوض يعني لا يوجد في المعاوضات معاوضة وعقد لا يضمن بالعوض بصحيحه يعني في صحيحه حتى لا يضمن هذا العقد بفاسده يعني في فاسده نعم هذا استدراك بقوله وليس في المعاوضات ما لا يضمن بالعوض يريد أن يقول يوجد في المعاوضات ما يضمن لكن يضمن بغير العوض نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات مثل الإجارة عدم ضمان العين بالنسبة إلى غير العوض، غير العوض هو العين التي وقع الاستئجار عليها كما أن العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالإجارة فربما يدعى أنها يعني أن العين المستأجرة غير مضمونة إذا قبض بالإجارة الفاسدة لكن هذا خارج تخصصا هذا عدم ضمان غير العوض عدم ضمان عين المنزل المستأجر الذي هو ليس عوضا للإجارة.

شيخنا الأنصاري ماذا تقول يوجد ضمان في العقود أو لا؟ يقول التحقيق أنه في العقود يوجد ضمان إذن التنافي مستحكم.

قال والتحقيق إن كونها معاوضة يعني كون الرشوة معاوضة أو شبيهة بها يعني كون الرشوة شبيهة بالمعاوضة وجه لضمان العوض فيها يعني في الرشوة وليس وجها لعدم الضمان إذن التنافي مستحكم.

فروع في اختلاف الدافع والقابض ثلاثة فروع:

الفرع الأول أن يتفقا على أصل الشيء كاتفاقهما على الهدية ثم يختلفان في فسادها وصحتها فالدافع يقول أنا أعطيتك هدية فاسدة حتى يضمن والمدفوع له يقول لا أنت أعطيتني هدية صحيحة حتى ما يضمن إذن الفرع الأول أن يتفقا على أصل المعاملة أصل الهدية لكن يختلفا في صحتها وفسادها.

الفرع الثاني أن لا يتفقا على أصل المعاملة لكن يدعي أحدهما الفساد ويدعي الآخر الصحة طبعا الدافع يدعي الفساد حتى يرجع إليه والمبذول له يدعي الصحة حتى ما يضمن، الفرع الثالث أن يتفقا على الفساد كل منهما يدعي فساد المعاملة لكن الدافع يدعي الفساد الذي يوجب الضمان والمبذول له يدعي الفساد الذي لا يوجب الضمان هذه فروع ثلاثة.

الفرع الثالث أن يتفقا على فساد المعاوضة لكن يدعي أحدهما ما يوجب الضمان وهو الباذل الدافع ويدعي الآخر ما لا يوجب الضمان.

فروع في اختلاف الدافع يعني دافع الرشوة والقابض يعني قابض الرشوة الفرع الأول أن يتفقا على المعاوضة ـ الهدية ـ ويختلفا في الصحة والفساد لو ادعى الدافع أنها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد والحرمة يعني ادعى أنها رشوة حكمية، الرشوة الحكمية ما دام العين موجودة ترجع إليه له يرجع في هديته إذن هنا شيء قدر متيقن أن العين المدفوعة والمبذولة موجودة ولم تتلف وادعى القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة يعني هو من أقاربه وهدية ذوي الرحم لازمة ولا ضمان فيها حتى إذا العين باقية ما دام أخ أهدى أخاه إذا الأخ أراد أن يسترجع الهدية الصحيحة لا يجب عليه أن يرجعها له لأنها هدية لازمة هبة لازمة.

أو غيرها أو لغير داعي القربة لكن لازمة مثل الهبة المعوضة، الهبة المعوضة هبة صحيحة ولازمة احتمل تقديم الأول يعني قول الدافع لأمرين:

الأمر الأول الدافع أعرف بنيته لأن الدافع أعرف بنيته هذا الوجه الأول الوجه الثاني الأصل في اليد أنها ضامنة إلا ما خرج بالدليل فلو وضع زيد يده على مال بكر وتلف المال فإنه يضمن إلا إذا أثبت أن المال قد انتقل إليه أو أثبت أن المالك قد أذن له بالتصرف كأن وكله فإذا لم يثبت الانتقال أولا أو الإذن في التصرف ثانيا ثبت الضمان، الأصل في اليد أنها ضامنة فكلام الدافع موافق لهذه الأصالة أصالة الضمان، طبعا أصالة الضمان متى يضمن إذا تلف الشيء أما إذا الشيء موجود هذا من باب أولى أنه يضمن واضح أنه يرجعه كلامنا إذا تلف.

احتمل تقديم الأول لوجهين الوجه الأول لأن الدافع أعرف بنيته يريد أن يقول هذا من الأشياء الذي لا يعلم إلا منه هو مثل أن المرأة حائض أو حامل هذا لا يعلم إلا من ها هي هنا أيضا الوجه الذي دفعه هو الذي أخبر بما في نفسه وفي قلبه لا يعلم منه إلا هو.

الدليل الثاني ولأصالة الضمان في اليد يعني في اليد المتسلطة على ملك الغير، الأصل في اليد المتسلطة على ملك الغير أنها يد ضمان إذا كانت الدعوى بعد التلف يعني إذا كان دعوى الدافع أنه دفعها هدية بعد التلف وأما قبل التلف فمن باب أولى يجب عليه أن يرجعها فهذه بعد التلف قيد لأصالة الضمان، لماذا الأصل الضمان؟ لأنه بعد التلف يعني لأنه بعد التلف الأصل في اليد أنه يد ضمان هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأول.

الوجه الثاني قال الشيخ الأنصاري والأقوى تقديم الثاني يعني قول القابض الذي يدعي أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها من الأمور الملزمة لأنه ـ لأن الثاني ـ يدعي الصحة يعني الأصل صحة العقد فتكون دعوى الثاني موافقة للأصل ودعوى الأول مخالفة للأصل لأن الأول يدعي وجود منافيات الصحة والثاني يدعي وجود ما يقتضي الصحة فإذا دار الأمر بين صحة العقد ووجود منافيات صحة العقد فالقول قول من يدعي صحة العقد الثاني هو يدعي صحة العقد يقول هذه هبة فيها لزوم.

الشيخ الأنصاري لماذا رجح الثاني؟ لأنهما يتفقان على قدر متيقن وهو أصل المعاملة أصل الهدية في الفرع الأول الدافع الباذل والمبذول له يتفقان على أصل المعاوضة أصل الهدية لكن الدافع والباذل يدعي فسادها والمبذول له يدعي صحتها فالقول قول من يدعي الصحة، هذا الاحتمال لا يقال به في الفرع الثاني لأنه في الفرع الثاني لا يوجد اتفاق على أصل المعاوضة.

الفرع الثاني ولو ادعى الدافع أنها رشوة أو أجرة على عمل المحرم أجرة على حمل الخمر أو بيع الخمر إذن الدافع والباذل يدعي الفساد وادعى القابض كونها ـ مال المبذول ـ هبة صحيحة حتى ما يضمن، احتمل أنه كذلك يعني أنها هبة صحيحة يعني احتمل تقديم الثاني لأنه يدعي الصحة، ما هو وجه هذا الاحتمال؟ هو أنه إذا دار الأمر بين صحة العقد وفساد العقد الأصل في العقد هو الصحة فيقدم قول مدعي الصحة.

يقول احتمل أنه كذلك يعني أنها هبة صحيحة لأن الأمر يدور بين الهبة الصحيحة التي هي مدعاه والإجارة الفاسدة التي هي مدعى الدافع فيقدم قول مدعي الصحة لكن هذا مجرد احتمال لا يقال به لعدم وجود قدر مشترك لعدم اتفاقهما على أصل المعاوضة ويحتمل العدم يعني عدم الصحة إذ لا عقد مشترك هنا يعني لا توجد معاوضة مشتركة قد اتفق عليها إذ لا عقد مشترك يعني بين الباذل والمبذول يعني لا يوجد اتفاق بينهما على عقد مشترك هنا يعني في الفرع الثاني إذ لم يتفقا على أصل المعاوضة، إذ لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته هذا العقد وفساده هذا العقد كما في الفرع الأول فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته يعني وليس منكرا لصحة العقد الذي يدعيه القابض فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته يعني وليس منكرا لصحة العقد الذي يدعيه القابض كما في الفرع الأول فيحلف على عدم وقوعه يعني فيحلف الدافع على عدم وقوع ما ادعاه القابض يعني عدم وقوع الهبة الصحيحة ويقدم قول الدافع، إذن الفرع الأول يقدم قول المبذول له لأنه موافق للصحة ويوجد قدر متيقن وهو الاتفاق على أصل المعاوضة لكن في الفرع الثاني يقدم قول الدافع الباذل لا المبذول له لأنه لا يوجد قدر متيقن.

وليس هذا يعني وليس هذا الفرع الثاني، من مورد التداعي كما لا يخفى، لاحظ مورد التداعي مثل لو ادعى الأول أنه باع الثوب ألف وادعى المشتري أنه اشترى الثوب باء فهنا يوجد اتفاق بينهما على أصل المعاملة وهي البيع وهذه المعاملة لها اثر ـ ترتب النقل والانتقال لها اثر شرعي ـ لكنهما اختلفا في متعلق البيع، البائع يقول متعلق البيع القميص المشتري يقول متعلق البيع البنطلون إذن هما اتفقا على وجود معاملة لها أثر شرعي، ما هي المعاملة التي لها اثر شرعي؟ البيع والشراء، ما هو الأثر الشرعي؟ انتقال المبيع من البائع إلى المشتري وانتقال الثمن من المشتري إلى البائع إذن في صورة التداعي يقولون كل واحد منهم يحلف لأن دعوى كل واحد منهما لها أثر شرعي في موردنا ليس من موارد التداعي لأن دعوى أحدهما ليس لها أثر شرعي وهي دعوى الأول، الأول يدعي أنه يوجد ضمان.

سؤال الضمان من أين حصل؟ هل الضمان حصل بسبب أن المدفوع رشوة أو أجرة على المحرم أو لضمان حصل بسبب القبض لما قبض المبلغ ليجب عليه أن يضمنه؟ الضمان حصل بسبب القبض، إذن دعوى الأول وهو الدافع، ما هي دعواه؟ أنها رشوة أو أنها أجرة على المحرم، هذه الدعوى ليس لها أثر شرعي وهو الضمان، الضمان حصل من شيء آخر وهو القبض وإلا لو أدعى وما صار قبض ما يضمن إذن صورة التداعي إذا ادعى كل منهما شيئا له أثر شرعي يقول الشيخ الأنصاري هذا المورد ليس من موارد التداعي حتى نقول الأول يحلف والثاني يحلف، هنا الأول وهو الدافع لم يدعي شيئا له اثر شرعي إذ أنه أدعى الرشوة أو الأجرة على المحرم هذان العنوانان لا يوجبان الضمان الذي يوجب الضمان هو القبض لذلك يقول فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته يعني وليس منكرا لصحة العقد الذي يدعيه القابض فيحلف يعني الدافع على عدم وقوعه يعني على عدم وقوع الهبة الصحيحة، عدم وقوع دعوى القابض وليس هذا المورد من مورد التداعي كما لا يخفى إذ أن التداعي يكون في صورة ما إذا كانت دعوى كل منهما لها اثر شرعي وهنا دعوى الأول وهو الدافع ليس لها أثر شرعي، هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

الفرع الثالث الفارق بين الثالث والأول والثاني، أولا لا توجد معاوضة متفق عليها كما في الأول ثانيا أحدهما يدعي الفساد والآخر يدعي الصحة هذا في الفرع الثاني هنا كل منهما يدعي الفساد الفارق أحدهما يدعي الفساد مع الضمان وهو الدافع والثاني يدعي الفساد من دون ضمان.

قال ولو أدعى الدافع أنها رشوة يعني ادعى الفساد وهذه رشوة يعني فساد مع الضمان والقابض أدعى أنها هدية فاسدة يعني فساد من دون ضمان، هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه يعني لدفع الغرامة عن نفسه حتى لا تثبت الغرامة عليه، بناء على ما سبق من أن الهدية المحرمة لا توجب الضمان يعني بناء على أن الهدية المحرمة لا تقتضي الضمان هذا سبق حينما تطرقنا إلى كلام بعض المعاصرين.

هنا وجهان الوجه الأول ففي تقديم الأول مدعي الرشوة لأصالة الضمان في اليد قلنا الأصل في اليد التي تضع نفسها على مال الغير أنها يد ضمان إلا ثبت أن المال قد انتقل إليها أو ثبت الإذن من المالك، وحيث لم يثبت الانتقال ولم يثبت الإذن إذن هي للضمان، إذن دعوى الأول موافق لأصالة الضمان في اليد ففي تقديم الأول ـ الدافع ـ لأصالة الضمان في اليد أو الآخر يعني تقديم الآخر وهو القابض لأصالة عدم سبب الضمان، ما هو سبب الضمان؟ الرشوة الأصل عدم الرشوة لو شككنا هل هذه رشوة أو لا كنا على يقين سابق من عدم الرشوة شككنا في وقوع الرشوة لا تنقض اليقين بالشك نستصحب عدم الرشوة نستصحب عدم سبب الضمان، الرشوة هي سبب الضمان ومنع أصالة الضمان يعني نمنع أنه الأصل هو الضمان لأن الضمان أمر حادث والحادث يحتاج إلى دليل من قال أن الأصل في اليد التي تضع نفسها على مال الغير أنها يد ضمان الضمان أمر حادث والأمر الحادث يحتاج إلى دليل وهنا لا دليل وجهان هذان وجهان وجه لتقديم الأول ووجه لتقديم الثاني.

أقواهما الأول يعني تقديم قول الأول لأصالة الضمان في اليد، ما هو الدليل؟ ما هو وجه القوة؟ يقول لأن عموم خبر على اليد[2] ما أخذت حتى تؤدي يقتضي الضمان إلا مع تسليط المالك مجانا، يعني على اليد ما أخذت حتى تؤدي هذا مطلق يقتضي الضمان، خرج عن التسليط المجاني وهنا التسليط المجاني يحرز ببركة الاستصحاب الأصل عدم التسليط المجاني والأصل عدم تحققه يعني عدم تحقق التسليط المجاني وهذا يعني استصحاب عدم التسليط المجاني حاكم على أصالة عدم سبب الضمان يعني حاكم على أصالة عدم الرشوة التي هي سبب الضمان يعني ينفي الموضوع تعبدا.

هناك مال مدفوع نشك هل هذا المال رشوة أو ليس برشوة الأصل أنه ليس برشوة لكن قبل هذا الاستصحاب استصحاب عدم الرشوة يوجد أصل حاكم عليه وهو أن هناك مال مدفوع وجدانا شككنا هل هذا المال المدفوع بالوجدان دفع بنحو مجاني أو لا الأصل عدم المجانية أصالة عدم المجانية تنفي الرشوة لأنه أصالة عدم المجانية يعني دفع في مقابل عوض إذا دفع في مقابل عوض إذن ليس رشوة، فافهم لعله إشارة إلى أن هذا الأصل أصل مثبت والأصل المثبت لا يثبت فإذا شككت في وجود حيوان في البيت فاستصحبت وقلت الأصل عدم كونه حيوانا، عدم الحيوانية ـ استصحاب عدم الحيوانية ـ لا يعني أن الموجود داخل الدار ليس بحيوان واقعا قد يكون هو حيوان في الواقع هنا الاستصحاب يقول هذا المال دفع مجانا أو لا الأصل عدم كونه مجانا إذن الاستصحاب يثبت تعبدا أن المال المدفوع ليس مجانا إذا ليس مجانا العقل يقول إذن هو رشوة إذن هذا أصل مثبت والأصل المثبت لا يثبت.

قال أقواهما الأول لأن عموم خبر على اليد يقضي بالضمان إلا مع عدم تسليط المالك مجانا والأصل عدم تحققه يعني عدم تحقق التسليط المجاني وهذا يعني أصل عدم تحقق التسليط المجاني يعني استصحاب عدم المجانية حاكم على أصالة عدم سبب الضمان يعني مقدم تعبدا حاكم على أصالة عدم سبب الضمان إما حاكم تعبدا وإما نقول وارد يرفع الموضوع فإذا ثبت عدم التسليط المجاني انتفى أصالة عدم سبب الضمان يعني انتفت عدم الرشوة فيثبت أنه رشوة، نقول هكذا فافهم لعله إشارة إلى أن استصحاب عدم التسليط المجاني المستصحب فيه عدم التسليط المجاني يلزم منه عقلا ما دام ما فيه تسليط مجاني يلزم عقلا أنه رشوة إذن هذه الرشوة أصل مثبت يعني لازم عقلي واللازم العقلي ليس بحجة في مثبتاته، هذا تمام الكلام في المسألة الثامنة وبها يتم الختام في مسألة الرشوة، المسألة التاسعة سب المؤمنين حرام يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo