< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الواحد والتسعون: كلام الكاشاني والسبزواري في جواز الغناء في نفسه

 

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" والمحكي من كلامه في الوافي إنه بعد حكاية الأخبار التي ياتي بعضها. [1]

 

خلاصة درس الأمس

كان الكلام في حرمة الغناء وبعد أن استدل الشيخ الأنصاري "رحمه الله" على حرمة الغناء وناقش صاحب مفتاح الكرامة بأربع مناقشات خلص إلى هذه النتيجة في تعريف الغناء أنه الصوت اللهوي المناسب لمجالس أهل الفسوق والعصيان فالغناء ناظر إلى الكيفية اللهوية الباطلة

ويشترط في الغناء المحرم شرطين:

الشرط الأول أن يكون الصوت لهويا

الشرط الثاني أن يكون مناسبا لمجالس أهل اللهو والفسوق والعصيان

فالغناء الذي يتوفر على هاتين الخصيصتين حرام مطلقا إلا موارد خاصة كما سيأتي كغناء المرأة في الأعراس لشروط ثلاثة كعدم دخول الرجال عليهن وعدم استعمال آلات اللهو وعدم اسماع الأجنبي لأصواتهن.

الشبهات فی الغناء

ثم بعد ذلك يقول الشيخ الأنصاري عرضت بعض الشبهات على البعض في الأزمنة المتأخرة وهذه الشبهات على ثلاثة أقسام:

القسم الأول الشبهة في الحكم بحيث أن بعضهم قد نسب إليه أنه قد أنكر حرمة الغناء وقال إن الغناء بما هو هو ليس بحرام إلا إذا تضمن المحرم فيحرم لتضمن المحرم كاستعمال آلات اللهو أو الاتيان بالكلام الباطل أو دخول النساء على الرجال.

القسم الثاني الاشتباه في الموضوع وبعضهم قد التبس عليه مفهوم الغناء والموضوع المحرم من الغناء.

القسم الثالث من اشتبه عليه بعض اقسام الغناء فهل الغناء يشمل بعض الأقسام أو لا.

 

درس الیوم

اليوم نشرع في بيان القسم الأول من أقسام الشبهة ويتطرق فيه الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى كلام الفيض الكاشاني في الوافي وكلام المحقق السبزواري في كفاية الأحكام وسنقرأ كلامهما مطولا، خلاصة ما قد يستفاد من كلامهما أن الغناء بما هو هو ليس حراما وإنما الغناء يحرم إذا طرأ عليه المحرم كما لو استخدم في الغناء آلات اللهو والمجنون أو جيء في هذا الغناء بكلام باطل أو دخل النساء على الرجال إذن هذان العلمان قد ينسب إليهما القول بعدم حرمة مطلق الغناء فالحرمة على الغناء إنما هي طارئة وتطرأ عليه لطروء بعض العناوين المحرمة.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بعد مناقشتهما يقول لعل الأولى حمل كلامهما على الاشتباه في الموضوع لا الحكم بمعنى أنهما يريان أن الغناء بمعنى التحسين ـ تحسين الصوت ـ فقد مضى في الدرس السابق أن صاحب مفتاح الكرامة فرّق بين الاطراب والتطريب وبين الطرب فقال إن الطرب عبارة عن الخفة التي تعتري الإنسان لشدة حزن أو سرور بينما التطريب هو عبارة عن أحد أمور ثلاثة التحسين أو المد أو الترجيع

حمل کلام الفیض والسبزواری

فلعله يمكن حمل كلام الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري "رحمة الله عليهما" على القول بأن الغناء بمعنى التحسين ـ تحسين الصوت ـ من هنا يقال من قال إن تحسين الصوت حرام ومن قال إن مد الصوت حرام ومن قال إن مجرد وجود الترجيع في الصوت وتكراره حرام نعم مد الصوت أو ترجيعه أو تحسين إذا اعتراه شيء محرم حرم فيكون كلام الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري على القاعدة لكن الشيخ الأنصاري يقول لو حملنا كلامهما على المحمل الأول كما يظهر من بعض عبائرهما وهو إن الغناء حتى بمعنى الغناء الذي ذهب إليه المشهور مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب هذا الغناء حلال ولا يحرم إلا بوجود عناوين محرمة والسر حمل كلامهما على هذا المعنى أنهما نظرا إلى قضية خارجية فقالا إن روايات تحريم الغناء ناظرة إلى الغناء السائد أيام بني أمية وبني العباس والغناء السائد أيام الخلفاء كان محرما لوجود العناوين المحرمة كدخول النساء على الرجال أو استعمال آلات اللهو والطرب أو استعمال الكلام الباطل فحملا هذه الروايات على ملاحظة الغناء خارجا في تلك الأيام والغناء خارجا في تلك الأيام يحرم لوجود أحد العناوين المحرمة فإذا حملنا كلامهما على أنهما يريان أن الغناء حلال وجائز وإنما يحرم لطرؤ عنوان المحرم كدخول النساء على الرجال في هذه الحالة نقول الحق والإنصاف إن كلامهما ليس تاما لأنه يستفاد من الروايات إن نفس الغناء بنفسه بعنوانه حرام لا أن الحرمة تطرأ من الأمور التي تطرأ على الغناء.

في البداية نقرأ كلام الفيض الكاشاني في الوافي ثم يعلق الشيخ الأنصاري ويقول لولا استشهاد الفيض الكاشاني برواية ليست بالتي يدخل عليها الرجال لكان كلام الفيض الكاشاني موافقا لكلامنا وهو أن الغناء حرام لأنه لهوي ومناسب لمجالس أهل اللهو والفسوق والعصيان هذا هو مبنى الشيخ الأنصاري الغناء حرام إذا اشتمل على أمرين الأمر الأول اللهو الأمر الثاني مناسبة مجالس أهل الفسوق والعصيان لكن الاستشهاد بهذه الرواية ليست بالتي يدخل عليها الرجال وهذا ناظر إلى المغنية لأن المغنية تغني في الأعراس فإما تدخل الرجال وإما تغني في الأعراس من دون رجال يقول هذا الشاهد هو يجعل حمل كلام الفيض الكاشاني على التفصيل أمرا واضحا وهو أنه الغناء بنفسه يعني غناء المغنية بنفسه ليس حراما لكنه حرم من جهة دخول النساء على الرجال.

 

تطبیق المتن

قال الشيخ الإنصاري والمحكي من كلامه في الوافي طبعا قال والمحكي وإذا ترجع إلى كلام الوافي وخصوصا إذا ترجع إلى كلام المحقق السبزواري في كفاية الأحكام تجد تفاوتا كبيرا بين ما في كفاية الأحكام وما نقله الشيخ الأعظم الأنصاري عنه.

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" والمحكي من كلامه ـ الفيض الكاشاني ـ في الوافي أنه بعد حكاية الأخبار التي يأتي بعضها سيتطرق إليها الشيخ الأنصاري "رحمه الله" صفحة 304 منها ومنها أذكر اربع روايات قال الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء وما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على النحو المتعارف في زمن الخلفاء يعني الغناء المحرم ما كان متعارفا في بعض النسخ في زمن بني امية وبني العباس في بعض النسخ المعهود المتعارف يبين العناوين المحرمة التي كانت تكتنف مجالس الغناء آنذاك العنوان الأول من دخول الرجال عليهن العنوان الثاني وتكلمهن بالباطل تكلم النساء المغنيات بالباطل، العنوان الثالث ولعبهن بالملاهي يعني بآلات اللهو من العيدان جمع عود والقصب وغيرهما كالطبل وغيره دون ما سوى ذلك ـ ما كان على النحو المتعارف في زمن الخلفاء ـ من أنواعه يعني من أنواع الغناء، الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء بما كان على النحو المتعارف في زمن الخلفاء دون ما سوى ذلك من أنواعه يعني ما سوى النحو المتعارف زمن الخلفاء من أنواعه يعني من أنواع الغناء كما يشعر به قوله "عليه السلام" يعني كما يشعر بالغناء المحرم، ليست بالتي يدخل عليها الرجال[2] ، إذن كما يشعر به يعني كما يشعر بذلك يعني الغناء الذي كان على النحو المتعارف في زمن الخلفاء يشير إلى قوله "عليه السلام" ليست بالتي يدخل عليها الرجال إلى أن قال وعلى هذا يعني إن الغناء المحرم ما كان متعارفا في زمن الخلفاء فلا بأس بالتغني يعني يجوز التغني في المصدر بسماع الأغاني فلا بأس بسماع الأغاني في الوافي بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار ـ الجنة ـ ووصف نعم الله الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات ونحو ذلك من كلام الزهد والحكم والعبر كما أشير إليه في حديث الفقيه كتاب من لا يحضره الفقيه الحديث المروي عن الإمام السجاد بقوله فذكرتك الجنة[3] وذلك لأن هذا كله ذكر الله وربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر يعني هذا أولا ليس حديثا لهويا ثانيا ليس مناسبا لمجالس اهل اللهو والفسوق بل هذا أولا ذكر حسن ذكر الله ثانيا مناسب لمجالس ذكر الله وبالجملة فلا يخفى على أهل الحجی بعد سماع هذه الأخبار تمييز حق الغناء عن باطله.

حق الغناء يعني الغناء الحق يعني الجائز عن باطله يعني عن الغناء الباطل إذن يفرق بين قسمين غناء حق وغناء باطل هذا موافق لكلام الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يعني هناك غناء ليس بحرام كما لو مد الصوت أو حسنه أو رجعه من دون طرب فإنه يكون جائزا حتى لو كان في العرف غناء لكن ما دام ليس لهويا أولا وليس مناسبا لمجالس أهل اللهو والفسوق والعصيان ثانيا صار جائزا وأن أكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل انتهى كلامه زيد في علو مقامه، الوافي جزء 17 من صفحة 218 إلى 223.[4]

الشيخ الأنصاري يعلق يقول هذا كلامه موافق لكلامنا الغناء المحرم ما كان لهويا أولا وكان مناسبا لمجالس أهل اللهو والفسوق والعصيان ثانيا وليس فيه ما يدل على أن الغناء بما هو هو جائز لكنه يحرم باكتنافه بما هو محرم إلا شاهد ليست بالتي يدخل عليها الرجال.

يعلق الشيخ الأنصاري أقول لو لا استشهاده ـ الفيض الكاشاني ـ بقوله ـ قول الإمام "عليه السلام" ـ ليست بالتي يدخل عليها الرجال[5] أمكن بلا تكلف تطبيق كلامه ـ الفيض الكاشاني ـ على ما ذكرناه يعني على ما توصل إليه الشيخ الأنصاري من أن الغناء حرام، ما هو الغناء الحرام؟ قال من أن المحرم من الغناء هو الصوت اللهوي هذا القيد الأول لهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي والتكلم بالأباطيل ودخول الرجال على النساء هذا القيد الثاني يعني مناسب لمجالس أهل اللهو والفسوق لحظ السمع يعني لكي يأخذ السمع والبصر حظه ونصيبه، لحظ السمع يعني لكي يأخذ السمع والبصر حظه من شهوة الزنا دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر أمور الآخرة وينسي شهوات الدنيا فهذا ليس بمحرم لو قلنا إن الغناء هو الصوت الحسن، إلا أن استشهاده ـ الفيض الكاشاني ـ بالرواية ليست بالتي يدخل عليها الرجال[6] ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه تارة نفصل في أفراد الغناء من حيث نفسه هذا الصوت الحسن الجميل بنفسه هذا الصوت إن كان لهويا ومناسبا لمجالس أهل الفسوق فهو حرام وإن لم يكن لهويا وليس مناسبا لمجالس أهل الفسوق فهو حلال هذا تقسيم بلحاظ نفس الصوت نفس الغناء ولكن كلام الفيض الكاشاني التقسيم بلحاظ ما هو داخل على الغناء كعنوان ادخال النساء على الرجال أو استعمال آلات اللهو.

ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء هذا التفصيل ليس من حيث نفس الغناء فإن صوت المغنية يريد أن يقول هكذا صوت المغنية بقطع النظر عن الدليل الخاص، صوت المغنية التي تزف العرائس بالعنوان الأولي بما هو هو حرام لأن اسمها مغنية يعني تلهي ما دام هذا صوت لهوي حرام التزمنا بجوازه بالتخصيص يعني لورود الدليل الخاص لولا ورود الدليل الخاص على أن غناء المغنية في الأعراس جائز إذا لم يدخل النساء على الرجال ولم يستعملن أدوات الحرام ولم يتكلمن بالباطل لو لم يدل الدليل على ذلك لقلنا بحرمة كلام المغنية في الأعراس.

يقول فإن صوت المغنية التي تزف العرائس على سبيل اللهو لا محاله وإلا ما تصير مغنية ولذا يعني ولأن صوت المغنية على سبيل اللهو لو قلنا بإباحته يعني بإباحت غناء صوت المغنية في العرائس فيما يأتي كما سيأتي كنا قد خصصناه بالدليل يعني كنا قد خصصنا حرمة غناء المغنية وقلنا بجوازه بالدليل يعني بسبب ورود الدليل هذا تمام الكلام في القائل الأول الذي نسب إليه أن الغناء بما هو ليس بحرام وإنما يحرم من جهة طروء المحرم.

القائل الثاني الذي نسب إليه هو المحقق السبزواري في كفاية الأحكام

ونسب القول المذكور يعني إن الغناء بنفسه ليس بحرام وإنما يحرم من جهة وجود آلات الغناء أو غيرها من العناوين المحرمة ونسب القول المذكور إلى صاحب الكفاية أيضا يعني كما نسب إلى الفيض الكاشاني، والموجود فيها ـ في كفاية الأحكام ـ بعد ذكر الأخبار المتخالفة جوازا ومنعا يعني ذكر الأخبار المخالفة التي بينها خلاف بعضها تجوز وبعضها يحرم في القرآن وغيره يعني بعض الروايات تتكلم عن التغني في القرآن وبعضها تتكلم عن التغني في غير القرآن أن الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين:

الوجه الأول نخصص الأخبار التي تمنع بما عدى القرآن يعني ما عدا القرآن يحرم التغني به وأما الروايات التي دلت على حرمة التغني بالقرآن نحملها على أنه المراد بها التلهي بالقرآن لا مجرد قراءة القرآن.

الوجه الثاني حمل الأخبار المانعة على الشايع في ذلك الزمان وهذا نفس كلام الفيض الكاشاني "رحمه الله".

إن الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين أحدهما تخصيص تلك الأخبار الواردة المانعة نخصصها بما عدى القرآن يعني بالكلام غير القرآني وحمل ما يدل على ذم التغني بالقرآن على قراءة تكون على سبيل اللهو كما يصنعه الفسّاق في غنائهم ويؤيده ـ يؤيد هذا الحمل ـ رواية عبد الله بن سنان المذكورة اقرأوا القرآن بالحان العرب وإياكم ولحوم أهل الفسوق والكبائر وسيجيء من بعدي اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء [7] إذن لم تنهى عن مطلق الترجيع وإنما نهت عن تكرار الكلام وتكرار الصوت وترجيعه كما يرجع الغناء أيضا القرآن يرجع فيه.

وثانيهما أن يقال وحاصل ما قال حمل الأخبار المانعة على الفرد الشايع من الغناء في ذلك الزمان قال ـ المحقق السبزواري ـ والشايع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو إذا استغناء على سبيل اللهو هذا موافق للشيخ الأنصاري، من الجواري وغيرهن في مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلم بالباطل واسماعهن الرجال فحمل المفرد المعرف يعني لفظ الغناء، غناء لفظ مفرد ومعرّف بألف ولام الغناء فحمل المفرد المعرف أي لفظ الغناء على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد يعني الغناء المحرم أيام الخلفاء.

ثم ذكر رواية علي بن جعفر الآتية سيذكر أربع روايات قد يستدل منها على التفصيل الذي ذكره الفيض الكاشاني والسبزواري، ثم ذكر رواية علي بن جعفر الآتية ستأتي صفحة 304 ورواية أقرأوا القرآن المتقدمة الآن قد تقدمت رواية عبد الله بن سنان، وقوله ليست بالتي يدخل عليها الرجال، هذه كلها شواهد على التفصيل الذي ذكره، مؤيدا لهذا الحمل أن الغناء المحرم هو ما كان شائعا أيام الخلفاء من اشتماله على الملاهي والدفوف ودخول الرجال على النساء والتكلم بالباطل.

قال ـ المحقق السبزواري ـ إن فيه إشعارا بأن منشأ المنع في الغناء هو بعض الأمور المحرمة إذن قال فيه إشعار لم يقل ظهور قد لا يرقى لمستوى الحجية، المقترنة به ـ بالغناء ـ كالإلتهاء وغيره كالإلتهاء هذا يصير موافق لكلام الشيخ الأنصاري فمن هذه العبارة كالإلتهاء قد يفهم أن مراده من الغناء تحسين الصوت، تحسين الصوت جائز، تحسين الصوت إذا اقترن بالإلتهاء صار محرما فيصير الخلاف موضوعي وليس حكميا، وغيره ـ غير الالتهاء الذي هو مثل الدفوف وآلات اللهو يصير هنا مخالف للشيخ الأنصاري ـ إلى أن قال إن في عدة من أخبار المنع عن الغناء إشعارا بكونه لهوا باطلا هذا كلامه موافق للشيخ الأنصاري وصدق ذلك في القرآن والدعوات والأذكار المقروءة بالأصوات الطيبة المذكرة المهيجة للأشواق إلى العالم الأعلى محل تأمل وصدق ذلك يعني اللهو والباطل ما يصدق على قراءة القرآن والأدعية بنحو فيه خشوع محل تأمل إذن من كلامه هذا يظهر أنه يريد القراءة الحسنة الصوت الحسن.

ثم بعد ذلك يتطرق إلى التعارض بين أخبار الغناء وبين الأخبار المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن والأدعية يقول النسبة بينهما عموم والخصوص من وجه أين يلتقيان؟ في التغني بالقرآن يصدق عليه غناء ويصدق عليه أنه قرآن أين يفترقان؟ في الغناء اللهوي في غير القرآن يفترق الغناء وأين تفترق قراءة القرآن من الغناء؟ في ترتيل القرآن بشكل خاشع مذكر لله من دون تغني فتفترق قراءة القرآن عنه.

قال على أن التعارض واقع بين أولا أخبار الغناء ثانيا وبين الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن والأدعية والأذكار مع عمومها لغة يعني عموم الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن، كيف عموم؟ قراءة القرآن مفهوم عام يشمل التغني بالقرآن ويشمل القراءة من دون تغني فقراءة القرآن عنوان عام يشمل التغني يريد أن يقول هناك ثلاثة مرجحات لتقديم روايات قراءة القرآن:

المرجح الاول عمومها لغة روايات فضل قراءة القرآن عامة

المرجح الثاني وكثرتها هي أكثر متواترة

المرجح الثالث وموافقتها للأصل أصالة الإباحة، الأصل أنه يباح له يجوز له أن يقرأ القرآن وأن يتغنى به.

والنسبة بين الموضوعين عموم من وجه الموضوع الأول الغناء والموضوع الثاني قراءة القرآن فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما كالاقتران بالكلام الباطل أو دخول النساء على الرجال.

إلى هنا يقول هكذا دل الدليل على حرمة الغناء مع الاقتران ماذا تقول في حرمة الغناء من دون اقتران؟ يعني صوت حسن لكن لم يقترن بالملاهي لم يقترن باللهو لم يقترن بهذه الأمور يقول هذا إن قام اجماع على حرمته فهو حرام وإن لم يقم الإجماع على حرمته بقي على أصالة الإباحة وبعبارة أخرى أصالة الإباحة تشمل جميع أنواع الغناء والأصل أصيل حيث لا دليل وقد قام الدليل على حرمة الغناء المشتمل على آلات اللهو والمقترن بالحرام ولم يقم الدليل على حرمة الغناء غير المقترن فإن قام إجماع على حرمة الغناء غير المقترن قلنا بحرمته وإن لم يثبت الإجماع بقي الغناء غير المقترن على أصالة الإباحة لذلك يقول ثم إن ثبت إجماع يعني اجماع على الحرمة في غيره يعني في غير الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما فهو يعني قلنا بالحرمة للإجماع وإلا يعني إن لم يثبت إجماع على حرمة الغناء غير المقترن بقي حكمه ـ حكم الغناء غير المقترن ـ على الإباحة فيكون جائز وطريق الاحتياط واضح[8] ، ما هو طريق الاحتياط؟ الاجتناب هذا هو مقتضى الاحتياط.

الشيخ الأنصاري يقول إذا رجعنا إلى الأدلة من روايات وفتاوى واضح أن الصوت الحسن بما هو هو ليس حراما نعم الصوت الحسن إذا اشتمل على أمرين أولا كان لهويا ثانيا كان مناسبا لألحان أهل الفسوق والعصيان صار حراما إذن الغناء بنفسه حرام لا أن الغناء بنفسه حلال ولا يحرم إلا بدخول أدوات الغناء أو دخول الرجال على النساء.

قال الشيخ الأنصاري أقول لا يخفى أن الغناء على ما استفدنا من الأخبار هذا الدليل الأول، الثاني بل فتوى الأصحاب وقول أهل اللغة هو من الملاهي إذن ليس الصوت الحسن هو الغناء الصوت اللهوي هو الغناء، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار وقد تقدم التصريح بذلك في رواية الأعمش، التصريح في ذلك في قوله المستهتر بالسماع، وقد تقدم التصريح بذلك أن الغناء من اللهو في رواية الأعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج الغناء في حرمته إلى أن يقترن بالمحرمات الأخر كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري نعم الآن يستدرك يقول لو كان المراد من الغناء هو مطلق الصوت الحسن نعم هو بنفسه جائز يحرم لطروء الأمور المحرمة كآلات اللهو، نعم لو كان فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب وهو قول السيد محمد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة الذي فرق بين التطريب فقال هو بمعنى المد والتحسين والترجيع وفرق بين الطرب الذي هو الخفة توجه ما ذكراه ـ ما ذكره الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري ـ يعني من أن الغناء بنفسه حلال لأن الصوت الحسن حلال يحرم من جهة العناوين المحرمة الأخرى. بل لا أظن أحدا يفتي باطلاق حرمة الصوت الحسن

والأخبار بمدح الصوت الحسن وأنه من أجمل الجمال واستحباب القراءة والدعاء به هذا في الحاشية رقم 2 صفحة 303 قد أورد الكليني هذه الروايات يعني في الروايات أن الأئمة كانوا يقرأون بصوت حسن لكن لم نقف على خبر يدل على استحباب الدعاء بالصوت الحسن، واستحباب القراءة والدعاء به ـ بالصوت الحسن ـ وأنه ـ الصوت الحسن ـ حلية القرآن واتصاف الأنبياء والأئمة "صلوات الله عليهم" به يعني بالصوت الحسن، في غاية الكثرة هذه الروايات مروية في الكافي الجزء الثاني صفحة 614 و616 باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن وأيضا في الوسائل باب 24 من أبواب قراءة القرآن وقد جمعها في الكفاية المحقق السبزواري بعد ما ذكر أن غير واحد من الأخبار يدل على جواز الغناء في القرآن بل استحبابه، هنا ليس المراد الغناء يعني الغناء بمعنى الترتيل بل استحبابه بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت والتحزين والترجيع به والظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة، الغناء بمعنى مد الصوت تحسين الصوت، وغيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا[9] ، كفاية الأحكام صفحة 85 الطبعة الحجرية.

وقد صرح ـ المحقق السبزواري ـ في شرح قوله "عليه السلام" (أقرأوا القرآن بألحان العرب أن اللحن هو الغناء)[10] الحاشية رقم 4 لم نجد التصريح بذلك في كفاية الأحكام فراجع ويحتمل بعيدا قراءة صرح بصيغة المجهول يعني وقد صرح واضح أنه قد صرح هو مبني للمعلوم، وبالجملة نسبة الخلاف إليه ما في الحكم بعيد بل نسبة الخلاف إليهما في معنى الغناء موضوع الغناء هو الأقرب.

قال وبالجملة فنسبة الخلاف إليه ـ المحقق السبزواري ـ في معنى الغناء أولى من نسبة التفصيل إليه في معنى الغناء يعني في موضوع الغناء، يعني أن يكون مراده من الغناء تحسين الصوت، أولى من نسبة التفصيل إليه في أن الغناء بنفسه حلال ويحرم إذا اكتنف بمحرم بل ظاهر أكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك يعني أن الخلاف في معنى الغناء لا في حكم الغناء لأنه ـ المحدث الكاشاني ـ في مقام نفي التحريم عن الصوت الحسن المذكر لأمور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا إذن كلامه هو عن الصوت الحسن.

ثم يستدرك يقول بعض كلماتهما تأبى بعض كلماتهما ظاهرة في التفصيل، نعم بعض كلماتهما الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري ظاهرة فيما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل قولا يعني ليس تفصيلا في الصوت الحسن، الصوت الحسن بما هو هو حلال إذا عرضت عليه أمور محرمة صار حراما ليس هذا بل قولا بإطلاق جواز الغناء وأنه لا حرمة فيه ـ في الغناء ـ أصلا يعني الغناء بما هو هو حلال حتى اللهوي منه وإنما الحرام ما يقترن به ـ الغناء ـ من المحرمات فهو على تقدير وفرض صدق نسبته هذا القول إليهما المحقق السبزواري والفيض الكاشاني في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الإطلاقات يعني لا يوجد له شاهد حتى يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها، ما هي هذه الاطلاقات؟ الغناء حرام مطلقا سواء اقترن بآلات الغناء أو لا، عندنا روايات مطلقة الغناء حرام دخل فيه الرجال على النساء أو لا، أكتنف بمحرم كالكلام الباطل أو دخول الرجال على النساء أو لا روايات مطلقة، لتقييد هذه الاطلاقات تحتاج إلى شاهد على التقييد والشاهد مفقود.

في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها إلا بعض الروايات التي ذكراها[11] ، وهنا العجب العجاب حاشية رقم واحد ليس في النسخة التي بأيدينا من كفاية الأحكام وهي النسخة الحجرية أثر من الروايات التالية، الروايات الاربعمائة موجودة ولم نقف عليها في الوافي أيضا في أبواب وجوبه المكاسب، أول رواية منها ما عن الحميري بسند لم ؟؟؟ في الكفاية الحاقه بالصحاح في حاشية رقم 2 لم تذكر هذه الرواية في كفاية الأحكام فضلا عن الكلام في سندها.

وهناك كلام سنصل إليه وهو كلام للشهيدي "رحمة الله عليه" الشهيدي يقول ينبغي إذا سمعت الكلام أن ترجع إليه، الحاشية رقم واحد صفحة 302 كفاية الأحكام صفحة 86 هذا لما نقل الشيخ الأنصاري كلام المحقق السبزواري مع اختلاف كثير إذا ترجع إلى أصل كلام السبزواري وما نقله الشيخ الأنصاري تفاوت كبير.

قال الشهيد في الشرح صفحة 71 يعني في كفاية الطالب في شرح المكاسب، ينبغي نقل عبارة كفاية الأحكام بعين ألفاظها كي ترى أن المصنف كيف غيّر في النقل فحصل من جهته المصنف ـ الشيخ الأنصاري ـ ما تراه من الإغلاق والاضطراب يعني عبارة السبزواري سلسلة، حتى لا تغتر في المنقول بعظم شأن الناقل بل تراجع إلى الكتاب المنقول عنه كما أوصى بذلك كاشف اللثام في وصاياه ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام ـ ولعمري أنه أجاد فيما أوصاه، ترجع إلى المصدر الاصلي مهما كان القائل تلحظ القول.

هذه الروايات الرواية الاولى صفحة 304 منها ما عن الحميري بسند لم يبعد في الكفاية الحاقه بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه "عليهما السلام" (سألته عن الغناء في الفطر والأضحى والفرح قال لا بأس ما لم يعصى به)[12] فالرواية دالة على الجواز والمراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية ولا مقدمة للمعاصي المقارنة له هذه الروايات الأربع ظاهرها قد يستفاد منها التاييد للفيض الكاشاني والمحقق السبزواري لكن إذا تأملنا هي تأييد لخلاف كلامهما.

ما لم يعصى به ولم تقل الرواية ما لم يعص معه يعني لو كان الغناء بما هو هو حلال وحرم من جهة دخول الرجال على النساء أو المعازف لقال لا بأس ما لم يعص معه لكن الإمام قال ما لم يعص به يعني نفس الغناء لهوي نفس الكلام لهوي هو معصية.

الرواية الثانية في كتاب علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام" هذا في كتاب مسائل علي بن جعفر (قال سألته ـ أخوه علي بن جعفر يسأل موسى بن جعفر الكاظم ـ عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح قال لا بأس ما لم يزمر به[13] ) لم يقل ما لم يزمر معه، تقريب الاستدلال قال والظاهر أن المراد بقوله لم يزمر به أي لم يلعب معه بالمزمار أو ما لم يكن الغناء بالزمار ونحوه من آلات الأغاني.

الرواية الثالثة ورواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن كسب المغنيات فقال (التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس لا بأس به) إذن فرّق الإمام قال هذا جائز وهذا جائز لكن كليهما طبق عليهم لهو الحديث الوارد في الآية قال وهو هذا الجائز الذي لا بأس به وهو قول الله "عز وجل" (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله).[14]

الرواية الرابعة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال (قال "عليه السلام" ـ الإمام الصادق ـ أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بئس ليس بالتي يدخل عليها الرجال)[15] هذه الرواية الرابعة ظاهرة قال ليس به بئس لكن الرواية الثالثة التحريم صريح قال التي يدخل عليها الرجال حرام فيها صراحة لكن هذه الرواية ليست بالتي يدخل عليها الرجال يعني فيها بئس نستدل بالمفهوم التي تزف العرائس ليس به بئس ليست بالتي يدخل عليها الرجال ففيها بئس.

يقول الشيخ الانصاري فإن ظاهر الثانية يعني الرواية الرابعة عن أبي بصير، لماذا الثانية والأولى نحملهما على رواية أبي بصير؟ لأن الشيخ الأنصاري علق على الرواية الأولى والرواية الثانية ذكر تقريب الاستدلال الآن يذكر تقريب الاستدلال للثالثة والرابعة وهما روايتا أبي بصير.

فإن ظاهر الثانية ـ يقصد الرابعة اجر المغنية التي تزف رواية أبي بصير ـ وصريح الأولى يعني الثالثة التي يدخل عليها الرجال حرام، أن حرمة الغناء منوط بما يقصد منه، هذا تعبيره بما يقصد منه ليس دقيقا لو قال إن تحريم الغناء منوط بما يكون معه لكان أفضل من دخول الرجال على النساء وغيره ذلك، فإن كان المقصود إقامة مجلس اللهو حرم وإلا يعني إن لم يكن المقصود إقامة مجلس اللهو فلا ـ فلا يحرم ـ وقوله "عليه السلام" في الرواية وهو قول الله إشارة إلى ما ذكره من التفصيل أن الغناء بنفسه حلال ويحرم من جهة دخول الرجال على النساء ويظهر منه أن كلا الغنائين من لهو الحديث يعني الغناء الذي يدخل فيه الرجال على النساء من لهو الحديث والتي تدعى إلى الأعراس لكن من دون دخول الرجال على النساء هذا أيضا من لهو الحديث.

أن كلا الغنائين من لهو لكن يقصد بأحدهما ادخال الناس في المعاصي والإخراج عن سبيل الحق وطريق الطاعة دون الآخر لا يقصد منه ذلك.

يبقى الكلام في توجيه هذه الروايات، هذه الروايات على ظاهرها قد يستفاد منها أنها مؤيدة وتدل على تفصيل الفيضل الكاشاني والمحقق السبزواري ثم يشرع الشيخ الانصاري في هذه التوجيهات من أهمها أنها قالت ما لم يعص به ما لم يزمر به ولم تقل ما لم يعص معه ما لم يزمر معه توجيه الروايات وأنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار للإطلاقات يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo