< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس التاسع والثمانون: كلمات اللغويين في معنى الغناء

 

قال الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" فعن المصباح أن الغناء الصوت وعن آخر أنه مد الصوت.[1]

 

خلاصة الدرس الامس

كان الكلام في المسألة الثالثة عشر وهي في حرمة الغناء تطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى الروايات المستفيضة التي دلت على حرمة الغناء ثم استظهر من مجموع الروايات أن الغناء ظاهر في الكيفية الباطلة لا الكلام الباطل وانتهى في النتيجة إلى أن الغناء المحرم هو ما كان من لحوم أهل الفسوق والمعاصي

خلاصة درس اليوم

وبعد ذلك يتطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى معنى الغناء في كتب اللغة العربية فيتطرق في البداية إلى أربع تعريفات في الكتب اللغوية

معنى الغناء

ثم يحاول أن يجمع بين أحسن هذه التعريفات اللغوية وتعريف مشهور الفقهاء للغناء إذ أن أحسن تعاريف كتب اللغة للغناء هو تعريف الصحاح للجوهري إذ قال إن الغناء من السماع وليس المراد مطلق السماع بل المراد ما يلتذ بسماعه أي السماع الذي يوجب حصول اللذة أي الكيفية التي توجب تحقق اللذة لدى السامع هذا المعنى يقرب من التعريف المشهور عند الفقهاء من أن الغناء عبارة عن مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب والمراد بالترجيع الترديد رجع في صوته أي ردد في حلقه وكرر في حلقه.

معنى الطرب

ثم فسّر الطرب الوارد في تعريف الفقهاء إذ عرفوا الغناء على أنه الصوت المشتمل على الطرب فإذا رجعنا إلى الصحاح للجوهري نجده يعرف الطرب بأنه خفة تعتري الإنسان عند الحزن أو السرور وهكذا عرفها الزمخشري بأن الطرب عبارة عن خفة لسرور أو هم فالطرب ليس نفس السرور أو نفس الحزن بل الطرب نتيجة السرور أو نتيجة الحزن فشدة الحزن أو السرور سبب والطرب مسبب إذن السرور أو الحزن علة والطرب أو الخفة معلول لتلك العلة هذه النتيجة وهي الخفة هي التي أوجبت دخول الصوت في أفراد اللهو وإلا فالصوت بما هو هو لا يندرج تحت عنوان اللهو لكن لأن هذا الصوت يوجب الخفة يقتضي الخفة يسبب الخفة دخل الصوت ـ صوت الإنسان ـ تحت أفراد اللهو وهذا هو الذي أراده الشاعر قائلا أطرب وأنت قنسري ـ الشيخ الكبير ـ يعني أتحصل لك خفة وأنت شيخ كبير والمراد بالخفة حالة نفسانية تعتري الإنسان توجب خروجه عن وضعه الطبيعي أي أنك شيخ كبير وفي هذا السن لا يناسب أن تعتريك حالة نفسانية توجب خروجك عن طورك وخروجك عن أمورك الطبيعية ومن الواضح أن الشيخ الكبير يعتريه السرور ويعتريه الحزن بل قد ينتابه حزن شديد أو فرح شديد ولا عيب ولا محذور في ذلك إنما العيب والمحذور كل المحذور في أن يصبح هذا الشيخ الكبير الذي ينبغي أن يكون ثقيلا في أن يصبح خفيفا تعتريه خفة لا تتناسب وهيبته وثقله كشيخ كبير.

إذن مجرد مد الصوت سواء يوجد ترجيع أو لا يوجد ترجيع لا يوجب كون الصوت لهويا لذلك من اكتفى بذكر الترجيع من دون ذكر عنوان الطرب أو الخفة كالعلامة الحلي في القواعد إنما قصد خصوص الترجيع الموجب للطرب والخفة لا مطلق الترجيع وكشاهد على ذلك نجد أن شارح القواعد وهو المحقق الكركي صاحب جامع المقاصد حينما شرح قواعد العلامة قال ليس مجرد مد الصوت محرما حتى لو مالت إليه النفس نعم مد الصوت إذا انتهى إلى ما يكون مطربا بالترجيع المقتضي للإطراب يكون محرما، هذا تمام الكلام في تنقيح معنى الغناء في اللغة والاصطلاح وانتهينا إلى هذه النتيجة وهي أن المراد بالغناء ليس مطلق الصوت وليس مطلق التحسين بل خصوص الصوت والتحسين المشتمل على الطرب والمراد بالطرب الخفة التي تعتري الإنسان فحاول الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه الشريف أن يجمع بين تعريفات أهل اللغة وبين تعريفات المشهور فجميعها يقتضي أن يكون الغناء المحرم هو الصوت المشتمل على التحسين الموجب لتحقق الطرب أي الخفة وبعد أن أثبت عنوان الطرب أو الخفة يشرع في بيان المراد بالطرب هل الطرب الشأني أو الطرب الفعلي ويطرح ثلاثة احتمالات ويرجح أحد هذه الاحتمالات الثلاثة وبناء على الاحتمال الذي يرجحه تتفرع أمور قادت صاحب مفتاح الكرامة إلى أن يفرق بين الإطراب وبين الطرب فقال إن الطرب الذي قال به أهل اللغة يعني الخفة بخلاف الإطراب والتطريب الذي ذكره الفقهاء فهو لا يستلزم الخفة.

ثم يأتي بشواهد على تفرقته بين الإطراب والطرب ثم يرد عليه الشيخ الأنصاري بأربع مناقشات دقيقة وعميقة درس اليوم ينتهي ببيان مطالب صاحب مفتاح الكرامة في التفرقة بين الإطراب والطرب يعني بين الإطراب والتطريب الشرعي وبين الطرب اللغوي وأما رد الشيخ الأنصاري فبما أنه عميق ويحتاج إلى تأني سنتركه إلى الدرس القادم.

 

تطبيق المتن

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" فعن المصباح ـ المصباح المنير للفيومي ـ أن الغناء الصوت[2] وعن آخر لم نظفر بقائله وجعله الشيخ أحمد النراقي في كتابه مستند الشيعة ثامن الأقوال من دون إسناده إلى قائل معين[3] ، وعن آخر أنه مد الصوت وعن النهاية لابن الأثير عن الشافعي أنه تحسين الصوت وترقيقه إذا نرجع إلى النهاية في غريب الحديث نجده يقول تحسين القراءة، وعنها أيضا أن كل من رفع صوتا ووالاه يعني تابعه فصوته عند العرب غناء[4] وكل هذه المفاهيم الأربعة مما يعلم عدم حرمتها وعدم صدق الغناء عليها فكلها إشارة إلى المفهوم المعين عرفا يعني مفهوم الغناء المتشخص عرفا هي تشير إليه لا أنها تحدده بدقة نقرأها أربعتها نجد أنها ليست غناء وليست حراما العنوان الأول الصوت، العنوان الثاني مد الصوت، العنوان الثالث تحسين الصوت وترقيقه، العنوان الثالث رفع الصوت وموالاته هذه ليست حرام رفع الصوت وتتابعه ليس حرام، مد الصوت ليس حراما، تحسين الصوت وترقيقه ليس حراما، نفس الصوت ليس حراما إذن هذه المفاهيم الأربعة التعريفات اللغوية الأربعة لا توجب تحقق الحرمة ولا توجب تحقق الغناء نعم هي تشير إلى الغناء المعين عرفا والمحرم عرفا لذلك قال الشيخ الأنصاري والأحسن من الكل ـ الأحسن من كل هذه التعريفات الأربعة ـ ما تقدم من الصحاح آخر سطر صفحة 289 والغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح وقال أيضا جارية مسمعة أي مغنية، السماع يعني ما يلتذ بسماعه، جارية مسمعة أي جارية تلتذ بسماع صوتها ليس المراد مجرد السمع إذن ما هو وجه الحسن؟ ذكر نحو الكيفية جارية مسمعة يعني جارية تشتهي أن تسمع صوتها، الغناء من السماع يعني الغناء فرد من أفراد الصوت الذي تشتهي أن تسمعه إذن فيه إشارة إلى الكيفية لذلك هو الأحسن من الكل لأن فيه إشارة إلى حيثية التحريم الالتذاذ بالسماع.

والأحسن من الكل ما تقدم من الصحاح ويقرب منه ـ مما تقدم من الصحاح ـ المحكي يعني التعريف المحكي عن المشهور بين الفقهاء[5] كما في مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني الجزء الثاني صفحة 20 من أنه ـ الغناء ـ مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أول قيود مد الصوت هذا ينسجم مع قول أهل اللغة القيد الثاني المشتمل على الترجيع رجع يعني ردد كرر المشتمل على الترجيع يعني على الترديد والتكرار بناء على هذا الترجيع الآن أكثر الأذانات قراءات القرآن كلها يصدق عليها غناء لأنه في قراءة القرآن وفي قراءة الأدعية وفي قراءة المراثي والتعازي وفي قراءة القرآن دائما يرجعون في ترديد والطرب على ما في الصحاح خفة تعتري الإنسان لشدة حزن أو سرور[6] وعن الأساس للزمخشري يعني كتاب أساس البلاغة للزمخشري الطرب خفة لسرور أو هم[7] إذن الطرب ليس هو السرور أو الهم الخفة الناشئة من السرور أو الهم وما المراد بالخفة؟ المراد بالخفة حالة نفسانية تعتري الإنسان توجب خروجه عن وضعه الطبيعي.

وهذا القيد أي الخفة وليس الطرب يقول الشهيدي صفحة 68 حاشيته يقول في التعبير مسامحة والمراد من القيد الخفة الناشئة من السرور أو الحزن وهذا القيد، لماذا التعبير في مسامحة؟ لأن الخفة لم ترد كقيد في التعريف الذي ورد كقيد الطرب والآن الكلام في بيان الخفة لا الطرب.

وهذا القيد يعني الخفة هو المُدخل للصوت في أفراد اللهو يعني قيد الخفة هو الذي أوجب دخول الصوت في أفراد اللهو وهو الذي ـ قيد الخفة ـ أراده الشاعر بقوله أطربا وأنت قنسري[8] إذن راجع لسان العرب الجزء الخامس صفحة 117 مادة قنسر وفي لسان العرب الطرب خفة تلحق الإنسان عند السرور وعند الحزن والمراد به في هذا البيت السرور يخاطب نفسه فيقول أتطرب إلى اللهو طرب الشبان وأنت شيخ مسن.

وهو الذي أراده الشاعر بقوله أطرب وأنت قنسري أي شيخ كبير وإلا فمجرد السرور أو الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير يعتريه الحزن أو السرور ولكن الخفة لا تناسب الشيخ الكبير وبالجملة فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب أو مد الصوت ولو مع الترجيع إما بدون ترجيع أو مع ترجيع لكن غير مطرب لا يوجب كونه لهوا يعني لا يوجب كون مد الصوت لهوا.

البعض ذكر الترجيع وما ذكر الطرب يقول مقصود الطرب ترجيع المطرب قال ومن اكتفى بذكر الترجيع يعني في التعريف كالقواعد[9] العلامة الحلي في قواعد الأحكام أراد به ـ بالترجيع ـ الترجيع المقتضي للإطراب لا مطلق الترجيع قال في جامع المقاصد هذا شاهد على أن المراد بالترجيع هو خصوص الترجيع المطرب لا مطلق الترجيع.

قال في جامع المقاصد في الشرح يعني في شرح قواعد العلامة الحلي ليس مجرد مد الصوت محرما وإن مالت إليه النفوس ما لم ينتهي إلى حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للإطراب انتهى كلامه زيد في علو مقامه جامع المقاصد الجزء الرابع صفحة 23.[10]

ثم يشرع في بيان مطلب مهم ما هو المراد بالمطرب؟ يطرح ثلاثة معاني:

المعنى الأول المطرب شأنا

المعنى الثاني المطرب فعلا بالجملة

المعنى الثالث المطرب فعلا في الجملة

والفارق بين الثلاثة أن المطرب شأنا هو الكلام الذي من شأنه أن يطرب ولو لم يطرب لوجود مانع كما لو كان صوت المغني كأنه زلزال فهنا المانع من الطرب ليس كيفية أداءه هي كيفية أداء لهوية وإنما المانع هو خشونة صوت المغني أو لو كان صوت المغني فيه بحة شديدة تنفر منها النفوس والطباع أو لو كان صوت المغني عذبا لكن المستمع مريض أو فيه حالة نفسية ينزعج من سماع صوت الغناء فإنه لا يحصل لديه الطرب فهنا نقول قد صدق الإطراب لأن المراد بالإطراب هو الإطراب الشأني لا الإطراب الفعلي فما دامت هذه الكيفية من شأنها أن توجب الخفة والطرب فإنه غناء محرم ولو لم يطرب فعلا هذا التعريف الأول للإطراب.

التعريف الثاني الإطراب فعلا بالجملة يعني أن يحصل الطرب بالفعل لدى الجميع من دون استثناء بأن يطرب المغني ويطرب جميع من يستمع إلى غناءه فهذا طرب فعلي بالجملة يعني لجميع الأفراد من دون استثناء.

التعريف الثالث الإطراب بالفعل في الجملة يعني لبعض الأفراد لا بالجملة يعني لا لجميع الأفراد كما لو لم يطرب إلا المغني كل المستمعين ما طربوا لكن المغني قد طرب أو المغني لم يطرب لكن أحد الأفراد قد طرب فليس المدار على طرب جميع الأفراد بالجملة بل المدار كل المدار على طرب بعض الأفراد ولو في الجملة كأن يطرب المغني فقط أو أحد المستمعين فقط أو جملة من المستمعين دون غيرهم فالمدار على تحقق الطرب والخفة فعلا ولو لفرد واحد.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يرجح القول الثالث فيقول ليس المراد من الطرب الإطراب الشأني وليس المراد من الطرب الإطراب الفعلي بالجملة بل المراد من الطرب الإطراب الفعلي في الجملة لا بالجملة بناء على هذا التعريف قد يغني المغني ولا يطرب أحد إلا هو أو قد يغني المغني ولا يطرب أي أحد إلا شخص لم يلتفت إليه فقد يقال هنا إن عنوان الطرب لم يتحقق غير ظاهر لعل خلو بعض المصاديق من حصول الطرب مع أن المفهوم منه عرفا أنه مجلس غناء أحيانا يأتون بمغني الناس يضحكون من طريقته ما يطربهم يضحكون عليه لكن ربما واحد يطرب فعرفا هذا مجلس غناء وإن لم يحصل الطرب من هنا أضاف الشهيد الثاني قيدا آخر على تعريف المشهور، ما هو تعريف المشهور؟ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أحيانا ترجيع غير مطرب بالفعل فأضاف هكذا الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو الذي يعد غناء عرفا أضاف هذا القيد.

وتبع الشهيد الثاني المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة فقالا إن الغناء هو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمى في العرف غناء يعني ربما ترجيع مطرب ما موجود ولكن في العرف يسمى غناء ولو وجود هذا المحذور وهو إن بعض الغناء قد لا يطرب فعلا يعني لا يطرب أغلب الأفراد لعله التزم المحقق السيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة بالتفريق بين الإطراب الوارد في تعريفات الفقهاء وبين نفس الطرب الوارد في كلمات اللغويين إذ أن الجوهري في الصحاح عرف الطرب بأنه خفة فقال السيد جواد العاملي فرق كبير بين الطرب اللغوي الذي هو الخفة وبين الإطراب والتطريب الشرعي الذي ليس فيه خفة فقال إن الإطراب والتطريب ليس بمعنى الخفة بينما الطرب هو بمعنى الخفة وأما الإطراب والتطريب هو الصوت المناسب لمجالس أهل اللهو والفسوق يعني ما كان في العرف يصدق عليه أنه غناء وإن لم تحصل فيه خفة ورد على الشيخ فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين الذي قد يظهر من كلامه الاتحاد بين معنى الإطراب والتطريب وبين معنى الطرب فقال إن الشيخ فخر الدين الطريحي قد اشتبه في جعل الإطراب والتطريب بمعنى الطرب الذي قال به أهل اللغة وإذا رجعنا إلى مجمع البحرين لا نجد ما يدل على الاتحاد هذا أولا وثانيا سيأتي من الشيخ الأنصاري "رحمه الله" أن الإطراب والتطريب والطرب بمعنى واحد لكن أحيانا تنظر إلى السبب وأحيانا تنظر إلى المسبب تنظر إلى السبب وهو الفعل فتقول إطراب تطريب، إطراب وتطريب يعني إيجاد الطرب يعني إيجاد الخفة فلفظ إطراب وتطريب ناظر إلى فعل الإنسان ولفظ طرب ناظر إلى نتيجة فعل الإنسان وبعبارة أخرى تارة تكون الصفة صفة للفعل وتارة تكون الصفة صفة للصوت فالطرب صفة للصوت تقول صوت مطرب والإطراب والتطريب صفة للفعل تقول قام الإنسان بالتطريب والإطراب فعل هذا الشخص يوجب الإطراب والتطريب فلفظ إطراب وتطريب صفة لفعل الإنسان وصفة الطرب صفة للصوت إذن إما أن ننظر إلى السبب وهو الفعل وإما أن ننظر إلى المسبب وهو الصوت، الإطراب والتطريب صفة للسبب صفة للعلة وهو فعل الإنسان تقول فعل فيه تطريب فعل يوجب الإطراب وإما أن تنظر إلى المعلول أو المسبب وهو الطرب وهو الصوت فتقول صوت مطرب يعني صوت فيه خفة فهنا من ناحية الصيغة يوجد فرق بين صيغة طرب وإطراب وتطريب هذه الصيغ الثلاث فيها فرق لكن معنى الطرب واحد وهو الخفة التي تعتري الإنسان.

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" ثم إن المراد بالطرب ما كان مطربا في الجملة يعني ولو في بعض الموارد، لا بالجملة هذا القسم الأول الذي جعلناه قسم ثالث، ثم إن المراد بالطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة إلى المغني أو المستمع يعني يكفي المغني أو المستمع.

القسم الثاني أو ما كان من شأنه يعني أو الصوت الذي كان من شأنه الإطراب ومقتضيا له يعني متطلبا له ـ للإطراب ـ لو لم يمنع عنه ـ عن الإطراب ـ مانع هذا المانع من جهة قبح صوت المغني أو غير قبح الصوت كغرض المستمع أو أن فيه حالة نفسية أو وجود أصوات أخرى من الخارج تغلب على صوت المغني أو المستمع أصوات مزعجة.

القسم الثالث وأما لو اعتبر الإطراب فعلا خصوصا بالنسبة إلى كل أحد يعني الإطراب بالجملة وأما لو اعتبر واشترط الإطراب فعلا يعني بالجملة أي خصوصا بالنسبة إلى كل أحد وخصوصا بمعنى الخفة لشدة السرور أو الحزن يعني إذا أخذنا هذا في التعريف الإطراب بالفعل يعني لكل أحد وأن تحصل خفة لكل أحد يلزم أنه ما يصير عندنا غناء لأن بعض الناس لو يسمع ما يطرب فيشكل بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه ـ عن الطرب ـ عن الخفة لشدة سرور أو حزن وكأن هذا يعني هذا الإشكال وهو خلو أكثر ما هو غناء عرفا عن الخفة لشدة سرور أو حزن هو الذي دعا الشهيد الثاني إلى أن زاد في الروضة والمسالك ـ في كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ومسالك الافهام في شرح شرائع الإسلام ـ بعد تعريف المشهور زاد قوله أو ما يسمى في العرف غناء[11] ، ما هو تعريف المشهور؟ ورد صفحة 291 مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أضاف أو ما يسمى في العرف غناء لأنه قد يأتي صوت ليس فيه أي طرب.

وتبعه يعني وتبع الشهيد الثاني في مجمع الفائدة[12] يعني المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان وغيره [13] غير مجمع الفائدة الشيخ يوسف البحراني في الحدائق ولعل هذا أيضا يقول لعل هذا السبب يعني الإشكال بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عن الإطراب فعلا دعا صاحب مفتاح الكرامة السيد محمد جواد العاملي إلى زعم، من قول إلى زعم واضح أن الشيخ الأنصاري لا يرى وجود فرق بين الإطراب وبين الطرب، إلى زعم أن الإطراب في تعريف الغناء غير الطرب يعني عند الفقهاء، يعني عند أهل اللغة هذا الطرب المفسر في الصحاح للجوهري بخفة لشدة سرور أو حزن وإن توهمه يعني وإن توهم الإتحاد بين الإطراب والطرب، صاحب مجمع البحرين فخر الدين الطريحي وغيره في حاشية الشهيدي طبعا يمكن مراجعة مجمع البحرين الجزء الثاني صفحة 109.

في حاشية الشهيدي صفحة 68 كفاية الطالب النسخة الحجرية يقول قضية الإتيان بـ إن الوصلية والتعبير بالتوهم مخالفة قضية يعني مقتضى الإتيان بـ إن، ومقتضى التعبير بالتوهم أن الشيخ الطريحي خالف المغايرة يعني مخالفة الطريحي فيما ذكره من المغايرة يعني دعوى الاتحاد حيث إن هذا التعبير لا يكون إلا في مقام ذكر المخالف وعليه يكون مرجع الضمير المفعول في توهمه الاتحاد المدلول عليه بالكلام السابق ولكن لا يخفى عليك أنه ليس في المجمع ما يدل على الاتحاد وعدم المغايرة انتهى كلام الميرزا فتّاح الشهيدي.

واستشهد على ذلك صاحب مفتاح الكرامة، استشهد على ذلك يعني على الفرق بين الإطراب والتطريب ذكر ثلاثة شواهد إذا نأتي إلى تعريف الطرب نجد الجوهري ينص على أنه الخفة لكن إذا نأتي إلى تعريف الإطراب والتطريب في ثلاثة من كتب اللغة وهي الصحاح والمصباح المنير للفيومي والقاموس المحيط للفيروز آبادي نجد أن هؤلاء الثلاثة في تعريف الإطراب لا يذكرون قيد الخفة مما يعني أن الإطراب غير الطرب هذا شاهد المحقق صاحب مفتاح الكرامة.

قال واستشهد يعني صاحب مفتاح الكراهة، واستشهد على ذلك يعني على وجود فرق ومغايرة بين الإطراب والطرب على ذلك بما في الصحاح من أن التطريب في الصوت مده وتحسينه[14] إذن نفس صاحب الصحاح في تعريف الطرب قال خفة تعتري الإنسان لشدة فرح أو سرور لكن في تعريف التطريب لم يذكر قيد الخفة قال التطريب في الصوت مده وتحسينه ولم يذكر قيد الخفة هذا الشاهد الأول من الصحاح.

الشاهد الثاني وما عن المصباح يعني واستشهد على ذلك بما عن المصباح المنير للفيومي من أن طرّب في صوته مده ورجعه[15] من دون أن يذكر قيد الخفة.

الشاهد الثالث وفي القاموس يعني واستشهد على ذلك بما في القاموس المحيط الغناء ككساء يعني على وزن كساء من الصوت ما طرّب به وأن التطريب الإطراب كالتطرب والتغني[16] من دون أن يذكر قيد الخفة.

قال "رحمه الله" ـ صاحب مفتاح الكرامة ـ الجزء الرابع صفحة 50 السيد محمد جواد العاملي هذا نص كلامه فتحصل من ذلك ـ من ذكر ـ تعريف المصباح والصحاح والقاموس للتطريب وذكر تعريف المصباح للطرب فتحصل من ذلك يعني النتيجة من هذه التعاريف أن المراد بالتطريب والإطراب غير الطرب الذي ورد في التعريف الصحاح للجوهري غير الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن أو سرور كما توهمه يعني الاتحاد يعني كما توهم وحدة معنى الإطراب والطرب صاحب مجمع البحرين وغيره من أصحابنا فكأنه قال في القاموس ـ الفيروز آبادي ـ الغناء من الصوت ما مد وحسن ورجّع إذن ذكر ثلاث صفات الصفة الأولى مد الصفة الثانية حسّن الصفة الثالثة رجّع في تعريف المشهور ذكر قيدين ذكر المد والترجيع لم يذكر التحسين.

لاحظ تعريف المشهور صفحة 291 مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ورد عنوان المد وعنوان الترجيع ما ورد عنوان التحسين يقول لا بأس يقول التحسين ملزوم والترجيع لازم لا منافاة يقول هنا في ذكر التحسين في القاموس اللغوي قاموس المحيط ذكر الملزوم وهو التحسين وذكر أيضا اللازم وهو الترجيع في تعريف القوم ذكر إذن عندنا لازم وملزوم ما هو الملزوم؟ التحسين التطريب إذن التطريب هذا ملزوم هذا التحسين والتطريب يلزم منه مد الصوت يلزم منه ترجيع الصوت.

فكأنه قال في القاموس الغناء من الصوت ما مد هذا واحد وحسن اثنين ورجع ثلاثة فانطبق على المشهور يعني فانطبق تعريف القاموس على تعريف المشهور ـ مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ـ إذ الترجيع هذا الترجيع الوارد في كلام المشهور وفي كلام القاموس أيضا إذ الترجيع الذي هو لازم تقارب ضربات حركات الصوت والنفس يعني تتابع النفس وتتابع الصوت فكان لازما يعني فكان الترجيع لازما للإطراب والتطريب يعني للتحسين إذن الإطراب والتطريب ملزوم والترجيع لازما والتطريب الذي هو التحسين غير الطرب الذي هو الخفة إذن النتيجة النهائية قال صاحب مفتاح الكرامة إن الإطراب والتطريب يعود إلى التحسين وهو ملزوم وله لازم وهو الترجيع وهذا اللازم والملزوم التحسين الذي هو ملزوم وهو التطريب والترجيع الذي هو لازم يتغايران اللازم والملزوم مع الطرب الذي هو الخفة انتهى كلامه "رحمه الله" .[17]

الشيخ الأنصاري يقول أنت من قولك إن التطريب هو ملزوم بمعنى تحسين يعني هذه صفة أخذت بلحاظ فعل الإنسان وأما الطرب بمعنى أن الصوت مطرب فيه خفة هذه صفة للصوت وقد استخدم معنى الطرب في الطرب والإطراب والتطريب بمعنى واحد وهو ما يوجب الخفة ـ خفة التي تعتري الإنسان ـ انتهى كلامه "رحمه الله".

إلى هنا تم تقرير كلام صاحب مفتاح الكرامة يناقشه الشيخ الأنصاري بأربع مناقشات وفيه يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo