< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث کفایة الاصول

41/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: كفاية الاصول/المقصد الاول، الاوامر /الفصل الثاني، المبحث الأول معنى صيغة الأمر

 

وهم ودفع[1]

 

خلاصة الدرس

انتهينا من بيان الجهة الرابعة من الفصل الأول من الأوامر وفي ختام هذه الجهة الرابعة يتطرق الشيخ الآخوند الخراساني "رحمه الله" إلى وهم ويدفعه ويكون به مسك الختام في الجهة الرابعة من الفصل الأول أي مادة الأمر وقبل بيان هذا الوهم ودفعه كان الشيخ الآخوند "رحمه الله" قد دفع الإشكال الذي توهم منه شبهة الجبر ولا بأس بشكل سريع أن نتطرق إلى الآراء الكلامية في فعل الإنسان والأقوال ثلاثة:

القول الأول قول الأشاعرة وهم المجبرة

القول الثاني قول معتزلة وهم المفوضة

القول الثالث قول الشيعة الإمامية وهم القائلون بالأمر بين الأمرين فلا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين

أما الأشاعرة فقد قالوا إن أفعال الإنسان مخلوقة لله وإن الله "عز وجل" يجبر الإنسان على أفعاله فأفعال الإنسان تستند إلى الله حدوثا وبقاء ابتداء واستمرارا فنشأ إشكال قبح عقاب العاصي وقبح استحقاق الثواب للمطيع لأن المطيع والعاصي مجبور على فعله بإرادة الله "عز وجل"

وفي مقابل المجبرة والأشاعرة ذهب المعتزلة إلى التفويض فالمفوضة يقولون إن الإنسان يحتاج إلى الله ابتداء لا استمرارا وإن الإنسان في فعله وقدرته يفتقر إلى الله ابتداء لا استمرارا فإن الله "عز وجل" قد خلق الإنسان وأعطاه القدرة أي أصل القدرة ثم فوضه فيما يفعل فالفعل من خير أو شر يستند إلى الإنسان لا يستند إلى الله وهذا هو الفارق بين المجبرة والمفوضة وهو فعل الإنسان

فهل فعل الإنسان يستند إلى الله أو يستند إلى الإنسان؟ قال المجبرة إن فعل الإنسان يستند إلى إرادة الله لا إلى إرادة الإنسان وقال المفوضة إن فعل الإنسان يستند إلى إرادة الإنسان لا إلى إرادة الله وقال الشيعة الإمامية إن فعل الإنسان يستند إلى كلتا الإرادتين إلى إرادة الله وإلى إرادة الإنسان معا

وقرب السيد الخوئي "رحمه الله" في درسه الأصولي وقد ورد في محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض وذكره السيد الخوئي أيضا في تفسير البيان هذا المثال وهو أنه لو شل الإنسان ولكن إذا اتصلت يده بسلك كهربائي استطاع أن يحرك يده فلو اتصل السلك الكهربائي باليد المشلولة وقام هذا الإنسان بالضرب فإن الضرب يسند إلى شيئين الأول الإنسان المحرك لليد الثاني السلك الكهربائي فكذلك أفعال الإنسان فإنها تستند إلى إرادتين في الخير والشر الإرادة الأولى إرادة الله "عز وجل" الذي أفاض عليه القدرة ابتداء واستمرارا والإرادة الثانية هي إرادة الإنسان

فتكون النتيجة النهائية هكذا أفعال الإنسان فرع إرادته وإرادة الإنسان فرع إرادة الله "عز وجل" والفارق بين الإرادتين في فعل الإنسان أن إرادة الله تفيض أصل القدرة وأما إرادة الإنسان فهي لا تفيض أصل القدرة وإنما توجه هذه القدرة التي أفاضها الله عليه تماما كما لو جلس الإنسان في سيارة أو طيارة ولم يستطع تحريكها وحركها دافع فإنه لو تحرك بالسيارة واصطدم بجدار فإن الاصطدام ينسب إلى الاثنين إلى دافع السيارة إذ هو مفيض للحركة وإلى من أمسك مقود السيارة إذ أنه وجه هذه الحركة ونحن ندرك بالوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان أن الإنسان مختار في أفعاله وليس مجبرا،

إذن يرى المجبرة أن الإنسان مجبور في أفعاله ابتداء واستمرارا ويرى المفوضة أن الإنسان مختار في أفعاله وأن الفعل يسند إلى العبد لا إلى الله ويرى الإمامية أن الفعل يسند إلى الاثنين إلى الله وإلى العبد لكن لا كما يقول الأشاعرة من الجبر وإنما الله "عز وجل" يفيض أصل القدرة والعبد يحرك هذه الإرادة بمقتضى اختياره فينسب الفعل إلى الاثنين إلى إرادة الله وإرادة الإنسان ولكن الإنسان مختار إذ بدون إفاضة أصل القدرة من الله لا يستطيع الإنسان أن يعمل شيئا ولكن الله "عز وجل" لم يقل للإنسان أعمل الشر حتى يقال إن الله قد أراد القبيح بل العبد هو الذي أراد القبيح بعد إقدار الله "عز وجل" له

فهذا أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين[2] ولا يفهم أن المراد بالأمر بين الأمرين يعني شيء من الجبر وشيء من التفويض كلا هو معنى آخر وهو معنى الطولية يعني إرادة الإنسان في طول إرادة الله لأن الاحتياج احتياج الممكن إلى الواجب ليس ملاكه الحدوث والقدم بل ملاكه الفقر والغناء والإنسان وسائر الممكنات فيها فقر ذاتي والفقر الذاتي معناه الاحتياج دائما وأبدا ابتداء واستمرارا حدوثا وبقاء،

هذا تمام الكلام في الرد على صاحب الكفاية إذ أنه قال إن العبد يعاقب ويثاب لا على استحقاقه للإتيان بالفعل وإنما على اختياره واختياره ناشئ من اللازم الذاتي واللازم الذاتي لا يعلل هذا نتيجته تكون الجبر هذا نتيجته معناه نسبة أفعال المكلف من طاعة ومعصية إلى الله "عز وجل" تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا هذا ينفي أن هناك إذن توبة واستحقاق للثواب واستحقاق للعقاب هذا خلاف ظاهر الآيات ﴿ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾[3] ظاهر الآيات والروايات أن الثواب والعقاب عل العمل وقد وضحنا السر في ذلك.

وهم ودفع

بيان الوهم يحتاج إلى بيان مقدمتين:

المقدمة الأولى إن الإرادة عين الطلب والطلب عين الإرادة كما يقول الشيعة الإمامية.

المقدمة الثانية إرادة الله بمعنى علمه بالصلاح فإرادة الله التشريعية يعني علمه بصلاح الفعل للمكلف إرادته التكوينية يعني علم الله بصلاح هذا الشيء للكون إذن معنى إرادة الله ليس هو الشوق الأكيد كما هو الحال بالنسبة إلى الإنسان بل معنى إرادة الله علمه بالصلاح وإرادة الله التشريعية يعني علم الله بصلاح الفعل للمكلف إذن مفاد المقدمة الثانية هكذا إرادة الله التشريعية تساوي علم الله بصلاح الفعل للمكلف.

النتيجة إذا أنشأ الله الطلب كما لو قال أقيموا الصلاة إنشاء الطلب معناه إنشاء الإرادة لأن الإرادة عين الطلب وإنشاء الإرادة معناه إنشاء العلم بالصلاح لأن إرادة الله هي عبارة عن علمه بالصلاح فتكون النتيجة إنشاء الطلب يعني إنشاء الإرادة التشريعية وإنشاء الإرادة التشريعية يعني إنشاء العلم بالصلاح وهذا لا يمكن الالتزام به الله "عز وجل" إذا انشأ الطلب إذا قال أقيموا الصلاة يصير ينشئ العلم بصلاح فعل الصلاة هذا يلزم منه نسبة الجهل إلى الله كيف ينشئ العلم بصلاح الأفعال كالصلاة.

لكنه وهم إذ أن المراد من دعوى العينية أن الإرادة عين الطلب وأن الإرادة عين علمه بالصلاح المراد الاتحاد الخارجي الاتحاد العيني لا الاتحاد المفهومي يعني في الخارج إرادة الله عين طلب وطلبه عين إرادته لا أن مفهوم إرادة الله هو عين مفهوم الطلب ومفهوم الطلب هو عين مفهوم الإرادة.

وهكذا حينما نقول إرادة الله متحدة هي عين العلم بالصلاح يعني في الخارج إرادة الله هي علم الله بالصلاح في الخارج لا أن مفهوم الإرادة التشريعية ولا أن مفهوم الإرادة هو نفس مفهوم العلم بصلاح الفعل إذا اتضح هذا التوضيح يتضح الجواب، الإشكال يقول إنشاء الطلب يعني إنشاء الإرادة وإنشاء الإرادة يعني إنشاء العلم بالصلاح وهذا محال على الله والجواب إنشاء الإرادة يعني إنشاء الطلب هذا غير صحيح لأن الكلام في إنشاء الإرادة وإنشاء الطلب الكلام في المفاهيم لا المصاديق حتى تحذف كلمة مكان الثانية كأن هناك ترادف فحينما نقول إن الإنشاء يدل على الطلب يعني يدل عليه مفهوما لا مصداقا لا أن الإنشاء هو عين الطلب خارجا المراد هنا الإنشاء هو عين الطلب مفهوما يعني الأمر الإنشائي من ناحية المفهوم طلب إنشائي.

ولذلك يقولون صفات الله عين ذاته وذاته عين صفاته فلو قلنا بالمغايرة خارجا لزم تعدد القدماء ولكن صفات الله متغايرة مفهوما صفة القادر غير صفة الرزاق وصفة العالم غير صفة الحي وصفة الحي غير صفة القيوم مفهوما لكنها متحدة مصداقا وخارجا في الخارج لا توجد ذات أضيف لها صفات زائدة لذلك يقول أمير المؤمنين "سلام الله عليه" في أول خطبة من نهج البلاغة يقول (أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه) ليس المراد نفي الصفات أبدا يعني الله ما له صفات هذا غلط الله له صفات حي قيوم تسعة وتسعون أسم ومن هذه الأسماء تنتزع الصفات نعم نفي الصفات عنه يعني نفي الصفات الزائدة عنه لأنك لو قلت بوجود صفات زائدة للذات الإلهية يلزم التركيب وتعدد القدماء.

 

تطبيق العبارة

وهم ودفع

لعلك تقول إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه ـ علم الله ـ بصلاح الفعل ـ بصلاح فعل المكلف ـ هذه المقدمة الثانية التي ذكرناها، لزم بناء على أن تكون عين الطلب، أسم تكون هو بناء على أن تكون الإرادة هي عين الطلب هذه هي المقدمة الأولى التي ذكرتها، صاحب الكفاية جعل الأولى ثانية والثانية أولى.

لعلك تقول إذا كانت الإرادة التشريعية من الله تعالى عين علم الله تعالى بصلاح الفعل هذه المقدمة الأولى، المقدمة الثانية لزم بناء على أن تكون الإرادة التشريعية لله عين الطلب هذه هي المقدمة الثانية لزم كون المنشئ بالصيغة يعني بصيغة الطلب أفعل، صلي، في الخطابات الإلهية هو العلم، كيف يلزم هو العلم؟ يصير إنشاء الطلب يساوي إنشاء الإرادة وإنشاء الإرادة يساوي إنشاء العلم بالصلاح قال وهو العلم، وهو بمكان من البطلان وهو كون المنشئ بصيغة الطلب في الخطابات الإلهية هو العلم بمكان من البطلان للزوم نسبة الجهل إلى الله "عز وجل" .

الجواب الدفع لكنك غفلت عن اتحاد الإرادة يعني الإرادة التشريعية مع العلم بالصلاح إنما يكون خارجا الاتحاد خارجي عيني وليس الاتحاد مفهومي لا مفهوما مفهوم الإرادة غير مفهوم العلم بالصلاة وقد عرفت في بداية هذه الجهة الرابعة من بحث مادة الأمر أن المنشأ يعني المنشأ بالطلب ليس إلا المفهوم لا الطلب الخارجي لا المصداق الخارجي يعني المنشأ ليس إلا مفهوم الطلب وليس مصداق الطلب الخارجي ولا غرو أصلا يعني ولا إشكال أصلا يعني ولا محذور أبدا، في اتحاد الإرادة والعلم عينا وخارجا بل لا محيص عنه يعني بل لابد من القول به عنه يعني اتحاد الإرادة والعلم عينا في جميع صفاته تعالى يعني جميع صفات الله هي عين ذاته وليست زائدة على الذات الإلهية لرجوع الصفات ـ الإلهية ـ إلى ذاته المقدسة ـ إلى ذات الله المقدسة ـ قال أمير المؤمنين (وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه)[4] المراد ليس نفي الصفات أبدا ونفي الصفات مطلقا بل المراد نفي الصفات الزائدة عنه، هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة وبها مسك الختام في الفصل الأول من الأوامر مادة الأمر أأمرك

 

الفصل الثاني

خلاصة الدرس

ثم يقع الكلام في الفصل الثاني، الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث يذكر عشرة مباحث.

في الفصل الأول ذكر أربع جهات مادة الأمر في صيغة الأمر يذكر عشرة مباحث.

لو رجعنا إلى علم المعاني من البلاغة العربية وسألناهم ما هو معنى صيغة أفعل لوجدناهم قد عددوا مجموعة من المعاني الطلب التمني، الترجي، الإنذار، الإهانة، الاحتقار ما شاء الله من المعاني التي ذكروها.

صاحب الكفاية "رحمه الله" يقول هذا الكلام غير صحيح صيغة الأمر ليست موضوعة لهذه المعاني المتعددة، صيغة الأمر وضعت لشيء واحد وهو الطلب الإنشائي لا الطلب الحقيقي يعني إنشاء الطلب حينما أقول صوّر يعني انشأ هذا الطلب أطلب منك أن تصورني، استمع أطلب منك أن تستمع، أدرك أطلب منك أن تدرس فصيغة أفعل موضوعة للطلب الإنشائي للطلب الإيقاعي وما ذكر من سائر المعاني إنما هو دواعي فأحيانا أجدك غافلا ومهملا لدرسك وأقول فلان ادرس فصيغة افعل أدرس تدل على الطلب الإنشائي يعني إيقاع وإنشاء طلب الدراسة ولكن بداعي التوبيخ هنا أدرس بداعي التوبيخ وأحيانا قد يكون بداعي الاستهزاء يعني هذا فلان ما يفهم، فلان أدرس أدرس، فهنا أيضا طلب إنشاء الدراسة ولكن بداعي التحقير أو الاستهزاء.

خلاصة المطلب في المبحث الأول صيغة الأمر موضوعة لشيء واحد وهو إنشاء الطلب والمعاني التي ذكرت له إنما هي دواعي، الدواعي التي تدعو الإنسان لإيقاع الطلب وإنشاء الطلب ولا تقل إن صيغة الأمر قد وضعت للطلب الحقيقي فيكون استخدام صيغة الأمر في هذه المعاني من تمني والترجي يكون استعمالا مجازيا لأن الاستعمال الحقيقي استعمال اللفظ فيما وضع له والاستعمال المجازي استعمال اللفظ في غير ما وضع له فإذا قلت إن صيغة الأمر قد وضعت للطلب الحقيقي فإذا استعملت في غير الطلب الحقيقي كالتمني والترجي صار الاستعمال استعمالا مجازيا.

يقول صاحب الكفاية لا تقل إن صيغة الأمر موضوعة للطلب الحقيقي بل قل موضوعة للطلب الإنشائي الطلب الإيقاعي بداعي الطلب فإذا استعملت صيغة الأمر في الطلب الإنشائي بداعي الطلب صار الاستعمال استعمالا حقيقيا وأما التمني والترجي وغير ذلك فليست هي معاني أخرى لصيغة الأمر بل هي دواعي أخرى.

ثم يأتي إلى قوله إيقاظ والكلام هو الكلام في الإيقاظ لما يقول إيقاظ تنبيه يعني تفريع على ما تقدم يقول الكلام هو الكلام في سائر الصيغ غير صيغة الأمر يعني عندنا صيغة للاستفهام عندنا صيغة للتمني عندنا صيغة للترجي عندنا صيغة للتعجب نأتي إلى الاستفهام، قد يقال الاستفهام له معاني عديدة المعنى الأول طلب الفهم، المعنى الثاني التهديد، المعنى الثالث التقرير وهكذا، يقول صاحب الكفاية لا تقل إن الاستفهام قد وضع للاستفهام الحقيقي بل قل لإنشاء الاستفهام أو قل الاستفهام الإنشائي والإيقاعي.

يقول صاحب الكفاية لا تقل إن صيغة التعجب قد وضعت للتعجب الحقيقي بل قل لإنشاء التعجب أو للتعجب الإنشائي والإيقاعي والمعاني الأخر لصيغة التعجب هي دواعي أخر وليست معاني أخر إذن كما أن صيغة الطلب ليست موضوعة للطلب الحقيقي بل موضوعة للطلب الإنشائي والمعاني الأخر دواعي لصيغة الطلب كذلك صيغة الاستفهام ليست موضوعة للاستفهام الحقيقي بل للاستفهام الإنشائي والإيقاعي وسائر المعاني إنما هي دواع للاستفهام الإنشائي وكذلك صيغة التعجب ليست موضوعة للتعجب الحقيقي بل للتعجب الإنشائي والإيقاعي والمعاني الأخرى لصيغة التعجب إنما هي دواع للتعجب الإنشائي وهكذا بالنسبة إلى التمني وصيغة التمني لا تقل إن صيغة التمني قد وضعت للتمني الحقيقي بل قل صيغة التمني وضعت للتمني الإنشائي يعني إنشاء التمني، إيقاع التمني وإيقاع التمني قد يكون لدواعي متعددة وهكذا لا تقل صيغة الترجي موضوعة للترجي الحقيقي بل قل إن صيغة الترجي موضوعة للترجي الإنشائي والإيقاعي أي إن صيغة الترجي مثل لعل موضوعة لإنشاء الترجي موضوعة لإيقاع الترجي إيقاع الترجي إما بداعي الترجي الحقيقي هذا الاستعمال الحقيقي وإما بداعي آخر كالاستهزاء وغير ذلك.

النتيجة النهائية في المبحث الأول من صيغة الأمر وهو البحث عن معاني صيغة الأمر وهو أن صيغة الأمر لها معنى واحد لا شريك له وهو إنشاء الطلب لا الطلب الحقيقي نعم إنشاء الطلب بداعي الطلب الحقيقي هذا الاستعمال الحقيقي وإنشاء الطلب بداعي الترجي أو التمني أو الاستفهام أو غير ذلك هذا هو الاستعمال المجازي، هذا الكلام في صيغة الطلب وفي صيغة الأمر سيال في سائر الأدوات كصيغة التمني وصيغة الترجي وصيغة الاستفهام وما شاكل ذلك.

يقول صاحب الكفاية ومن هذا الكلام من هذا الإيقاظ يتضح الجواب على شيخنا الأعظم الأنصاري، الشيخ الأنصاري في الرسائل عندما تكلم عن لفظ لعل قال لعل انسلخت من معناها الحقيقي وانسلخت من معنى الترجي لأنه ورد في الآية نسبة لعل إلى الله "عز وجل" فإذا تنسب الترجي والإنسان يترجى إذا كان غير قادر الإنسان يستفهم إذا كان غير عالم والإنسان يترجى ويتمنى إذا كان غير قادر فنسبة الترجي حقيقة إلى الله معناه نفي القدرة عنه كما أن نسبة الاستفهام الحقيقي إلى الله معناه نسبة الجهل إليه لأن المستفهم حقيقة إنما يستفهم عن جهل، يقول صاحب الكفاية يلزم نسبة الجهل والعجز إلى الله إذا قلنا صيغة الاستفهام موضوعة للاستفهام الحقيقي لكن إذا قلنا صيغة الاستفهام موضوعة لإنشاء الاستفهام وإنشاء الاستفهام له دواعي أخرى كالتهديد فهذا لا يلزم منه نسبة الجهل إلى الله.

وهكذا لو قلت لعل موضوعة للترجي الحقيقي هنا صحيح مشكل يلزم نسبة العجز إلى الله ومن هنا اضطر الشيخ الأنصاري أن يقول لفظ لعل انسلخ عن معنى الترجي، صاحب الكفاية يقول لم ينسلخ لفظ لعل موضوع لإيقاع الترجي موضوع لإنشاء الترجي ولكن الداعي يختلف الله "عز وجل" أنشأ الترجي لا لداعي الترجي الحقيقي حتى تنسب العجز إليه بل بداعي آخر.

 

تطبيق العبارة

الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث عشرة:

الأول في معنى صيغة الأمر إنه ربما يذكر للصيغة يعني لصيغة أفعل صيغة الأمر، معان قد استعملت فيها يعني قد استعملت صيغة الأمر في هذه المعاني وهذا يذكر في علم المعاني في البلاغة العربية، وقد عد منها الترجي الآن نذكر أمثلة صاحب الكفاية لم يذكر أمثلة اللطيف في كتاب منتهى الدراية للسيد المروج "رحمه الله" ذكر هذه المعاني المتعددة وأيضا الشيخ الإيرواني ذكر هذه الآيات المتعددة موجود في الطبعة القديمة منتهى الدراية[5] الجزء الأول صفحة 433.

الأول إنه ربما يذكر للصيغة معان أنهاها بعضهم إلى نيف وعشرين قد استعملت فيها وقد عد منها الترجي والتمني مثل قول امرئ القيس ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا والتهديد كقوله تعالى ﴿أعملوا ما شئتم﴾[6] أعملوا صيغة فعل لكن للتهديد، والإنذار كقوله تعالى ﴿قل تمتعوا﴾[7] والإهانة كقوله تعالى ﴿ذق إنك أنت العزيز الحكيم﴾[8] ذق هذا فعل أمر لكن للإهانة، والاحتقار كقوله تعالى ﴿بل ألقوا ما أنتم ملقون﴾[9] كلام موسى عليه السلام للسحرة والتعجيز كقوله تعالى ﴿فأتوا بصورة من مثله﴾[10] والتسخير كقوله تعالى ﴿كونوا قردة خاسئين﴾[11] إلى غير ذلك من المعاني مثل التسوية كقوله تعالى اصبروا أو لا تصبروا يعني سواء أو الدعاء كقوله تعالى ﴿اللهم أغفر لي﴾[12] أو التكوين كقوله تعالى ﴿كن فيكون﴾[13] إلى غير ذلك من المعاني وهذا كما ترى يعني وهذا باطل وهذا غير صحيح ضرورة إن الصيغة يعني صيغة فعل الأمر ما استعملت في واحد منها من هذه المعاني الترجي والتمني إلى آخره بل لم تستعمل الصيغة إلا في معنى واحد وهو إنشاء الطلب لم تستعمل هذه الصيغة إلا في إنشاء الطلب ولو قال إلا في الطلب الإنشائي أو الطلب الإيقاعي لكان أفضل لأنه تقدم من صاحب الكفاية في المقدمات قال إن الإنشاء والإخبار ليسا داخلين في المعنى المستعمل فيه كما أن اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي ليسا داخلين في المعنى المستعمل فيه كذلك الإنشاء والإخبار ليسا داخلين فإذا قال هو إنشاء الطلب يعني صار الإنشاء داخل الأصح أن يقول الطلب الإنشائي الطلب الإيقاعي يعني الطلب الذي يوقع الطلب الذي ينشأ والأمر سهل، بل لم تستعمل يعني صيغة الأمر إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك يعني إلى إنشاء الطلب كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يعني إنشاء الطلب بداعي التحريك والبعث بداعي الطلب فيكون الاستعمال حقيقي يكون أخرى يعني يكون تارة أخرى أحد هذه الأمور كما لا يخفى، أحد هذه الأمور يعني هذه المعاني الترجي والتمني والتهديد والإنذار.

قصارى ما يمكن أن يدعى أن كون الصيغة ـ صيغة الأمر ـ موضوعة لإنشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك هذا الاستعمال الحقيقي لا بداعي آخر منها من المعاني كالترجي والتمني فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقيا يعني فيكون إنشاء الطلب بها يعني بداعي البعث والتحريك بعثا حقيقة يعني استعمال حقيقي وإنشائه بها يعني ويكون إنشاء الطلب بها يعني بداعي البعث والتحريك تهديدا مجازا وإنشاءه بها يعني بالمعاني الترجي والتمني والتهديد.

وهذا غير كونها، وهذا يعني واستعمال صيغة الطلب استعمال صيغة الأمر في التهديد مجازا غير كونها يعني يختلف عن كونها كون صيغة الأمر مستعملة في التهديد وغيره وغير التهديد كالترجي والتمني فلا تغفل يعني يريد أن يقول صيغة الأمر ليس لها معاني متعددة كالتهديد والطلب والتمني والترجي صيغة الأمر لها معنى واحد وهو الطلب الإنشائي والإيقاعي والباقي كالتهديد والتمني إنما هي دواعي إذا تم الكلام في صيغة الأمر هذا الكلام الذي جرى في صيغة الأمر يجري أيضا في بقية الصيغ كصيغة الاستفهام وصيغة التمني والترجي.

إيقاظ لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الأمر إن صيغة الأمر موضوعة للطلب الإنشائي واختلاف المعاني إنما هو باختلاف الدواعي فالمعاني هي دواعي جار أيضا في سائر الصيغ الإنشائية، الصيغ الإنشائية مثل التمني والترجي والاستفهام إلى آخره فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام بصيغها يعني بصيغ التمني والترجي أو الاستفهام تارة يكون الداعي هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يعني ثبوت صفة التمني حقيقة ثبوت صفة التمني أو الترجي أو الاستفهام حقيقة يكون الداعي غيرها أخرى يعني تارة أخرى يعني كما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون أيضا الداعي غيرها يعني غير هذه الصفات حقيقة تارة أخرى، إذن الأداة لا تقل إن أداة التمني موضوعة للتمني الحقيقي بل قل أداة التمني موضوعة للتمني الإنشائي لا تقل صيغة الترجي موضوعة للترجي الحقيقي بل قل صيغة الترجي موضوعة لإنشاء الترجي لا تقل إن صيغة الاستفهام موضوعة للاستفهام الحقيقي بل قل إن صيغة الاستفهام موضوعة لإنشاء الاستفهام إذا تم هذا رب العالمين إذا يستعمل صيغة الاستفهام لا يلزم منه نسبة الجهل إليه متى يلزم منه نسبة الجهل إليه؟ إذا قلنا أداة الاستفهام موضوعة للاستفهام الحقيقي والباري "عز وجل" استخدم الاستفهام الحقيقي وتعالى عن ذلك فيلزم منه نسبة الجهل إليه لكن إذا قلنا صيغة الاستفهام موضوعة لإنشاء الاستفهام بداع آخر

فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها يعني صيغ التمني أو الترجي أو الاستفهام، عنها يعني عن التمني والترجي والاستفهام، عنها يعني عن صيغها، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها يعني صيغ التمني والترجي أو الاستفهام، عنها ـ عن هذه الصيغ ـ واستعمالها في غيرها يعني واستعمال صيغ التمني أو الترجي والاستفهام في غيرها يعني في غير التمني أو الترجي أو الاستفهام إذا وقعت في كلامه تعالى هذا تعريض بكلام الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول[14] الجزء الأول صفحة 277 ويمكن مراجعة حاشية الشيخ الآخوند المصنف على فرائد الأصول[15] صفحة 67.

قال الشيخ الأنصاري في الرسائل إن لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجي ظاهرة في كون مدخولها محبوبا للمتكلم فقال بانسلاخ لعل عن معنى الترجي، هو يقول لا لم تنسلخ، لعل لم تستخدم في الترجي الحقيقي حتى يلزم منه نسبة التعجيز إلى الله بل لعل استخدمت في الترجي الإنشائي في إنشاء الترجي وإيقاع الترجي بداعي المحبوبية.

يقول فلا وجه للالتزام وهو الذي التزم به الشيخ الأنصاري فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في غيرها إذا وقعت ـ هذه الصيغ صيغة التمني أو الترجي أو الاستفهام في كلامه تعالى ـ لاستحالة مثل هذه المعاني يعني التمني والترجي والاستفهام في حقه تبارك وتعالى، لماذا تستحيل؟ يقول مما لازمه العجز أو الجهل يعني مما لازمه ـ لازم هذه المعاني ـ العجز أو الجهل العجز هذا لازم إلى التمني والترجي الجهل هذا لازم للاستفهام وأنه لا وجه هذا وأنه لا وجه تأكيد فلا وجه للالتزام طالة العبارة كرر وأنه لا وجه، وأنه لا وجه له يعني لا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في غيرها فإن المستحيل إنما هو الحقيقي منها يعني إنما هو الحقيقي من التمني أو الترجي أو الاستفهام إذا قلت إنها موضوعة للاستفهام الحقيقي للترجي الحقيقي للتمني الحقيقي لا الإنشائي الإيقاعي يعني لا التمني الإنشائي الإيقاعي لا الاستفهام الإنشائي الإيقاعي لا الترجي الإنشائي الإيقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة يعني قصد حصول التمني أو الترجي أو الاستفهام بالصيغة يعني بصيغة التمني أو الترجي أو الاستفهام كما عرفت ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها يعني قد استعملت صيغ التمني أو الترجي أو الاستفهام في معانيها الإيقاعية الإنشائية أيضا يعني ولم تستعمل في الاستفهام الحقيقي والتمني الحقيقي والإنشاء الحقيقي قال أيضا يعني أيضا كما استعملت صيغة الأمر في الطلب الإنشائي الإيقاعي ولم تستعمل صيغة الأمر في الطلب الحقيقي ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها، استعملت نائب الفاعل هو الصيغ الإنشائية هذه عرفناها من بداية الإيقاظ،

يقول إيقاظ لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغ الأمر جار في سائر الصيغ الإنشائية هنا الآن يعود على هذه الصيغ الإنشائية ففي كلامه تعالى قد استعملت يعني الصيغ الإنشائية من تمني وترجي واستفهام في معانيها يعني معاني الصيغ الإنشائية الإيقاعية الإنشائية لا لإظهار ثبوتها حقيقة يعني لإظهار ثبوت معاني التمني والترجي والاستفهام حقيقة بل لأمر آخر يعني بل لداعي آخر حسب ما تقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإنكار أو التقرير إلى غير ذلك من المعاني مثل ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾[16] الإنكار مثل ﴿أتعبدون ما تنحتون﴾[17] ﴿أفأصفاكم ربكم بالبنين﴾[18] المحبة مثل ﴿لعلكم تفلحون﴾[19] ﴿لعلكم تتقون﴾[20] ومنه ظهر من أن الصيغ الإنشائية موضوعة للطلب الإنشائي للمعنى الإنشائي لا للاستفهام حقيقة أو التمني حقيقة ومنه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغ الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا أي أن صيغة الاستفهام موضوعة للاستفهام الإنشائي والإيقاعي وليست موضوعة للاستفهام حقيقة، هذا تمام الكلام في المبحث الأول، المبحث الثاني يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo