< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الواحد والمئة: حرمة استماع الغيبة

 

الرابع يحرم استماع الغيبة بلا خلاف فقد ورد أن السامع للغيبة أحد المغتابين[1]

 

خلاصة درس اليوم

انتهينا من أهم مباحث الغيبة وهي المباحث الثلاث الأولى بقي البحث الرابع والأخير والخاتمة، البحث الرابع في حرمة استماع الغيبة والخاتمة في حقوق الإخوان الثلاثين أما الأمر الرابع فإنه يشير إلى أنه كما تحرم الغيبة على القائل كذلك تحرم الغيبة على السامع إذن يوجد مغتابان المغتاب الأول هو قائل الغيبة والمغتاب الثاني هو مستمع الغيبة ومن الواضح أن التعبير عن السامع بأنه مغتاب مع أنه لم يتكلم ولم يغتب فهذا تجوز وتسامح لو رجعنا إلى الروايات الشريفة لوجدنا أن الروايات الدالة على حرمة استماع الغيبة كثيرة لكن ما دل على أن استماع الغيبة من الكبائر كما أن قول الغيبة من الكبائر أيضا روايات ضعيفة السند والمحرم من سماع الغيبة هو خصوص الغيبة المحرمة دون الغيبة المحللة فلو كان المغتاب بالفتح متجاهرا بالفسق جاز للمغتاب بالكسر أن يغتابه وجاز الاستماع إلى هذه الغيبة مع العلم بتجاهره بالفسق قطعا بل يجوز حتى مع الاحتمال حملا على عمل المسلم على الصحة نعم لا يجوز للسامع أن يستمع الغيبة إذا قطع وعلم أن المغتاب بالفتح ليس متجاهرا ثم يتطرق الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" إلى كلام للشهيد الثاني في كتاب كشف الريبة ثم يعلق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بتعليق دقيق جدا مناقشا الشهيد الثاني رضوان الله عليه.

 

تطبيق المتن

قال الشيخ مرتضى الأنصاري "رحمه الله" الرابع يحرم استماع الغيبة بلا خلاف يعني هناك إجماع على حرمة استماع الغيبة فقد ورد أن السامع للغيبة أحد المغتابين[2] على قراءة بالتثنية أحد المغتابين على قراءة بالجمع وسيأتي بحثهما، والأخبار في حرمته كثيرة، هذه الرواية السامع للغيبة أحد المغتابين هذه مرسلة عن الإمام علي "عليه السلام"، أيضا في كشف الريبة صفحة 64 جاء برواية مرسلة عن النبي (المستمع أحد المغتابين).

يقول الشيخ الأنصاري والأخبار في حرمته كثيرة إلا أن ما يدل على كونه ـ سماع الغيبة ـ من الكبائر كالرواية المذكورة ونحوها، كيف دلت هذه الرواية على أنها من الكبائر مع أنها لم تنص على كونه من الكبائر الرواية قالت السامع للغيبة أحد المغتابين الرواية الأخرى المستمع احد المغتابين؟ الجواب إذا صدق عليه أنه قد اغتاب وقد ثبت مسبقا أن الغيبة من الكبائر لأنه قد توعد الله عليها النار إذن المستمع ارتكب الكبيرة كما أن قائل الغيبة ارتكب كبيرة.

يقول ضعيفة السند الأخبار في حرمة كثيرة إلا أن ما يدل على كونه من الكبائر كالرواية المذكورة ونحوها ضعيفة السند ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها فهو ليس بحرام سماعه لأنه حلال ولو كان متجاهرا عند المغتاب هذا الفرع الآن الذي سيعلق عليه الشهيد الثاني

ولو كان متجاهرا عند المغتاب يعني عند القائل مستورا عند المستمع وقلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم لأنه مكشوف عنده وليس بمستور عنده متجاهر عنده تجوز غيبته فهل يجوز للمستمع أن يستمع أو لا؟ قال فالمحكي وهذا حكي عن الشهيد الثاني، والمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا يعني مع احتمال كون المغتاب بالفتح متجاهرا لا مع العلم بعدمه ـ بعدم كونه متجاهرا ـ إذ مع العلم لا يجوز الاستماع.

قال في كشف الريبة إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو ـ المستمع ـ لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة ولا عدمه يعني ولا عدم استحقاق المغتاب للغيبة قيل لا يجب نهي القائل يعني لا يجب ردعه لماذا؟ يذكر الشهيد الثاني وجهين ويمكن تفسيرهم بثلاثة وجوه على عدم وجوب النهي:

الوجه الأول إمكان الاستحقاق فلربما المغتاب بالفتح مستحق للغيبة فنحمل عمل المغتاب بالكسر على الصحة أصلا هذا توهين للمؤمن هذا من الاشتباهات الشائعة لا تغتاب أعقلوا هذا مؤمن له حرمة كيف تطعنه بأنه يغتاب الناس هذا مسلم تحمل عمله على الصحة، إذن الوجه الأول لعدم وجوب الردع هو إمكان الاستحقاق ومع فرض إمكان استحقاق المغتاب بالفتح للغيبة لكونه متجاهرا مثلا لا يجوز ردع المغتاب بالكسر حملا لعمله على الصحة هذا هو الوجه الأول.

الوجه الثاني ردع المغتاب بالكسر يستلزم انتهاك حرمته وهو أحد المحرمين ما يجوز أن تنتهك حرمته إذن ذكر الشهيد الثاني وجهين لعدم وجوب الردع الوجه الأول إمكان الاستحقاق الوجه الثاني إن الردع انتهاك لحرمته وكما تحرم الغيبة يحرم انتهاك حرمة المؤمن إذن يتعين التنزه عن ذلك ـ عن ردعه ـ إلا إذا دل الدليل على ذلك وبالتالي يحرم الاستماع إلا إذا دل الدليل على الجواز فإذا شككنا هل يجوز الاستماع أو لا نتمسك بعموم الأدلة وهي حرمة غيبة المؤمن في ظهر الغيب.

قال في كشف الريبة الشهيد الثاني إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو لا يعلم المغتاب يعني بالفتح مستحقا للغيبة ولا عدمه قيل لا يجب نهي القائل لإمكان الاستحقاق يعني لإمكان أن يكون المغتاب بالفتح مستحقا للغيبة

فيحمل فعل القائل ـ قائل الغيبة ـ على الصحة حملا لعمل المسلم على الصحة ما لم يعلم فساده ما لم نقطع أن جاء بشيء فاسد اغتاب وأن عمله فاسد هذا الوجه الأول.

الوجه الثاني لعدم وجوب النهي ولأن ردعه ـ ردع المغتاب ـ يستلزم انتهاك حرمته وهو انتهاك حرمة المؤمن أحد المحرمين ثم قال الشهيد الثاني والأولى التنزه عن ذلك حتى يتحقق المخرج منه الأولى يعني هل يعني المحبذ يقول الميرزا الشيرازي الأولى هنا أولوية تعينية على غرار قوله تعالى (﴿وأولوا الأرحام أولى ببعض في كتاب الله﴾) هناك أولوية تعينية يعني فيها لزوم، ما الدليل على أن هذه الأولوية تعينية؟ الدليل أن الشهيد الثاني تمسك بالعموم وعموم حرمة الغيبة يشمل المورد فيثبت حرمة الغيبة فيقول الشهيد الثاني عندنا عمومات (﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾) مطلقة لا نرفع اليد عن عموم ولا يغتب بعضكم بعضا وغيره من الأدلة إلا إذا وجد دليل يخرج هذا العنوان يستثنيه من حرمة الغيبة لذلك يقول والأولى التنزه عن ذلك يعني عن الاستماع كلامنا في استماع الغيبة حتى يتحقق المخرج منه يعني المخرج لاستماع الغيبة منه يعني من حرمة الغيبة يعني يجب التنزه عن سماع الغيبة إلى أن يثبت ويتحقق الدليل الذي يخرج الاستماع من حرمة الغيبة، ما هو الوجه في ذلك؟

الوجه الأول قال لعموم الأدلة الأدلة عامة (﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾) المستمع أحد المغتابين مطلقا سواء احتمل الاستحقاق أو لم يحتمل فالرواية لم يرد فيها تفصيل فالإمام "عليه السلام" ترك الاستفصال وترك التفصيل قد يغري بالجهل الإمام قال السامع للغيبة احد المغتابين هذه مرسلة الإمام علي ومرسلة النبي المستمع أحد المغتابين ولم يفصل ولم يقل سواء احتمل أن المتجاهر ولم يقيد يقول أحد المغتابين إذا لم يحتمل أن المتجاهر مستحقا للغيبة لم يرد هذا القيد فترك الاستفصال وترك التفصيل في تحريم استماع الغيبة يؤكد العموم والسر في ذلك أن ترك التفصيل مع إيراد العموم إغراء للجاهل بجهله أنت تغرر به تجعله يتوهم العموم مع أن الحرمة لا تثبت إلا إذا علم أنه غير متجاهر بالفسق هنا تثبت الحرمة أما إذا لم يعلم ما يثبت لذلك يقول حتى يتحقق المخرج منه يعني المخرج للاستماع منه يعني من حرمة الغيبة لعموم الأدلة ـ عموم أدلة تحريم الغيبة ـ هذا الدليل الأول

وترك الاستفصال فيها البعض جعل هذا دليل ثاني ولكن هذا ملحق للدليل الأول يعني لماذا تثبت العموم لأنه الإمام ترك التفصيل وهو ـ ترك الاستفصال ـ في حرمة الاستماع دليل إرادة العموم يعني يحرم عموم الاستماع للغيبة مطلقا حذرا من الإغراء بالجهل، هذا حذرا من الإغراء بالجهل وجه أن ترك الاستفصال يدل على العموم، هذا تمام الكلام في الدليل الأول.

ماذا تقول يجوز للمستمع أن يستمع لأنه يقول يحتمل أن المتكلم له وجه صحيح إن قلت هذا يلزم أنه يجوز استماع جميع الغيبات ولا يجب ردع أي مغتاب لأن المستمع دائما يحتمل إن المتكلم والقائل قد اطلع على حيثية قد توجب له جواز الغيبة إلا إذا قطع المستمع أن المتكلم والقائل لا توجد لديه حيثية مجوزة للغيبة ولكن أكثر الموارد يكاد يحتمل المستمع أن المتكلم عنده وجه يصحح له الغيبة وبالتالي يجوزه سماع الغيبة وهذا يلزم منه هدم قاعدة النهي عن الغيبة بعد ما أحد ينهى عن الغيبة.

الدليل الثاني ولأن ذلك يعني جواز الاستماع الاحتمال أن المغتاب عنده وجه صحيح، لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع إذن السامع يقول ويرى أن المغتاب بالفتح لا يستحق الغيبة غير متجاهر لكنه يحتمل اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته وهي الغيبة ربما اطلع على تجاهره بالفسق وهو يعني جواز الاستماع بلحاظ وجود هذا الاحتمال هدم قاعدة النهي عن الغيبة[3] .

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يعلق يقول كلام الشهيد الثاني "رحمه الله" خلط بين مطلبين:

المطلب الأول وجوب نهي المغتاب عن المنكر وهذا من صغيرات وجوب النهي عن المنكر،

المطلب الثاني وجوب رد الغيبة وحرمة الاستماع فوجوب رد الغيبة يختلف عن النهي عن المنكر وجوب رد الغيبة يعني الانتصار للمغتاب بالفتح فالشيخ الأنصاري "أعلى الله مقامه الشريف" يشير إلى أن النسبة بين النهي عن المنكر وبين رد الغيبة هي نسبة العموم والخصوص من وجه فقد يلتقيان في مورد وقد يفترقوا كل منهما عن الآخر في مورد يخصه.

أما الأول وهو موطن افتراق وجوب النهي عن الغيبة مع وجوب رد الغيبة وحرمة السماع فهو كما لو كان المغتاب بالكسر لم يكن يرى أن المغتاب بالفتح متجاهر بل كان يرى أنه مستور واغتابه وكان المستمع يعلم بتجاهر المغتاب بالفتح فحينئذ يجوز للمستمع أن يسمع الغيبة ولا يجب عليه أن يرد الغيبة لأنها غيبة لمتجاهر بالفسق ولا غيبة لفاسق متجاهر فيجوز للمستمع أن يستمع الغيبة ولا يجب عليه أن ينتصر للمغتاب بالفتح لكن يجب عليه أن يردع المغتاب بالكسر وأن يرد على القائل لأن القائل يرى أن العيب مستور ولا يرى أن المعيوب متجاهر بالفسق وهذا منكر يجب على المستمع أن يرده

فرق بين نهي عن المنكر و بين وجوب رد الغيبة

فهنا افترق وجوب النهي عن المنكر مع وجوب رد الغيبة وحرمة الاستماع فلو اغتاب المغتاب وكان القائل يرى أن المعيوب مستور وكان المستمع يرى أن المعيوب متجاهر بالفسق فحينئذ يجب على المستمع رد المنكر لأن المغتاب قد جاء بمنكر إذ يعتقد أن المعيوب مستور وعلى الرغم من ذلك اغتاب ولكن يجوز للمستمع أن يستمع إلى الغيبة ولا يجب عليه أن ينتصر للمغتاب لأنه متجاهر بالفسق فهنا افترق وجوب النهي عن منكر الغيبة عن وجوب رد الغيبة والانتصار للمغتاب.

فرق بين وجوب رد الغيبة و وجوب رد منكر الغيبة

الموطن الثاني افتراق وجوب رد الغيبة عن وجوب رد منكر الغيبة كما لو اغتاب الصبي فإنه لكونه صبي فهو غير مكلف فلم يأتي بمنكر فلا يجب نهيه عن المنكر لأنه لم يأتي بمنكر هو غير مكلف ولكن يجب رد الغيبة والانتصار للمغتاب بالفتح لأنه مؤمن قد انتهكت حرمته فيجب الانتصار له ولا يجوز الاستماع لغيبته فحينئذ لا يجوز للشخص أن يستمع إلى غيبة الصبي ويجب عليه أن يرد الغيبة وينتصر للمغتاب بالفتح لكن لا يجب عليه أن يردع الصبي لأنه لم يأتي بمنكر ويجتمعان في غيبة المكلف للشخص المستور عند الاثنين فإنها غيبة محرمة فإن القائل الغيبة قد جاء بمنكر إذ هو يعتقد أن المعيوب مستور وكذلك المستمع يعتقد أن المعيوب مستور فيجب على المستمع أن ينهى القائل عن الغيبة والمنكر كما يجب على المستمع أن يرد الغيبة عن أخيه المغتاب بالفتح وينتصر له كما يحرم عليه الاستماع ـ استماع الغيبة ـ

عنوانان ينبغي عدم الخلط بينهما

إذن هناك عنوانان لا ينبغي الخلط بينهما العنوان الأول وجوب النهي عن منكر الغيبة وهو من صغريات وجوب النهي عن المنكر والعنوان الثاني وجوب رد الغيبة والانتصار لصاحبها وهو عنوان ملحق بأحكام الغيبة وبينهما عموم وخصوص من وجه قد يلتقيان وقد يفترق كل منهما عن الآخر في مورد يخصه إذا اتضح هذا المطلب يقول الشيخ الأنصاري إن الشهيد الثاني تمسك بالقول الذي حكاه تحت عنوان قيل وما هو هذا المورد؟ قال قيل لا يجب نهي القائل هذه العبارة لا يجب نهي القائل هل هي ناظرة إلى العنوان الأول وهو وجوب النهي عن المنكر أو هي ناظرة إلى العنوان الثاني وهو وجوب رد الغيبة وحرمة الاستماع من الواضح من هذه العبارة قيل لا يجب نهي القائل أنها ناظرة إلى العنوان الأول وجوب النهي عن المنكر

إذن القول الذي حكاه الشهيد الثاني كان ناظرا إلى العنوان الأول وجوب النهي عن المنكر لكن الشهيد الثاني انتقل من العنوان الأول وهو وجوب النهي عن المنكر إلى العنوان الثاني وجوب رد الغيبة أو عدم وجوب رد الغيبة والانتصار للمغتاب وجواز الاستماع وعدم جوازه والحال أن وجوب النهي عن الغيبة أجنبي عن بحث حرمة الاستماع وجواز الاستماع ووجوب الرد وعدم وجوب الرد وبالتالي قد يحرم على المستمع الاستعمال إلى الغيبة ويجب عليه رد الغيبة والانتصار للمغتاب ولكن لا يجب عليه أن ينهى المغتاب عن المنكر وهذا أصل موضوع بحثنا، إذا سمع مغتابا يغتاب آخر وهو لا يعلم أن المغتاب مستحق للغيبة أو لا متجاهر أو مستور ما يعلم هنا لا يجب النهي عن المنكر لأنه غير معلوم أنه قد جاء بمنكر فيحمل عمل المسلم على الصحة ولا يجب عليه أن ينهى عن المنكر ولكن هل يجوز له أن يستمع إلى هذه الغيبة وهل يجب عليه أن يرد هذه الغيبة قد يقال يحرم عليه أن يستمع لعموم أدلة حرمة الغيبة السامع أحد المغتابين فيمكن التفكيك بينهما.

تعليق الشيخ الأنصاري على كلام الشهيد الثاني، أقول والمحكي يعني ما حكاه الشهيد الثاني بقوله قيل صفحة 359 السطر قبل الأخير، قيل لا يجب نهي القائل هذا المحكي لا يجب نهي القائل هذه قيل لا يجب نهي القائل يقول الشيخ الأنصاري لا دلالة فيه على جواز الاستماع وإنما يدل على عدم وجوب النهي عنه ـ عن الغيبة ـ يعني يريد أن يقول الشيخ الأنصاري قوله قيل لا يجب النهي عن المنكر ليس ناظرا إلى جواز استماع الغيبة ووجوب رد الغيبة بل ناظر إلى عدم وجوب النهي عن المنكر وبين العنوانين فرق كبير.

أقول والمحكي بقوله قيل هذه القيل لا دلالة فيه لا تدل على عنوان جواز الاستماع إلى الغيبة ووجوب رد الغيبة وإنما يدل المحكي بقوله قيل على عدم وجوب النهي عنه ـ عن الغيبة ـ يعني عدم وجوب النهي عن منكر الغيبة سبحان الله تتوهم أنه يتحد عنوان وجوب النهي عن الغيبة ووجوب رد الغيبة سأذكر لك الفارق، يبين موطن الافتراق هذا إشارة إلى أن النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه،

قال ويمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة هذا العنوان الأول حينما قال لا دلالة فيه على جواز الاستماع يحرم عليه الاستماع مع فرض جوازها للقائل يعني مع افتراض جواز الغيبة للقائل لأن السامع أحد المغتابين فكما أن المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر المسوغ إذن هذا كلامه كله ناظر إلى العنوان الأول جواز سماع الغيبة وحرمة سماعها،

الآن يتكلم عن العنوان الثاني النهي عن المنكر قال وأما نهي القائل ـ نهي قائل الغيبة ـ فغير لازم يعني فغير واجب مع دعوى القائل العذر المسوغ يعني مع ادعاء قائل الغيبة وجود عذر مسوغ ومجوز للغيبة فإذا هو يدعي أنه عنده لا يجب نهي عن المنكر هو ما يعتقد أنه جاء بمنكر جاء بما هو جائز بل مع احتماله في حقه يعني بل مع احتمال وجود العذر المسوغ في حقه ـ في حق القائل ـ وإن اعتقد الناهي عدم التجاهر يعني وإن اعتقد الناهي يعني المستمع عدم التجاهر أن المغتاب بالفتح لم يكن متجاهرا، هذا كله يبين الفارق بين عنوان النهي المنكر الغيبة فإذا هو القائل يرى أنها عنده مسوغ هو لم يأتي بمنكر حتى يجب نهيه وبين عنوان رد الغيبة وحرمة الاستماع.

نعم في هذه الحالة يجتمعان الآن يشير إلى موطن الاجتماع ما هو موطن الاجتماع؟ يقول نعم لو علم ـ المستمع ـ عدم اعتقاد القائل بالتجاهر يعني عدم اعتقاد قائل الغيبة بتجاهر المغتاب بالفتح وجب ردعه يعني وجب ردع القائل لأنه جاء بمنكر فيجب ردعه فهنا يجتمع العنوانان وجوب ردعه عن المنكر ووجوب رد الغيبة.

بعد أن بين هذا الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يدخل في بحث أعمق يدخل في الغزال نقطتين:

النقطة الأولى أيهما أصح المستمع أحد المغتابين بالتثنية أو المستمع أحد المغتابين؟ الجواب قد يقال والله العالم إن التثنية أصح من الجمع لأن التنزيل في اللغة العربية تنزيل شيء مكان شيء عادة يكون بصيغة التثنية تقول القلم أحد اللسانين فتنزل القلم منزلة اللسان ولا يقال عادة القلم أحد الألسنة يكون من ناحية بلاغية التعبير ركيك فالغالب على التنزيل في صيغه العربية أن يكون بصيغة التثنية لا الجمع بناء على هذا يكون قولنا المستمع أحد المغتابين بالتثنية أصح من قولنا المستمع أحد المغتابين بالجمع.

المقدمة الثانية في الرواية الشريفة نزل المستمع منزلة القائل ومنزلة اللسان أي أن الأذن نزلت منزلة اللسان.

سؤال أذن المستمع نزلت منزلة لسان القائل الأجنبي أو أن أذن المستمع نزلت منزلة لسان نفسه، الرواية حينما قالت المستمع أحد المغتابين أو المغتابين يعني نزلنا السمع منزلة الغيبة نزلنا الأذن منزلة اللسان، سؤال أي لسان؟ لسان المغتاب أو لسان المستمع؟ يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول المستمع أحد المغتابين يعني ننزل الأذن منزلة لسان المغتاب وبالتالي توجد ملازمة إذا الغيبة جائزة السمع جائز إذا الغيبة محرمة الاستماع محرم لأننا نزلنا سمع وأذن المستمع بمنزلة لسان القائل والمغتاب بالتالي متى ما كانت الغيبة صحيحة كان السمع صحيحا ومتى ما كانت الغيبة محرمة كان الاستماع محرما فهنا يوجد تنزيل حكمي وليس تنزيلا موضوعيا يعني يوجد موضوعان مختلفان وهما اللسان والأذن وهما القول والسمع لكنهما اتحدا في الحكم حكمهما واحد إذا جاز اللسان جازت الأذن إذا جاز القول جاز السمع وإذا حرم القول حرم السمع، هذا التنزيل الأول تنزيل حكمي وهذا ينسجم مع حمل الرواية على التثنية المستمع أحد المغتابين بالتثنية يعني نزلنا حكم الاستماع منزلة حكم الغيبة، هذا الاحتمال الأول المعنى الأول التنزيل الأول تنزيل حكمي لا موضوعي.

الاحتمال الثاني يوجد تنزيل موضوعي يعني السمع كأنه قول أذن المستمع نزلت منزلة لسان المستمع أدعاء يعني توجد حكومة موضوعية يعني سمع المستمع كلسان المستمع فإذا اغتاب المستمع بلسانه يمكن أن يغتاب بسمعه هذا ينسجم مع الجمع المستمع أحد المغتابين يعني يغتاب حقيقة إما بلسانه أو يغتاب بسمعه هنا تنزيل موضوعي توسعة في الموضوع يعني الغيبة تكون بأدوات الأداة الأولى حقيقة الأداة الثانية ادعائية عنائية وهي السمع.

أذا لم يعلم أن المغتاب مستحق للغيبة أو لا؟

إذا تم الكلام في كلا الاحتمالين والتنزيلين نقول نرجع إلى صلب الموضوع وقبل ما قدمنا المقدمة من نقطتين ذكرنا لب بسيط وهو أن سمع المتكلم هل كلسان القائل أو كلسان نفسه، أصل مسألتنا إذا سمع أحد يغتاب آخر وهو لا يعلم أن المغتاب مستحق للغيبة أو لا فهل يجوز له أن يستمع أو لا؟

الجواب بناء على الاحتمال الأول التثنية المستمع للغيبة أحد المغتابين ونزلنا سمع المستمع بمنزلة لسان القائل فحينئذ إذا الغيبة جائزة يجوز له الاستماع إذا الغيبة محرمة يحرم عليه الاستماع ولا تفكيك في البين لأنه يوجد تنزيل حكمي حكم استماعه حكم قول غيره توجد ملازمة وأما بناء على الاحتمال الثاني لا توجد ملازمة لأن حكم سمعه حكم قول نفسه نزّلت أذن المستمع وسمعه بمنزلة لسان نفسه وقول نفسه وبالتالي قد يجوز للمتكلم أن يتكلم ويغتاب لأنه يرى أن المغتاب متجاهر بالفسق عنده ولكن لا يجوز للمستمع أن يستمع لأن المستمع عنده هذا مستور وليس متجاهرا فنفس المستمع ما يجوز له أن يغتابه لأنه مستور عنده وبالتالي لأنه مستور عنده ما يجوز أيضا ما يجوز له أن يستمع إلى هذه الغيبة.

الخلاصة

أذن المستمع هل هي كلسان المغتاب أو كلسان نفسه؟ إذا نزلنا أذن وسمع والمستمع منزلة لسان وقول القائل الأجنبي توجد ملازمة في الجواز والحرمة بين قول الغيبة والاستماع إليها وإذا نزلنا أذن وسمع المستمع منزلة كلام نفسه ففي هذه الحالة يجوز للمغتاب أن يغتاب ولكن لا يجوز للمستمع أن يستمع بل يحرم عليه.

الشيخ الأنصاري يقول خذ هذا يعني يوجد تفكيك بين وجوب النهي عن منكر الغيبة وبين وجوب رد الغيبة ولكن الأقوى الشيخ الأنصاري يرجح الاحتمال الأول المستمع أحد المغتابين فإذا هو الآن قال قد يحصل تفكيك يجوز للقائل أن يقول ويحرم للمستمع أن يستمع هذا بناء على التوجيه الثاني الشيخ الأنصاري يتراجع يوجه التوجيه الأول يقوي التوجيه الأول يقول لأن هذا ظاهر الرواية أحد المغتابين يستدل بدليلين الدليل الأول أصالة البراءة أولا نشك يجوز له أن يسمع الغيبة أو لا رفع عن أمتي ما لا يعلمون فأول دليل تمسك به الشيخ الأنصاري هو أصالة البراءة قد تشكل عليه الأصل أصيل حيث لا دليل وتوجد رواية الشيخ الأنصاري يقول هذه الرواية أنا ما مقبولة عندي مناقشة سندا ودلالة سندا هي مرسلة ضعيفة دلالة يوجد لها وجه ثاني وهو التوجيه الثاني أحد المغتابين التنزيل الموضوعي لكن الشيخ يرجح التنزيل الحكمي.

خذ هذا يعني قد يفترق وجوب النهي عن الغيبة عن حرمة الاستماع الغيبة فلا يجب النهي ولكن يحرم الاستماع ولكن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل يعني أذن المستمع منزلة منزلة لسان القائل لأنه ـ قول القائل ـ قول غير منكر لم يأتي بمنكر لأنه يرى ما يسوغ الجواز وهو كون متجاهر بالفسق فلا يحرم الإصغاء إليه ـ للأصل ـ هذه شبهة تكليفية هل يجوز الإصغاء إليه أو لا الأصل أصالة البراءة قد تقول لماذا تمسكت بالبراءة وهي أصل عملي ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة للدليل الفقاهتي الأصل أصيل حيث لا دليل يقول هذا الدليل عليل

قال والرواية على تقدير صحتها يعني أنا تمسك بالأصل لأن الرواية غير صحيحة ضعيفة السند لكن لو افترضنا سلمنا جدلا وتنزلنا وقولنا أنها صحيحة رواية المستمع للغيبة أحد المغتابين إن السامع للغيبة أحد المغتابين

يقول تدل على أن السامع لغيبة يعني أذن السامع كقائل تلك الغيبة يعني كلسان القائل إذن هذا تنزيل حكمي يعني حكم الاستماع حكم لسان الغير فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك عاصيا تصير الرواية دليلا على الجواز فيما نحن فيه يعني فتكون رواية إن السامع للغيبة أحد المغتابين دليلا على الجواز يعني دليل على جواز الاستماع فيما نحن فيه إذا سمع أحد يغتاب شخص آخر ولم يعلم أنه مستحق للغيبة أو لا بالتالي نحمل عمل المسلم على الصحة يعني يجوز له أن يغتاب إذا جاز له أن يغتاب يجوز لي أن استمع فصارت الرواية تدل على الجواز ما تدل على الحرمة هذا بناء على التوجيه الأول الحكمي نعم لو استظهر منها ـ من الرواية ـ أن السامع للغيبة يعني أذن السامع كأنه نفسه متكلم بها يعني كلسان نفسه هذا تنزيل موضوعي يعني الشخص الواحد له أداتان للغيبة الأداة الأولى حقيقية وهي لسانه الأداة الثانية ادعائية تنزيلية وهي أذنه إذن المدار على حاله ذلك اغتاب وعنده مسوق لكن أنت ما عندك مسوغ تحرم عليك الغيبة.

يقول نعم لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها فإن جاز للسامع التكلم بغيبة يعني هو نفسه إذا جاز له أن يتكلم بهذه الغيبة جاز سماعها من الغيب وإن حرم عليه ـ على السامع ـ التكلم بغيبة حرم سماعها أيضا يعني من الآخرين.

الجواب نعم لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها كانت الرواية على تقدير صحتها دليلا على التحريم فيما نحن فيه إذا سمع أحد يغتاب آخر ولم يعلم وجه الصحة هنا يجوز للمغتاب أن يغتاب لأنه قد يرى أنه متجاهر ولا يجوز للمستمع أن يستمع لأنه نفس المستمع لا يجوز له أن يغتاب بمثل هذه الغيبة لأن المغتاب بالفتح عنده مستور وليس متجاهرا.

لكنه خلاف الظاهر يعني تقدير أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها هذا خلاف الظاهر من الرواية يعني الصحيح تنزيل سمع السامع بمنزلة لسان المتكلم لا بمنزلة لسان نفسه لكنه خلاف من الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية، المغتابين بالتثنية هذه تحملها على التنزيل الحكمي لا التنزيل الموضوعي وإن كان هو الظاهر ـ أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها ـ هو الظاهر على تقدير وفرض قراءته بالجمع قراءة الرواية بالجمع السامع للغيبة أحد المغتابين لكن هذا التقدير يعني القراءة بالجمع خلاف الظاهر لأن ظاهر التعبير في الأمور التنزيلية أن يكون بالتثنية لا الجمع وقد تقدم في مسألة التشبيب ذكر المرأة بشعر التغزل بها بشعر أنه إذا شك السامع في حصول شرط حرمته ـ شرط حرمة التشبيب ـ قد يكون هو يتشبب بامرأة خيالية فبالتالي يجوز التشبيب يتغزل بامرأة خيالية أنه إذا شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه تجري البراءة الشرعية فراجع[4] ما ذكرناه في التشبيب، هذا تمام الكلام في حرمة استماع الغيبة ثم إنه الآن بيّن حرمة استماع الغيبة ووجوب النهي عن المنكر يقول ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة يأتي عليه الكلام.

 


[2] كشف الريبة ص64.
[3] كشف الريبه ص88.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo