< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثامن والتسعون: مستثنيات الغيبة

 

الثالث فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعم[1]

 

خلاصة درس الأمس

انتهينا من الغيبة واتضح أنه يوجد تعريفان بارزان للغيبة:

التعريف الأول هي ذكرك أخاك بما يكره في ظهر الغيب

التعريف الثاني هي كشف عيب مستور في ظهر الغيب لأخيك المؤمن

والفارق بين التعريفين أن التعريف الثاني اشترط أن يكون العيب مستورا بخلاف التعريف الأول فقد اشترط الكراهة سواء كان العيب مستورا أو لا

ومن مجمل ما تقدم من آيات وروايات وكلمات أهل اللغة وأهل الشرع يتضح أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن وتأذيه وأنها ناظرة إلى وجود مصلحة للمؤمن وهي حفظ حرمة المؤمن وعدم هتك حرمته فإذا ما تعارضت هذه المصلحة للمغتاب مع مصلحة أخرى أهم هذه المصلحة قد تكون راجعة إلى المغتاب بالكسر أي اسم الفاعل أو إلى المغتاب بالفتح أي اسم المفعول من وقعت غيبته أو غيرهما ـ غير المغتاب بالكسر أو الفتح ـ كأن تعود فائدة إلى المجتمع الإسلامي فحينئذ تقدم المصلحة الأهم على المصلحة المهمة وبناء على ذلك توجد ضابطة عامة للاستثناءات وهو أن تتعارض مصلحة حرمة الغيبة مع مصلحة أهم منها فتقدم المصلحة الأهم

خلاصة درس اليوم

وقد ذكر الفقهاء عشرة موارد لاستثناء الغيبة وقد وقع الكلام في هذه الاستثناءات العشرة هل هي استثناءات توقيفية يتوقف فيها ويقتصر فيها على النص أم أن هذه الاستثناءات لا حصر لها وإنما تخضع لملاك وضابطة واحدة بناء على وجود هذه الضابطة أنه إذا وجدت مصلحة أهم تعارضت مع مصلحة حرمة الغيبة المهمة قدمت المصلحة الأهم على المهم فحينئذ لا حصر لمستثنيات الغيبة في عشرة موارد وإنما يمكن التوسع إلى غير الموارد العشرة التي ذكرت كنصح المستشير وغيره.

بعضهم ذهب إلى الاقتصار على العشرة وعدم التعدي عنها وهذا هو مقتضى الاحتياط وبعضهم قال بالتعدي وقال إن الضابطة متى ما تحققت أمكن التعدي فإذا وجدت مصلحة أهم قدمت على حرمة الغيبة فجازت الغيبة بل قد تجب هذه الغيبة كما لو توقف ردع المؤمن عن المنكر على غيبته بحيث إذا لم تغتبه لا يرتدع فحينئذ يجب عليك أن تغتابه لكي تردعه عن المنكر فتنقلب الغيبة من محرمة إلى واجبة.

يظهر من كلام الشيخ الأنصاري "رحمه الله" أنه مع عدم الاقتصار على الموارد العشرة وأنه متى ما تمت الضابطة قدم الأهم ملاكا فحصل استثناء للغيبة يقول الشيخ الأنصاري ولو التزمنا بأنه لابد من وجود مصلحة أهم لكي تثبت ويثبت الاستثناء فإننا نقول يوجد موردان وقع الاتفاق على استثناءهما حتى لو لم توجد مصلحة فهذان الاثنان خارجان عن ضابطة الموارد العشرة وغيرها من ضرورة وجود مصلحة أهم تقدم على المصلحة المهمة في حرمة الغيبة فهذان الموردان وهما جواز غيبة المتجاهر بالفسق وجواز الغيبة عند التظلم في هذين الموردين تجوز الغيبة مطلقا وجدت مصلحة أو لم توجد مصلحة فمثلا في المورد الأول أحيانا توجد مصلحة في غيبة المتجاهر بالفسق وهو ردعه عن المنكر وأحيانا لا توجد مصلحة اغتبت أو لم تغتبه سيان لا يتأثر بالعوامل الداخلة عليه فهنا أيضا يبقى الجواز على محله.

وهكذا في المورد الثاني قد تترتب مصلحة وهو أن المظلوم إذا شهر بالظالم تراجع الظالم عن ظلمه واستطاع المظلوم أن يدفع الظلامة عنه بتشهير الظالم واغتيابه وأحيانا اغتاب أو ما اغتاب شهر بالظالم أو لم يشهر به لا يرتفع الظلم لا توجد مصلحة إذن هذان الموردان وهما غيبة المتجاهر بالفسق وغيبة الظالم من قبل المظلوم عند تظلمه لا يشترط فيهما وجود مصلحة تجوز الغيبة والاستثناء بل إن الاستثناء تام حتى لو لم تحصل غيبة ولا بأس أن نشير إلى نكتة وهو أن ظاهر لفظ الاستثناء دخول المستثنى منه في الغيبة ثم ببركة الدليل نخصص حرمة الغيبة فنقول الغيبة حرام إلا في صورة التجاهر في الفسق إلا في صورة التظلم إلا في صورة نصح المستشير فنصح المستشير لو أراد فلان أن يتقدم للزواج فإن بيان عيوبه غيبة ترتفع حرمتها ببركة الدليل الدال على جواز الغيبة عند نصح المستشير هكذا في أكثر موارد الاستثناءات ولكن بعض الأمور التي ذكرت في مستثنيات الغيبة ليس من قبيل التخصيص وإنما هي من قبيل التخصص كغيبة المتجاهر في الفسق فإن المتجاهر بالفسق بناء على التعريف الأول لا يكره بل ربما يفتخر أنه يشرب الخمر ويتجاهر بالزنا والعياذ بالله كما أنه بناء على التعريف الثاني لم تهتك ستره ولم تكشف عيبه إذ أنه يتجاهر بالعيب ولا يراه عيبا بل يراه مفخرة إذن عنوان الغيبة تعريف الغيبة لا يصدق على إظهار عيب المتجاهر بالفسق فإطلاق الاستثناء عليه من باب التجوز والتسامح في التعبير إذن المتجاهر بالفسق خارج عن الغيبة تخصصا لا تخصيصا هو خارج مورد أصلا هذا المورد ما ينطبق عليه عنوان الغيبة بخلاف غيره من مستثنيات الغيبة كنصح المستشير هذا الشخص تقدم للزواج وعيبه مستور ويكره أن يذمونه ما تجوز غيبته لكن للزواج يجوز أن تظهر عيبه إذا سألوك يجوز تنصحهم بعيبه الذي هو فيه.

إذا تم هذا يشرع الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في بيان المورد الأول من الموارد المستثناة مع عدم اشتراط وجود مصلحة أهم وهو غيبة المتجاهر بالفسق ويستدل على ذلك ويذكر ثلاث حيثيات:

الحيثية الأولى أن المتجاهر لا يبالي بظهور غيبه فلا يصدق عليه أنه له عيب مستور

الحيثية الثانية لو رجعنا إلى كلمات اللغويين لوجدنا أن بعضهم كالصحاح للجوهري قد أخذ قيد المستور والستر لا يتحقق بالنسبة إلى المتجاهر بالفسق.

الحيثية الثالثة الروايات المستفيضة ويذكر عدة روايات تدل على أنه لا حرمة لفاسق وأن الفاسق المتجاهر مهتوك الحرمة ولا حرمة له ثم يتطرق إلى فروع هل تجوز حرمته مطلقا أو تجوز حرمته في خصوص ما تجاهر به فمثلا لو كان شخص يشرب الخمر جهارا نهارا لكنه يزني في السر فهل يجوز أن تغتابه بجميع عيوبه الظاهرة والمستورة بأن تقول فلان شراب خمر زناي سارق كذاب أن يجب الاقتصار على خصوص الذنب الذي تجاهر به.

الجواب لو رجعنا إلى الروايات لوجدناها تشير إلى أن المتجاهر بالفسق لا حرمة له وحيث لا حرمة له تجوز غيبته مطلقا في العيب الذي هو مستور أو لا ولو تقيدنا بالتعريف لقلنا إنه تجوز غيبته في خصوص ما تجاهر به لا العيب الذي لم يتجاهر به وهذا هو مقتضى الاحتياط مقتضى الاحتياط جواز غيبة المتجاهر في خصوص ما تجاهر به لا الذنب الذي استتر فيه وهكذا يوجد فرع آخر لو كان متجاهرا في منطقة ومستورا في منطقة أخرى هو في منطقته معروف متهتك يشرب الخمر لكن إذا ذهب إلى العمل خوش آدمي إذا ذهب إلى منطقة أخرى يظهر بمظهر المؤمن المتدين فهل تجوز غيبته مطلقا في منطقته ومنطقة غيره أو لا لا تجوز غيبته إلا في خصوص منطقته مقتضى الاقتصار على تعريف الغيبة ومقتضى الاحتياط جواز غيبته في خصوص بلده الذي تجاهر فيه دون المكان الذي لم يتجاهر فيه لكن مقتضى بعض الأدلة أن المستهتر والمتهتك والمتجاهر بالفسق تسقط حرمته مطلقا وبالتالي تجوز غيبته حتى في المكان الذي لم يتجاهر فيه.

 

تطبيق المتن

الثالث في ما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعم، الجواز بالمعنى الأخص الإباحة الجواز بالمعنى الأعم يشمل الإباحة بالمعنى الأخص ويشمل الوجوب قد تجب غيبته من باب وجوب دفع المنكر إذن بالمعنى الأعم الشامل للإباحة والوجوب

فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة وغيرها ـ غير الأخبار المتقدمة ـ كلمات اللغويين كلمات الفقهاء أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن وتأذيه منه ـ من الغيبة ـ فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب بالكسر أو المغتاب بالفتح أو ثالث مثل المجتمع هذه مصالح ثلاث دل العقل أو الشرع على كونها ـ هذه المصلحة ـ أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه ـ في المؤمن ـ يعني بترك الغيبة فيه وجب كون الحكم على طبق أقوى المصلحتين كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله وحقوق الناس وقد نبه عليه غير واحد من الفقهاء نبه على ذلك على تقديم المصلحة الأهم هذا جاري في حقوق الله وحقوق الناس يقدم الأهم ملاكا حق الله أو حق الناس.

قال في جامع المقاصد ـ المحقق الكركي ـ بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة أن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به ـ هذا الفعل ـ هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو إضحاك الناس منه وأما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير هذا جائز والتظلم وسماعه يجوز تظلم المظلوم يعني يجوز الغيبة المظلوم يجوز له أن يغتاب ويتظلم والذي يسمع يجوز له أن يسمع الغيبة التظلم والجرح والتعديل التوثيق والتضعيف في الرجال هذا أيضا قد يقال من موارد الغيبة فيستثنى لمصلحة أهم وهو معرفة الروايات الصحيحة من الروايات الضعيفة ورد من أدعى نسبا ليس له أنا سيد أبن رسول الله وهو ليس سيد كثيرين يدعون من الأشراف والسادة أو ينسب نفسه إلى قبيلة معروفة يجوز التشهير ورد نسبه والقدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين[2] يعني رد المقالة البطالة هذا عيب من عيوب من قالها أو كتبها فهذا جائز انتهى.

المنبه الثاني الشهيد الثاني في كشف الريبة وفي كشف الريبة عن أحكام الغيبة قال الشهيد الثاني أعلم أن المرخص في ذكر مساءة الغير يعني المجوز في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه ـ إلى الغرض الصحيح في الشرع ـ إلا به[3] يعني إلا بذكر مساءة الغير إذا نرجع إلى المصدر هكذا العبارة أعلم أن المرخص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح الغرض الصحيح هو المرخص لا يمكن التوصل إليه ـ إلى الغرض الصحيح ـ إلا به إلا بذكر مساوئ الغير انتهى.

وعلى هذا يعني أن الغيبة تجوز لوجود مصلحة أهم فموارد الاستثناء ـ استثناء الغيبة ـ لا تنحصر في عدد وهو خصوص العشرة بل لا عد ولا حصر لها المهم توفر الضابطة ووجود مصلحة أهم

نعم الظاهر استثناء موضعين يعني نعم لو بنينا على جواز الغيبة لوجود مصلحة أهم فإنه يوجد موضعان يستثنيان حتى لو لم توجد مصلحة، نعم الظاهر استثناء موضعين وهما غيبة المتجاهر بالفسق وغيبة المتظلم عند وقوع الظلم عليه لجواز الغيبة فيهما ـ في الموضعين ـ من دون مصلحة يعني حتى من دون وجود مصلحة

أحدهما غيبة المتجاهر بالفسق ليس غيبة الفاسق، أحدهما ما إذا كان المغتاب بالفتح متجاهرا بالفسق فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق عادي عنده بالعكس ربما يفتخر بالمعصية.

أحيانا هو عادي تذكر عيبه لكن تذمه لا يقبل يعني عادي تقول يشرب خمر يزني عادي لكن تقول لا حياء له لا يخجل هذا ما يقبل هذا ذنب فرق بين ذكر العيب وهو شرب الخمر ومقارعة النساء وبين الذم والتعيير وهذا ملاك الفارق بين الغيبة وبين السب الغيبة بيان العيب فلان يشرب خمر يزني يكذب السب تعيير فلان ما يخجل ما يستحي ما عنده ماء وجه السب هو عبارة عن التعيير والتهمة بخلاف الغيبة، الغيبة ذكر العيب لذلك يقول الشيخ الأنصاري فإن من لا يبالي بظهور فسقه يعني بظهور العيب بين الناس هذا ملاك الغيبة لا يكره ذكره بالفسق يعني لا يكره أن يذكر بين الناس بالفسق يعني بالعيب نعم يقبل أن يذكرونه بالعيب لأنه لا يراه عيبا يرى الزنا حرية جنسية يرى شرب الخمر حرية شخصية يفتخر بها لكن ما يرضى بالتعيير أن تقول لا حياء له لا يخجل ليس له ماء وجه

نعم لو كان في مقام ذمه كرهه من حيث المذمة يعني كرهه يعني المغتاب بالفتح من حيث المذمة يعني كره أن تذمه ولم يكره أن تذكر عيبه لكن المذمة وقعت على الفسق المتجاهر به والمذمة على الفعل المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه يجوز حتى تلعنه، عندنا موجود مثلا أهل البدع وأهل المعاصي إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله موجود بعض الروايات (أكثروا من الوقيعة فيهم وبهتهم) حتى تنسب إليه أشياء حتى تردعه أولا وثانيا حتى لو ما ارتدع تجعل المجتمع يتجنبه، إذن الحيثية الأولى إن المتجاهر لا يبالي بظهور فسقه بين الناس فإذن عيبه ليس بمستور.

الثاني وقد تقدم عن الصحاح اخذ المستور في المغتاب والمتجاهر بالفسق ليس بمستور.

الثالث وقد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر.

الرواية الأولى منها قوله عليه السلام في رواية هارون بن الجهم (إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة[4] ) لا حرمة له مطلقا الرواية مطلقة لا غيبة له مطلقة لم تقل لا غيبة له فيما تجاهر به غير مقيدة الرواية مطلقة.

الرواية الثانية وقوله عليه السلام (من ألقى جلباب ـ ستر الحياء ـ الحياء فلا غيبة له[5] ) فلا غيبة له مطلقا الرواية مطلقة.

الرواية الثالثة ورواية أبي البختري (ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوا مبتدع يعني صاحب البدعة والإمام الجائر يعني الإمام الظالم والفاسق المعلن بفسقه[6] ) هنا يقولون التقسيم قاطع للشركة فنعرف إن الإمام الجائر ليس له حرمة لا لكونه مبتدع لأن المبتدع القسم الأول ولا لكون الإمام معلن بفسقه ومتجاهر بالفسق لأن هذا هو القسم الثالث بل للقسم الثاني لظلمه وجوره التقسيم قاطع للشركة.

الرواية الرابعة ومفهوم قوله "عليه السلام" (من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدله ووجبت أخوته وحرمت غيبته[7] ) تقريب الاستدلال بالمفهوم من لم يكن كذلك لم تحرم غيبته، المنطوق يقول الذي لا يظلم والذي لا يكذب والذي لا يخلف الوعد كامل المروءة وتحرم غيبته، المفهوم من ظلم الناس وخالفهم في الوعد وكذب عليهم لم تحرم غيبته، إذا نقرأ نص الرواية بالمفهوم من عامل الناس وظلمهم وحدثهم فكذبهم ووعدهم فأخلفهم فهو ممن لم تكمل مروءته ولم يظهر عدله ولم تجب أخوته ولم تحرم غيبته هذا تمام الكلام في الاستدلال على جواز غيبة المتجاهر بالفسق بالرواية الرابعة.

الرواية الخامسة وفي صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة بعد تعريف العدالة قال إن الدليل على ذلك يعني العلامة على العدالة، أن يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته[8] يعني ما وراء المستور من عيوبه من عثراته، دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا فتنتفي يعني حرمة التفتيش عند انتفاءه عند انتفاء كون الرجل مستورا.

الدليل الخامس ومفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة المحكي عن المحاسن ـ محاسن البرقي ـ إذا نرجع إلى المصدر نجد أنها مصحف المجالس والمراد آمالي الصدوق مثل ما الآن عندنا تقريرات في هذا الزمان الزمن الغابر كان المحدث يملي والآخرون يكتبون الكتاب تحت عنوان المجالس أو الآمالي عندنا آمالي الصدوق وآمالي المفيد وآمالي المرتضى وآمالي الشيخ الطوسي هذه يقال لها آمالي أو مجالس فهنا المحاسن هو مصحف المجالس.

الرواية هكذا (من لم تره بعينك يرتكب ذنبا يعني كان مستورا ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ـ إذن الرواية ذكرت صنفين الصنف الأول أهل العدالة الصنف الثاني أهل الستر ـ وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ـ إذن ذكرت عنصر الشهادة وإن كان في نفسه مذنبا يعني وإن كان عند نفسه مذنب لكن لم يظهر أمام الناس أنه مذنب كما لو كان مذنبا في بيته أو في خلوته ـ ومن أغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل في ولاية الشيطان[9] إلى آخر الخبر)، هنا يوجد احتمالان في فهم الرواية:

الفهم الأول أن تكون الرواية على نحو اللف والنشر المرتب لا المشوش فقد ذكرت الرواية عنوانين الأول أهل الستر الثاني أهل العدالة وذكرت عنوانين آخرين حكمين آخرين وهما جواز الشهادة وجواز الغيبة فتكون الرواية على نحو لف والنشر المرتب أي أنه إذا لم يكن من أهل الستر جازت غيبته الثاني إذا لم يكن من أهل العدالة لم تجز شهادته إذن أخذ في جواز الشهادة العدالة وأخذ في جواز الغيبة عدم الستر إذن القيدان وهما الستر والعدالة لم يؤخذ كل منهما في جواز الشهادة وجواز الغيبة بل أخذ أحدهما في الآخر لا في كليهما إذن الاحتمال الأول العدالة مأخوذة في جواز الشهادة الستر مأخوذ في حرمة الغيبة.

الاحتمال الثاني أخذ الكل بالكل يعني أخذ كلا القيدين الستر والعدالة في جواز الشهادة وعدم الستر وعدم العدالة في جواز الغيبة إذن يوجد فهمان إما الفهم الأول وهو على نحو اللف والنشر المرتب بأن يؤخذ الستر في الغيبة والعدالة في جواز الشهادة وأما أن يؤخذ الكل بالكل يعني الاثنين بالاثنين يعني يؤخذ الستر والعدالة في جواز الشهادة ويؤخذ الستر والعدالة في تحقق حرمة الغيبة، طبعا الاستدلال هنا يتم على الأول أنه يؤخذ في جواز الغيبة كونه ليس مستورا.

قال دل على ترتب حرمة الاغتياب ـ هذا الحكم الأول وهو مسبب معلول ـ الحكم الثاني وقبول الشهادة هذا الحكم الثاني أيضا مسبب ومعلول هذان لهما سببان السبب الأول الستر السبب الثاني العدالة قال على كونه يعني كون المغتاب من أهل الستر وكونه يعني كون الشاهد من أهل العدالة على طريق اللف والنشر المرتب يعني ما ذكر أولا أخذ لما جاء أولا وما أخذ ثانيا اخذ لما جاء ثانيا، إذن أخذ في جواز الشهادة العدالة فقط لا الستر وأخذ في حرمة الغيبة الستر فقط لا العدالة أو على اشتراط الكل يعني أن يكون من أهل الستر وأن يكون من أهل العدالة كليهما نشترطهم، نشترطهم في جواز الشهادة وفي جواز الغيبة أو على اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئي منه المعصية هذا الأمر الأول ولا مشهودا عليه بها يعني ليس مشهودا عليه بالمعصية ومقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط يعني مقتضى المفهوم مفهوم الشرط هنا تقوم تجوز غيبته إذا كان مرئيا وتحرم غيبته إذا لم يكن مرئيا إذن مقتضى مفهوم الشرط جواز غيبته إذا رئي وكشف عيبه حتى لو لم يكن متجاهرا خرج المتجاهر بالفسق بالدليل الخاص وبمقتضى الشرط وبقي غير المتجاهر بالفسق على الحرمة لدليل.

(من لم تره بعينك يرتكب ذنبا ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله) [10] يعني من لم تره تحرم غيبته يعني من كان مستورا تحرم غيبته الآن نعكس نقرأ الرواية من لم تره بعينك يعني من رأيته بعينك يرتكب ذنبا ومن اغتابه لم يخرج عن ولاية الله ولم يدخل في ولاية الشيطان هذا مقتضى مفهوم الشرط من لم تره لا تجوز غيبته ومن رأيته جازت غيبته مطلقا سواء كان متجاهر أو لا يخرج من هذا مفهوم الشرط من رأيته ولم يكن متجاهرا ويبقى تحت مفهوم الشرط من رأيته وكان متجاهرا.

قال ومقتضى المفهوم يعني ومقتضى مفهوم الشرط جواز الاغتياب يعني جواز اغتياب من رأيته بعينك يرتكب ذنبا جواز الاغتياب مع عدم الشرط لم تره بعينك يرتكب ذنبا هذا بنص الرواية وبنص الشيخ أن يكون الرجل غير مرئي المعصية ولا مشهودا عليها هذا هو الشرط إذن مقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط يعني مع عدم كون الرجل غير مرئي منه المعصية ولا مشهودا عليه يعني كان الرجل مرئي المعصية، خرج منه يعني خرج من جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج غير المتجاهر بالفسق وبقي تحت الشرط المتجاهر بالفسق، خرج غير المتجاهر يعني خرج المرئي لكن غير المتجاهر بالفسق للدليل.

إشكال هذا الاستدلال كله مبني على أن يكون قوله عليه السلام ومن اغتابه هذا عطف لكن نحن نلتزم أن قوله ومن اغتابه هذه جملة استئنافية مطلب جديد فيصير صدر الرواية ناظر إلى الشهادة لأهل العدالة والمقطع الثاني من قوله ومن اغتابه ناظر إلى الغيبة وهو أجنبي عن المقطع الأول.

رواية علقمة قال من لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا. صار المقطع الأول ناظر إلى جواز الشهادة المقطع الثاني الواو استئنافية، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله داخل في ولاية الشيطان هذه جملة استئنافية مطلب جديد بالتالي بعد ما نحتاج إلى الفهم الأول بنحو اللف والنشر المرتب ولا نحتاج إلى الفهم الثاني أخذ الكل بالكل.

يقول الشيخ الأنصاري حمل الواو على أنها استئنافية خلاف الظاهر وبالتالي نحمل الواو على أنها عاطفة يعني الرواية ناظرة إلى الشهادة وجواز الغيبة فيتم الاستدلال المطلوب إما بنحو الاحتمال الأول أو الاحتمال الثاني.

قال وكون قوله عليه السلام من اغتابه[11] جملة مستأنفة يعني وليس جملة عاطفة على الجملة الأولى، غير معطوفة على الجزاء خلاف الظاهر، معطوفة على الجزاء ما هو الجزاء؟ لأنه قال يوجد جزاء قال من لم تره هذا شرط وشهادته مقبولة هذا جزاء الشرط فيصير هذا جزاء الشرط قوله وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا معطوف على هذا الجزاء ومن اغتابه بما فيه، هذا تمام الكلام في الاستدلال بست روايات على جواز غيبة المتجاهر بالفسق فهذه الروايات مستفيضة.

فروع

الفرع الأول هل يشترط في جواز غيبة المتجاهر بالفسق ترتب أثر شرعي كنهيه عن المنكر أو ردعه عن المعصية أو لا أحيانا شخص إذا تغتابه وتشهر به يرتدع أحيانا ما يرتدع قوي عيون فهل يشترط في جواز غيبة المتجاهر بالفسق ترتب اثر شرعي كردعه عن المنكر الجواب لا يشترط لأن الروايات مطلقة فلا غيبة له فلا حرمة له ولن تقل الرواية فلا غيبة له إن ترتب اثر شرعي فنتمسك بالإطلاق.

ثم إن مقتضى إطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به ولو يعني حتى الواو وصلية، مع عدم قصد غرض صحيح ولم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح وهو ارتداعه عن المنكر

نعم يستدرك يقول الشيخ الشهيد الثاني في كشف الريبة اشترط قصد النهي عن المنكر في جواز السب لا في جواز الغيبة والسب ناظر إلى التعيير بخلاف الغيبة التي ناظرة إلى ذكر العيب فهذا أجنبي عن بحثنا فلا تشكل علينا بأنه بعض الأعلام ذكر في اشتراط جواز غيبة المتجاهر بالفسق وجود غرض صحيح لأن كلام الشهيد الثاني ناظر إلى حرمة السب لا إلى حرمة الغيبة.

قال الشيخ الأنصاري نعم تقدم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار واشتراط قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر بالفسق مع اعترافه ـ اعتراف الشهيد الثاني بأن ظاهر النص الروايات والفتوى ـ فتوى الأصحاب ـ عدمه يعني عدم اشتراط قصد النهي عن المنكر

وهل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به هذا الفرع الثاني، طبعا بالنسبة إلى الفرع الأول أيضا صرح المحقق الثاني في رسالته في العدالة إذا نراجع رسائل المحقق الكركي المجموعة الثانية صفحة 45 صرح بعدم اشتراط قصد النهي عن المنكر في جواز السب أو الغيبة.

الفرع الثاني وهل يجوز اغتياب المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به يعني في العيوب والذنوب التي لم يتجاهر بها افترض هو يتجاهر بشرب الخمر ولكن لا يتجاهر بالكذب يجوز تقول أيضا كذاب هو يتجاهر بالكذب لكن لا يتجاهر بالزنا يجوز أيضا أن تقول يزني وهل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به صرح الشهيد الثاني وغيره بعدم الجواز[12] وحكي عن الشهيد[13] أيضا أنه لا يجوز وهذا هو مقتضى الاحتياط لأن مقتضى الروايات جواز غيبة المتجاهر في خصوص ما تجاهر به وهذا هو مقتضى الاحتياط وعليه الشهيد السعيد السيد عبد الحسين دستغيب في كتابه الذنوب الكبيرة يقول الأحوط الاقتصار في جواز غيبة المتجاهر بالفسق في خصوص ما تجاهر به

وظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر الآن يبين هذا دليل وجه الجواز الروايات تنفي عنه الحرمة لا غيبة له لا حرمة له مطلقا روايات مطلقة إذا انتفت حرمته يعني حرمته في ما تجاهر به وما تستر به وظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر وغير الساتر هو الجواز يعني هو جواز غيبة المتجاهر فيما لم يتجاهر به لنفي الحرمة لا حرمة له واستظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام[14] ، الحدائق الجزء 18 صفحة 166 وصرح به بعض الأساطين وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء في شرحه على القواعد قال ومنها ذكر المتجاهرين بالفسق فإنهم لا حرمة لهم ولو في غير ما تجاهروا به.

وينبغي إلحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه الآن يتكلم الفرع الثالث، ما هو الفرع الثالث؟ إذا تجاهر بشيء وتستر بشيء أدنى منه يتجاهر باللواط يغازل المؤمنات، يغازل المؤمنات والتحرش بالنساء عند الله أقل اللواط بالمؤمنين،

قال وينبغي إلحاق ما يتستر به ـ المتجاهر ـ بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح يعني إذا كان ما يتستر به دون ما يتجاهر فيه في القبح فمن تجاهر باللواط والعياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب ومن تجاهر بقطع الطريق جاز اغتيابه بالسرقة لأن قطع الطريق فيه سرقة وقتل، ومن تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس وينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر ـ شرب الخمر أدنى ولو تستر به ـ ومن تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح ولعل هذا هو المراد بمن ألقى جلباب الحياء[15] لعل هذا من تجاهر بالقبائح المعروفة هو المراد بمن ألقى جلباب الحياء لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها كبعض عمال الظلمة يعني مجرد عمل مع الظالم ما يصير أن تقول هذا ألقى جلباب الحياة هو تجاهر بعمله مع الظالم ربما عنده ذنوب مثلا يشرب خمر أو يزني لكن متستر هذا ما يكفي كونه من عمال الظالم لا إذا تجاهر بالقبائح المعروفة من عمال الظالم ويسجن أولاد الناس ويقتلهم.

قال ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان أنه قبيح فلو تجاهر به ـ بالقبيح ـ مع إظهار محمل له ـ لهذا التظاهر مثلا ما يعتقد حرمته أو قال أنا مجبور أجبرني الظالم أو قال لا العلم مع الظالم حرام لكن أنا أعمل لخدمة المؤمنين كعلي بن يقطين هذا ما تجاهر بالفسق لأنه ما تجاهر بعنوان أنه ظالم وأنه يعمل مع الظالم قال مع إظهار محمل له لا يعرف فساده، لا يعرف فساده يمكن فعلا هو مجبور أو فعلا هو يخدم كما خدم علي بن يقطين شيعة أمير المؤمنين لا يعرف فساده ـ فساد ما قال به ـ إلا القليل، القليل يقول ما عليك به هذا مجبور مو مجبور هو طوعا ذهب وعمل مع الظالم، كما إذا كان من عمال الظلمة وادعى في ذلك ـ في عمله مع الظلمة ـ عذرا مخالفا للواقع ادعى أنه مجبور وهذا مخالف للواقع لم يكن مجبورا أو غير مسموع منه ادعى عذر غير مسموع منه مثل يدعي أنه يخدم المؤمنين ولا أحد يصدق أن يخدم المؤمنين لا قدم خدمات ولا هم يحزنون لم يعد متجاهرا

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر وكثير منهم واضح الفساد إلا القليل ممن وفا.

الفرع الأخير ولو كان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غيره هل يجوز ذكره عند غيرهم ففيه إشكال هنا بعد لم يذكر وجه الجواز وجه الجواز واضح لأنه انتهكت حرمته لا حرمة له هذا وجه الجواز وجه الحرمة يذكر، ما هو وجه الحرمة؟

قال من إمكان دعوى ظهور روايات الرخصة يعني المجوزة للغيبة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا يعني في بلده وفي غير بلده أما إذا يستنكف ما عليه تغتابني تقصني في الديرة ما عليه خارج الديرة ما أجوز إليك هذا ما يشمه فهذا وجه عدم جواز غيبته.

ظاهر روايات الرخصة تجوز الغيبة أنه فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا يعني في محلته وغير محلته فرب متجاهر في بلد متستر في بلاد الغربة أو في طريق الحج والزيارة لئلا يقع في عيون الناس يقول أنا طحت في عيون أهل منطقتي ما أطيح في عيون الحجاج،

وبالجملة وحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام على الإطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه وهو خصوص المتجاهر بالفسق في بلده فالاحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه ولا يستنكف من ظهوره للغير.

نعم لو تأذى من ذمه بذلك دون ظهوره يعني دون ظهور العيب لم يقدح في الجواز ولذا جاز سبه بما لا يكون كذبا وهذا هو الفارق بين السب والغيبة حيث إن مناط الأول السب المذمة والتنقيص فيجوز مثلا يقول فلان لئيم خبيث ومناط الثاني الغيبة إظهار عيوبه فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة، هذا تمام الكلام في الاستثناء الأول المتجاهر بالفسق الثاني تظلم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم يأتي عليه الكلام.

 


[3] كشف الريبه ص77.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo