< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس السادس والثمانون: المسألة الثانية عشر في حرمة الغش

 

المسألة الثانية عشر الغش حرام بلا خلاف والأخبار به متواترة نذكر بعضها تيمنا.[1]

 

خلاصة درس اليوم

الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" في بداية مسألة الغش يذكر بعض الروايات المتواترة المروية عن النبي "صلى الله عليه وآله" في حرمة الغش يذكرها من باب التيمن والتبرك ثم بعد ذلك يستظهر منها ويقول إن ظاهر الغش هو عبارة عن الغش بما يخفى وأما إجراء المعاملة أو عمل الشيء من غير خفاء لا يصدق عليه الغش كما لو علم المشتري رأى المشتري أن الماء قد وقع في الحليب وباعه البائع الحليب فهذا لا يقال له غش لأنه يعلم بأن هذا الحليب ممتزج بالماء إذن ظاهر الروايات أن الغش بما يخفى وأما إذا لم يخفى العيب على المشتري فلا يصدق على أنه غش لذلك لو حصل الامتزاج وأراد البائع أن يبيع وكان الامتزاج خفيا وجب على البائع أن يعلم المشتري بالامتزاج نعم لو كان الامتزاج واضحا لا يحتاج إلى بيان مثلا واضح أن هذه حنطة مخلوطة بأرز أو حنطة مخلوطة بشعير فلا يشترط الإعلام حينئذ لكن لو كانت حنطة رديئة بحنطة جيدة أرز جيد بأرز رديء بحيث يخفى ذلك على المشاهد حينئذ يجب الإعلام ثم في نهاية هذه المسألة يذكر الشيخ الأنصاري أربعة أقسام للغش وبهذا يتم الكلام في الحرمة التكليفية للغش ثم يقع الكلام في الحرمة الوضعية فمن المسلم أن الحرمة التكليفية ثابتة للغش فالغش حرام ويوجب الإثم ولكن لو خالف البائع وغش فهل يترتب النقل والانتقال وهل تثبت الحرمة الوضعية أو لا؟ هذا ما سيأتي بحثه في الدرس القادم اليوم فقط نقرأ الروايات ونتعرف على الحرمة التكليفية وأقسام الغش والظاهر من هذه الروايات فدرس اليوم سوف يكون بسيط يعني اخف الدرس الذي بعده وهو الحرمة الوضعية يكون أدق.

 

تطبيق المتن

المسألة الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف يعني هناك إجماع على حرمة الغش طبعا القدر المتيقن من الغش الغش في البيع وأما الغش في غير البيع مثلا الغش في المدارس في الامتحانات حرام أو لا؟ السيد الخوئي "رحمه الله" يرى حرمة الغش حتى في المدارس ولعل المدرك هو التمسك بالإطلاق (من غشنا فليس منا) كلام النبي "صلى الله عليه وآله" مطلق ولكن من يستظهر أن الغش مختص بخصوص البيع أو المعاوضة فإنه لا يشمل الغش في الامتحانات وغير ذلك.

المسألة الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف والأخبار به ـ بحرمة الغش ـ متواترة نذكر بعضها تيمنا فعن النبي "صلى الله عليه وآله" بأسانيد متعددة (ليس من المسلمين من غشهم)[2] وفي رواية العيون ـ عيون اخبار الرضا “عليه السلام” للصدوق ـ بأسانيد قال قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" (ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره)[3] وفي عقاب الأعمال للصدوق عن النبي "صلى الله عليه وآله" (من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا)[4] إذن هذه الرواية خاصة بالبيع والشراء.

الرواية الأولى والثانية مطلقة (ليس من المسلمين من غشهم) غش المسلمين مطلق (ليس منا من غش مسلما) مطلق لكن الرواية الثالثة (من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا ويحشر مع اليهود يوم القيامة لأنه من غش الناس فليس بمسلم) هذا التعليل عام من غش الناس مطلق إلى أن قال (ومن غشنا فليس منا قالها ثلاثا ومن غشا أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه) [5] .

وفي مرسلة هشام عن أبي عبد الله “عليه السلام” أنه قال لرجل يبيع الدقيق (إياك والغش فإنه من غش غُش في ماله فإن لم يكن له مال غش في أهله)[6] .

وفي رواية سعد الإسكان عن أبي جعفر “عليه السلام” قال (مر النبي "صلى الله عليه وآله" في سوق المدينة بطعام ـ الحبوبات ـ فقال لصاحبه ما أرى طعامك إلا طيبا فأوحى الله "عز وجل" إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديئا فقال لصاحبه ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين) [7] ورواية موسى بن بكر عن أبا الحسن “عليه السلام” (أنه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه ثم قطعه بنصفين ثم قال لي القه في البالوعة حتى لا يباع بشيء فيه غش إلى آخر الخبر[8] ).

الشيخ الأنصاري يعلق يقول حتى لا يباع بشيء فيه غش هذا فيه غش ليس وصف للا يباع فيه غش هذه جملة استئنافية جملة جديدة جملة إخبارية يعني مفادها هكذا لمَ لا يباع بشيء؟ لأن فيه غش فالإمام هكذا يقول حتى لا يباع بشيء، فيه غش وقوله “عليه السلام” فيه غش جملة ابتدائية يعني جملة خبرية جملة استئنافية وليست جملة وصفية والضمير في لا يباع راجع إلى الدينار يعني حتى لا يباع الدينار بشيء لأن فيه غش، هذه فيه غش بمثابة الجواب، لمَ لا يباع؟ الجواب غش فيه هذه جملة استئنافية جملة جديدة.

وفي رواية هشام بن الحكم قال كنت أبيع السابري ـ معرب شاپوري نسبة إلى أحد ملوك العجم اسمه شاپور والشاپوري أو السابري أجود أنواع الأقمشة وهو قماش رقيق ـ في الضلال فمر بي أبو الحسن “عليه السلام” فقال (يا هشام إن البيع في الضلال غش والغش لا يحل[9] ).

وفي رواية الحلبي قال سألت أبا عبد الله “عليه السلام” عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له وأنفق له يعني أفضل له وانفق له يعني وأكثر نفقة يعني وأكثر بيعا أن يبله يعني إذا يبل الطعام مثل يبل الخضار فأسرع يشترونها من غير أن يلتمس زيادته يعني من دون أن يقصد أن يزيد في وزنه فقال إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك يعني إلا البل ولا ينفقه غيره يعني لا يجعله أكثر نفقة وبيعا غيره يعني غير البل من غير أن يلتمس فيه زيادة من دون أن يقصد فيه زيادة فلا بأس إذن هذه الرواية تشير إلى أن الغش من العناوين القصدية لا العناوين الواقعية المهم أنه لا يقصد أن يغشه.

فلا بأس وإن كان إنما يغش به المسلمين فلا يصلح[10] يعني إذا كان يقصد الغش ورواية الأخرى قال سألت أبا عبد الله “عليه السلام” عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما بشيء يعني الرديء ارخص والجيد أغلى واحدهما أجود من الآخر فيخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد فقال (لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه)[11] ورواية داود بن سرحان قال كان معي جربان ـ كيسان ـ من مصر احدهما رطب والآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثم أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا لا أعطى باليابس الثمن الذي يسوى ما أحد يشتري اليابس، ولا يزيدوني على ثمن الرطب يعني ثمن اليابس أقل من ثمن الرطب فسألت أبا عبد الله “عليه السلام” عن ذلك (أيصلح لي أن أنديه قال لا إلا أن تعلمهم) يقول لهم هذا مسك يابس أنا وضعت فيه نداء، قال فنديته ثم أعلمتهم قال لا بأس[12] هذه روايات وجود الإعلام، إذن ظاهر الروايات أن الغش بما يخفى وأما إذا لا يخفى مثلا علمت بالامتزاج القهري رأيت الماء قد وقع قهرا في الحليب ورغم ذلك أنا اشتري الحليب هذا ليس بغش.

ثم إن ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء كيف تشخص أن هذا اللبن فيه ماء وخلط الجيد بالرديء في مثل الدهن، من أين تميز الدهن الجيد من الدهن الرديء ومنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا الحرير إذا في مكان حار أخف وزنه يصير يجعله في مكان بارد ونحو ذلك فحينما يثلج السمك مثلا وهكذا.

وأما المزج والخلط بما لا يخفى فلا يحرم لعدم انصراف الغش إليه يعني روايات الغش مطلقة لكن تنصرف إلى الغش بما يخفى لا بما لا يخفى ويدل عليه والخلط بما لا يخفى ليس بحرام مضافا إلى الأخبار المتقدمة ظاهرها أن المزج بما يخفى، صحيحة ابن مسلم يعني تدل على جواز المزج بما لا يخفى، عن أحدهما "عليهما السلام" أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض وبعضه أجود من بعض قال إذا رؤي جميعا فلا بأس ما لم يغطي الجيد الرديء[13] ومقتضى هذه الرواية صحيحة بن مسلم بل رواية الحلبي الثانية متقدمة قرأناها وفي رواية الحلبي سالت أبا عبد الله عن الرجل يشتري طعاما[14] ورواية سعد الاسكاف أنه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع فيجب الإعلام بالعيب غير الخفي إلا أن تنزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما إذا تعمد الغش برجاء التلبس على المشتري يعني يتعمد الغش حتى يخفى هذا الشيء على المشتري وعدم التفطن يعني عدم تفطن المشتري للغش وإن كان من شأن ذلك العيب أن يتفطن له فلا تدل الروايات على وجوب الإعلام إذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشتري وسامح في الملاحظة هذا ليس بحرام حتى يعني في بعض البضائع العيب واضح ما يشترط أن يعلم البائع المشتري حتى لو المشتري لم يلتفت ما يشترط لأن العيب ظاهر نعم لو كان العيب خفيا يجب عليه أن يعلمه مثل في الزواج هذا التدليس في الزواج أحيانا في المقابلة واضح أن هذه المرأة فيها عيب معين أو هذا الرجل فيه عيب معين واضح أنه أصلع لا يوجد شعر فلم يغشها ولم يدلس خاصة بالنسبة إلى النساء أحيانا قد يحصل تدليس.

ثم إن غش المسلم إنما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله بالغش فلا فرق بين الكون الاغتشاش بفعله أو بفعل غيره إما هو سكب الماء في الحليب أو جاء شخص آخر سكب الماء في الحليب أو قد يكون بشيء قهري سقط الماء ووقع في الحليب فلو حصل اتفاقا ـ الاغتشاش ـ أو حصل لغرض هذا الحليب غليظ يريد يخلي ماهي فيجب الإعلام بالعيب الخفي ويمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة الدالة على حرمة الغش إلا على ما إذا قصد التلبيس وأما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الإعلام يعني قد تحمل على قصد التلبيس أما بيع الملتبس مع عدم قصد التلبيس لا مانع منه ولكن هذا الاستظهار مشكل نعم أنه إذا شيء ملتبس أنت تأتي وتصوره أنه ما ملتبس شيء معيب أنت تقول لا سليم هذا مشكل، نعم يحرم عليه ـ على البائع ـ إظهار ما يدل على سلامته من ذلك فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الأمر على المشتري يعني صار حرمة الغش من الأمور القصدية سواء كان العيب خفيا أم جليا كما تقدم لا بكتمان العيب مطلقا يعني خفيا أو جليا أو خصوص الخفي وإن لم يقصد التلبيس يعني المدار على حرمة التلبيس هذا أول الكلام من قال إن حرمة الغش خاصة بخصوص قصد التلبيس.

ومن هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا يعني جليا أو خفيا مع عدم الإعلام بالغيب غشا[15] يقول ما دام لم يعلم هذا لا يصدق عليه أنه غش ليس المدار على عدم الإعلام بل المدار على قصد التلبيس وفي التفصيل المذكور في رواية الحلبي إشارة إلى هذا المعنى حيث إنه “عليه السلام” جوز بل الطعام بدون قيد الإعلام إذا لم يقصد به الزيادة وإن حصلت به الزيادة وحرمه مع قصد الغش إذا قصد التلبيس هذا استدراك الآن أنه إذا تعيب قهرا هو لم يجعل الماء في الحليب سقط الماء في الحليب نعم يمكن أن يقال في صورة تعيب المعيب بخروجه عن مقتضى خلقته الأصلية بعيب خفي أو جلي لكن التعيب القهري إن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري يعني لو قال لا هذا سليم أنا اضمن لك هذا سليم وهو يعرف أنه قد وقع فيه الماء هذا مشكل كما لو صرح باشتراط السلامة فإن العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط ـ شرط استلام السلامة ـ مع علمه بالعيب أنه غاش يعرف أن هذا الحليب وقع فيه ماء هذا غش.

أقسام الغش يذكر أربعة أقسام:

القسم الأول ثم إن الغش يكون بإخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيد بالرديء مزج الحنطة الرديئة بالجيدة.

القسم الثاني أو غير المراد في المراد يعني إخفاء غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن الماء غير مراد المراد اللبن.

القسم الثالث وبإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا وهو التدليس مثلا هذه امرأة يبيضونها وهي سمرة تبين إنها بيضاء تسر الناظرين هذا تدليس وغش.

القسم الرابع أو بإظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المموه يعني بيع المطلي بالذهب والفضة على أنه ذهب أو فضة فهذا المموه ربما هذا نحاس أو حديد يظهره ويطلي بالذهب يطلي بشيء يشبه الذهب أو يشبه الفضة على أنه ذهب أو فضة هذا تمام الكلام في الحرمة التكليفية للغش يبقى الكلام في الحرمة الوضعية يعني هل يترتب نقل وانتقال أو لا.

ثم إن في جامع المقاصد يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo