< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث کفایة الاصول

41/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: كفاية الاصول/المقصد الاول، الاوامر /المبحث الرابع والخامس فيما يتعلق بصيغة الأمر

 

المبحث الرابع أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون.[1]

 

خلاصة الدرس

انتهينا من المباحث الثلاثة الأولى من الفصل الثاني من الأوامر الذي يبحث عن صيغة فعل الأمر أو صيغة الأمر المبحث الرابع مفاده هكذا تقدم فيما سبق أن مادة الأمر وكذلك صيغة الأمر موضوعان للوجوب فمادة الأمر وصيغة الأمر حقيقة في الوجوب ولكن لو أنكر منكر هذه الحقيقة وأنكر الوضع وقال إن التبادر الذي جعلتموه علامة الحقيقة لم يحصل عندي أو حصل عندي لكني لا أسلم أن التبادر علامة الحقيقة إذن أنكر أن صيغة الأمر حقيقة وموضوعة للوجوب فهل يمكن الالتزام بأن صيغة الأمر أفعل ظاهرة في الوجوب أو لا هذا ما عقد له الآخوند الخراساني "رحمه الله" المبحث الرابع.

قيل إن الصيغة ظاهرة في الوجوب لأحد أمور ثلاثة قد ناقشها ونفاها المحقق الخراساني "رحمه الله":

الأمر الأول كثرة الاستعمال

الأمر الثاني غلبة الوجود الخارجي للوجوب

الأمر الثالث الوجوب أكمل من الاستحباب

فهذه الأمور الثلاثة قد يدعى أنها توجب انصراف صيغة فعل الأمر إلى الوجوب فتكون صيغة فعل الأمر ظاهرة في الوجوب أما الأمر الأول وهو كثرة الاستعمال يعني صيغة الأمر افعل كما تستعمل في الوجوب أيضا تستعمل في الاستحباب ولكن كثر استعمال صيغة الأمر في الوجوب فأصبح الوجوب ومعنى الوجوب أسرع انسباقا من لفظ صيغة الأمر.

وفيه كما أن استخدام صيغة الأمر في الوجوب كثير فكذلك استعمال صيغة فعل الأمر في الاستحباب أيضا كثير ونحن لا نسلم أن استخدام صيغة فعل الأمر في الوجوب أكثر من الاستحباب فلا وجه للانصراف.

وأما السبب الثاني وهو غلبة وجود الوجوب فنحن لا نسلم أن الأحكام الواجبة أكثر من الأحكام المستحبة بل قد يدعى العكس أو التساوي فيقال إن الأحكام المستحبة كثيرة كما أن الأحكام الواجبة كثيرة وربما يدعى أن الأحكام المستحبة أكثر وجودا في الفقه الإسلام من الأحكام الواجبة على أنه لو سلمنا أن الوجوب وجوده غالب والاستحباب وجوده مغلوب فإن غلبة الوجود الخارجي لا تشكل منشأ صحيحا للانصراف فالانصراف الناشئ من غلبة الوجود الخارجي ليس بحجة.

إلى هنا أتضح أن السبب الأول والثاني لدعوى الانصراف أو لدعوى الظهور ليس بسبب تام يبقى الكلام في السبب الثالث وهو دعوى الأكملية لأن الوجوب طلب شديد والاستحباب طلب ضعيف ومن الواضح أن الطلب الشديد والأكيد أكمل من الطلب الضعيف ولذلك نجد إن الطلب الشديد والقوي وهو الوجوب لا يحتاج إلى مؤنة زائدة بخلاف الطلب الضعيف فإنه يحتاج إلى مؤنة زائدة فإن الاستحباب عبارة عن طلب لكن هذا الطلب محدد ومقيد بجواز الترك فالطلب الاستحبابي كقوله اغتسل للجمعة يقيد ويمكن أن تترك هذا الغسل فالطلب الاستحبابي مقيد بجواز الترك

وأما الطلب الوجوبي لا حاجة لتقييده بعدم جواز الترك فمقدمات الحكمة إذا انعقدت وهي أن المتكلم أولا حكيم وثانيا في مقام بيان تمام مراده الجدي فإذا قال اغتسل للجمعة وسكت فإن مقتضى إطلاقه كون غسل الجمعة مطلوبا على كل حال ولو كان المتكلم يرى جواز ترك غسل الجمعة لنص على ذلك وقال لكنك مرخص في تركه وحيث لم ينص وهو في مقام البيان فهذه القرينة العرفية وهي قرينة الحكمة تدل على أن اللفظ ـ لفظ الصيغة ـ اغتسل أفعل يحمل وينصرف إلى الوجوب بل هو ظاهر في الوجوب،

إذن يقول الشيخ الآخوند "رحمه الله" مقتضى مقدمات الحكمة هو حمل صيغة فعل الأمر على الوجوب لا الاستحباب وأما دعوى أن الأكملية توجب ظهور صيغة فعل الأمر في الوجوب فهذا ليس بتام لأن الظهور عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ وشدة الانسباق تتوقف على قوة العلاقة وشدة العلاقة بين اللفظ والمعنى ومن الواضح أن الأكملية لا تولد هذا الاشتداد والالتصاق بين اللفظ والمعنى فلو قال المولى اعتق رقبة وسكت فهل يقال إن المراد بالرقبة هو المعنى الأكمل للرقبة وهي الرقبة المؤمنة العالمة المتعبدة المتهجدة واذكر ما شاء الله من صفات العبد الكامل لا يتبادر إلى الذهن العبد الكامل لأنه لا يوجد انسباق ولا يوجد التصاق بين لفظ العبد ومعنى كمال العبد إذن الظهور نتيجة الانسباق والتبادر والانسباق نتيجة العلاقة القوية والارتباط الوثيق بين اللفظ والمعنى بحيث يكون اللفظ وجها للمعنى ودليلا على المعنى ومن الواضح أن الأكملية لا توجب أن يكون اللفظ وجها للمعنى كما أن الأكملية لا توجب أن يكون اللفظ عنوانا للمعنى بحيث بمجرد أن تسمع اللفظ يتبادر إلى ذهنك ذلك المعنى، النتيجة النهائية الأسباب الثلاثة التي أدعي أنها أسباب للظهور وأن صيغة فعل الأمر ظاهرة في الوجوب، السبب الأول كثرة استعمال صيغة فعل الأمر في الوجوب، السبب الثاني غلبة وجود الوجوب في الأحكام الشرعية، السبب الثالث كون الوجوب هو الفرد الأكمل من الطلب دون الاستحباب الذي هو الفرد الأضعف من الطلب اتضح أن هذه الأسباب الثلاثة ليست تامة إذن بناء على ذلك أولا لا تكون صيغة الأمر موضوعة وحقيقة في الوجوب فهذا ما تم إنكاره في أول البحث واتخذناه أصلا موضوعيا.

وثانيا صيغة فعل الأمر ليست ظاهرة في الوجوب إذن كيف نحمل صيغة فعل الأمر على الوجوب، نلتزم بما التزم به صاحب المعالم الشيخ حسن بن الشهيد الثاني إذ التزم أن صيغة فعل الأمر إذا جاءت ولا توجد قرينة تدل على الوجوب ما يحملها على الوجوب ولا على الاستحباب ما يحملها على الوجوب إلا إذا وجدت قرينة تدل على الوجوب نظرا لكثرة استخدام صيغة فعل الأمر في المستحبات.

صاحب الكفاية يقول بل نحمل صيغة فعل الأمر على الوجوب لا لأن صيغة فعل الأمر موضوعة للوجوب ولا لأن صيغة فعل الأمر ظاهرة في الوجوب بل لمقدمة وقرينة عرفية وهي مقدمات الحكمة فإن المتكلم حكيم وهو في مقام بيان تمام مراده الجدي والواقعي ولو كان لبان ولو كان يرى جواز الترك لنص على ذلك وحيث لم ينص إذن لم يرد فإذا لم يورد الاستحباب فهو يريد الوجوب ثم قال فافهم قوله فافهم لعله إشارة إلى أن قرينة مقدمات الحكمة إنما هي قرينة عرفية وليست قرينة عقلية دقية وتحليل الوجوب والمستحب إلى شقين وهو أن المستحب هو طلب زائد جواز الترك والفعل والوجوب هو عبارة عن طلب زائد عدم جواز الترك هذا تحليل عقلي إذ ورد فيه أمور عدمية والأمور العدمية هي من الملاحظات الذهنية لا الخارجية إذن أصل دعواك أن القرينة العرفية وهي مقدمات الحكمة تدل على الوجوب والوجوب الذي جئت به ليس عرفيا وإنما هو عبارة عن أمور تحليلية عقلية تحتاج إلى دقة لا يلتفت إليها العرف.

 

تطبيق العبارة

المبحث الرابع إنه ـ إن الشأن ـ إذا سلم أن الصيغة إذا سلم يعني اتخذناه أصلا موضوعيا، أن الصيغة صيغة فعل الأمر لا تكون حقيقة في الوجوب يعني لا تكون موضوعة في الوجوب وهذا ما تم بحثه في المبحث الثاني، المبحث الثاني في أن الصيغة حقيقة في الوجوب أو الندب، هناك أثبت صاحب الكفاية أن الصيغة حقيقة في الوجوب لذلك هنا لم يقبل أنها ظاهرة ولم يقبل بمقدمات الحكمة ناقش فيها فلو تم الإنكار المبحث الثاني ولذلك هذا المبحث الرابع لو جعله المبحث الثاني كان أفضل.

المبحث الرابع أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ـ صيغة فعل الأمر ـ ظاهرة فيه ـ في الوجوب أيضا يعني كما لا تكون حقيقة فيه أو تكون يعني أو تكون الصيغة ظاهرة في الوجوب إذا لم تكن حقيقة في الوجوب.

الجواب قيل بظهورها فيه قيل بظهور الصيغة في الوجوب لأحد أسباب ثلاثة السبب الأول إما لغلبة الاستعمال فيه أي إما لغلبة استعمال صيغة الأمر فيه ـ في الوجوب ـ السبب الثاني أو لغلبة وجوده أو لغلبة وجود الوجوب يعني في الفقه فهو موجود بشكل أكثر في الفقه من الاستحباب، السبب الثالث أو أكمليته يعني اكملية الوجوب من الاستحباب لأن الوجوب عبارة عن طلب شديد والاستحباب عبارة عن طلب ضعيف والشديد أكمل من الضعيف

ثم يعلق صاحب الكفاية والكل كما ترى يعني والكل باطل يعني كل ضعيف واهن كما ترى، يجيب عليهم واحدا واحدا على الأسباب الثلاثة السبب الأول غلبة الاستعمال في الوجوب ضرورة أن الاستعمال في الندب، السبب الثاني وكذا يعني وأيضا وجوده يعني وجود الندب في الفقه ليس بأقل يعني ليس بأقل من الوجوب لو لم يكن بأكثر يعني لو لم يكن الاستعمال في الندب أو وجود الندب أكثر من الواجب، السبب الثالث وأما الاكملية فغير موجبة للظهور أصلا لا تقتضي الظهور وهذا المفروض هي الموجبة للظهور يعلق حتى على الثاني غلبة الوجوب ليست يعني السبب الأول غلبة الاستعمال لا ننكر الكبرى فهو يوجب الظهور وإنما ننكر الصغرى ننكر أن استعماله غالب وأما الثاني والثالث فننكر الكبرى فضلا عن الصغرى من قال إن غلبة الوجود أو الأكملية توجب الظهور لا نسلم به وأما الأكملية فغير موجبة للظهور إذ الظهور لا يكاد يكون يعني لا يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى يعني توجد علاقة شديدة بين اللفظ والمعنى فيحصل الأنس بحيث متى ما سمعت اللفظ تبادر المعنى بحيث يصير وجها له يعني بحيث يصير اللفظ وجها له ـ وجها للمعنى ـ ومجرد الأكملية لا يوجبه يعني لا يوجب الظهور، لا يوجب ظهور اللفظ في المعنى كما لا يخفى

نعم يقول نحن هنا لم نستند إلى هذه الأسباب ولكن قد يقال إن مقدمات الحكمة توجب استظهار الوجوب يعني مقتضى إطلاق الصيغة مقتضى الإطلاق هو الحمل على الوجوب ببكرة مقدمات الحكمة لا أن نقول إن الصيغة ظاهرة في الوجوب كلا وألف كلا بل مقتضى إطلاق الصيغة وعدم تقيدها هو حمل الصيغة المطلقة على الوجوب

نعم فيما كان الآمر بصدد البيان وفي مقام بيان مراده الواقعي فقضية يعني فمقتضى مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب يعني حمل صيغة فعل الأول على الوجوب فإن الندب ـ المستحب ـ كأنه يحتاج إلى مؤنة بيان التحديد يعني تحديد نوع هذا الطلب هل هذا الطلب يجوز تركه أم لابد من امتثاله، كأنه يحتاج إلى مؤنة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك يعني لا مانع من الترك هذا عدم المنع من الترك هذا المعنى العدمي هذا موجود في الذهن فهذا من المعاني العقلية الأمور العدمية المعاني العقلية لا العرفية بخلاف الوجوب فإنه ـ الوجوب ـ لا تحديد فيه للطلب يعني يحدد بأنه يجوز عدم المنع من الترك ولا تقييد يعني ولا يوجد تقييد للطلب، المستحب هو المقيد المستحب هو الطلب المقيد بعدم المنع من الترك وأما الوجوب فيكفي فيه الإطلاق مطلق الطلب يحمل على الفرد الأشد وهو الوجوب فإطلاق اللفظ ـ لفظ صيغة الأمر ـ وعدم تقييده ـ عدم تقييد اللفظ صيغة الأمر نقديها بالمنع من الترك ـ مع كون المطلق يعني مع كون المتكلم المطلق في مقام البيان كاف في بيانه يعني كاف في بيان الوجود، فافهم لعله إشارة إلى أن صاحب الكفاية تمسك بمقتضى قرينة الحكمة وهي قرينة عرفية بينما معنى الوجوب والندب الذين ذكرهما هما من المعاني العقلية الدقية التي لا يلتفت إليها العرف فقد يقال إن قرينة الحكمة لا تدل على هذه المعاني، هذا تمام الكلام في المبحث الرابع.

المبحث الخامس في أن إطلاق صيغة الأمر هل يدل على الواجب التوصلي أو لا فإن الواجب إما أن يكون تعبديا وهو الواجب المشروط بقصد القربة وإما أن يكون توصليا وهو الواجب غير المشروط بقصد القربة فلو جاءنا لفظ مطلق ولم يذكر فيه قيد قصد القربة أو عدم قيد قصد القربة فهل مقتضى إطلاق الصيغة حمل الأمر على الأمر التوصلي لأنه في اللفظ لم يرد قيد القربة إلى الله تعالى أو لا.

لو دققنا النظر سنجد أن هذا البحث لا يقف على صيغة الأمر فإنه كما يشمل صيغة الأمر يشمل أيضا مادة الأمر فيقال إذا جاءنا أمر إما بمادته أو صيغته وكان مطلقا فهل مقتضى الإطلاق هو الحمل على التوصلية أو لا إذا لا يوجد إطلاق يعني لا يوجد دليل لفظي إذا ما يوجد دليل لفظي ولم نعلم أنه تعبدي أو توصلي نرجع إلى مقتضى الأصل العملي في المسألة فالأصل أصيل حيث لا دليل فإذا انتفى الدليل اللفظي وهو الإطلاق اللفظي نرجع في تعيين وتحديد والتعبدية والتوصلية إلى الأصل العملي فإذا التزمنا بوجود الإطلاق لا تصل النوبة إلى الأصل العملي نتمسك بالإطلاق وإذا أنكرنا هذا الإطلاق نرجع إلى مقتضى الأصل العملي عند الشك في التعبدية والتوصلية.

طبعا في البحث السابق بالنسبة إلى الأكملية أدعى المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني في هداية المسترشدين[2] الجزء الأول صفحة 594 وصفحة 605 ادعى انصراف صيغة الأمر إلى الوجوب من جهة الأكملية وهنا صاحب الكفاية رد عليه.

المبحث الخامس إن إطلاق الصيغة هنا في إطلاق الصيغة يعلق السيد جعفر المروج في منتهى الدراية[3] الجزء الأول صفحة 456 قائلا الظاهر عدم اختصاص هذا البحث بالصيغة بل يجري في غيرها مما قصد به الأمر كما لا يخفى وجهه.

المبحث الخامس إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا فيجزئ إتيانه مطلقا يعني إتيان الواجب، ولو بدون قصد القربة فيصير مطلقا سواء قصد القربة أو لم يقصد القربة ولو وصلي يعني حتى لو لم يقصد القربة، أو لا يعني لا يقتضي كون الوجوب توصليا هذا الإطلاق فلابد من الرجوع فيما شك في تعبديته يعني فيما يعني في الواجب الذي شك في تعبديته، تعبدية الواجب وتوصليته توصلية الواجب.

لكي يجب يحتاج إلى ثلاثة مقدمات:

المقدمة الأولى في بيان معنى الواجب التوصلي والواجب التعبدي أولا ما هو معناهما ذكرت عدة معاني صاحب الكفاية ذكر أدق المعاني للتوصل والتعبد قال الوجوب التوصلي ما كان يحصل منه الغرض بمجرد حصول الواجب ويسقط الواجب بمجرد وجوده بخلاف الواجب التعبدي فإن الغرض من الواجب التعبدي لا يسقط بمجرد الإتيان بالواجب بل لابد في سقوط الواجب التعبدي من الإتيان بالواجب بقصد القربة، إذن الفارق والمائز بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي هو في الامتثال والسقوط فالواجب التوصلي هو ما يتحقق الامتثال فيه ويسقط الواجب عن ذمة المكلف بمجرد الإتيان بالواجب حتى لو لم يقصد القربة مثل أداء الدين أنا يجب علي أن أؤدي ديني بمجرد أسلمك الدين كفا قربة إلى الله تعالى أو لا أو حتى حياء أو خجلا بخلاف الواجب التعبدي مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج والخمس فإن الواجب لا يسقط بمجرد إتيانه بل لا يسقط إلا مع إتيانه بقصد القربة فلو صلى رياء بطلت الصلاة فلو خمس أو زكى رياء لم يسقط من ذمته الواجب لذلك يذكرون الزكاة والخمس في العبادات لأنها مشروطة بقصد القربة كالحج والصلاة والصوم.

لابد في تحقيق ذلك في أن إطلاق صيغة الأمر هل يدل على الوجوب التوصلي أو لا لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات إحدها ـ المقدمة الأولى معنى الواجب التوصلي والتعبدي ـ الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه ـ من الوجوب ـ يحصل بمجرد حصول الواجب يعني بمجرد تحقق الواجب ويسقط بمجرد وجوده يعني ويسقط الوجوب بمجرد وجود الواجب بخلاف التعبدي فإن الغرض منه ـ من التعبدي ـ لا يكاد يحصل بذلك يعني بمجرد حصول الواجب بل لابد في سقوطه في سقوط الوجوب التعبدي وحصول غرضه ـ غرض التعبدي ـ من الإتيان به ـ بالوجوب التعبدي ـ متقربا به بالواجب التعبدي منه تعالى.

ثانيتها المقدمة الثانية في بيان امتناع أخذ قصد الامتثال شرعا في متعلق الأمر هذا البحث بحث دقيق وتترتب عليه ثمار وفوائد في درس اليوم نبين مفتاح هذا البحث وهو إشكال الدورة وقبل أن نوضح إشكال الدور نقدم مقدمة بسيطة في تسلسل الرتب بالنسبة إلى الأوامر مثلا أقيم الصلاة آتوا الزكاة فهنا يوجد أمر هذا الأمر قد تعلق بالصلاة بالصوم بالحج بالخمس فهذه الأمور متعلقات للأمر وهذه الأمور متعلقات للحكم، الحكم هو الوجوب والوجوب تارة يتعلق بالصلاة وتارة يتعلق بالصوم وتارة يتعلق بالحج وغير ذلك وهكذا بالنسبة إلى الحرمة يحرم شرب الخمر ويحرم الزنا ويحرم اللواط فالحكم والأمر هو التحريم هذا الحكم ـ التحريم ـ هذا الأمر أو النهي هذا النهي تعلق بشرب الخمر الزنا اللواط.

سؤال أيهما مقدم رتبة الأمر أو متعلق الأمر النهي أو متعلق النهي؟

الجواب الذي يتقدم في الرتبة هو المتعلق أولا توجد الصلاة ثم يأمر بها أما إذا ما تتصور الصلاة كيف تأمر بها، أولا تتصور الحج ثم تأمر بها أولا تتصور الخمس والزكاة ثم يقع الأمر بهما أولا تتصور شرب الخمر أولا تتصور الزنا واللواط ثم بعد ذلك تتصور النهي المتعلق بهما إذن في التسلسل الذهني وفي التسلسل في رتب الوجود أول مرتبة هي مرتبة المتعلق ثاني مرتبة مرتبة الأمر مرتبة الحكم ثالث مرتبة امتثال الأمر الامتثال لا يتقدم على الأمر امتثال تعلق بالأمر رابع مرتبة قصد امتثال الأمر إذن عندنا أربع مراتب هي مترتبة في الوجودها أول مرتبة المتعلق الصلاة العبادة ثاني مرتبة الأمر، ثالث مرتبة امتثال الأمر، رابع مرتبة قصد امتثال الأمر.

إذا تمت هذه المقدمة في التسلسل الرتبي نقول ماذا تقصدون إن العبادة مشروطة بقصد القربة؟ إذا قلتم العبادة مشروطة بقصد القربة العبادة مثل الصلاة يشترط فيها قصد القربة هناك عدة معاني لقصد القربة المعنى الأول الإتيان بها بنحو المحبوبية، النحو الثاني الإتيان بها حبا لله "عز وجل" الأمر الثالث الإتيان بها لأنها هي النحو الأكمل هذه كلها تصح ولكن يوجد معنى لقصد القربة أنه عبارة عن قصد امتثال الأمر فإذا قيل إن العبادة مشروطة بقصد القربة أو قيل هكذا إن العبادة يعني الصلاة الصوم الحج قد أخذ فيها قصد القربة أخذ فيها يعني إما جزءا وإما شرطا يعني صار شرط القربة إما جزء من مركب الصلاة أو شرط في مركب الصلاة يعني قصد القربة إما شرط في الحج أو جزء من واجبات الحج.

سؤال أيهما أقدم رتبة الجزء أو الكل؟ الجواب الجزء أول يتقدم الجزء ثم يتحقق الكل، أول يتحقق الشرط ثم يأتي المشروط غالبا هكذا وإلا عندنا مشروط متأخر كما في صوم المستحاضة، طهورها في الليل شرط في صحة صومها النهاري ولكن أغلب الشروط أول يتقدم الشرط ثم يتأخر المشروط إذن الشرط والجزء متقدمان رتبة على المركب والمشروط.

يقول صاحب الكفاية إن قصد بالقربة المشروطة في الصلاة في المتعلق إن قصد بها قصد امتثال الأمر يلزم الدور وهو توقف الشيء على نفسه وهو توقف قصد امتثال الأمر على قصد امتثال الأمر.

قصد امتثال الأمر يتوقف على الأمر والأمر يتوقف على متعلقه وقد اخذ في متعلقه قصد امتثال الأمر فصار قصد امتثال الأمر متوقف على قصد امتثال الأمر هذا من الأخير الآن من البداية، ماذا قالوا؟ أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر يعني في الصلاة فصار أول مرتبة الشرط أو الجزء قصد امتثال الأمر، ثاني مرتبة المتعلق الصلاة الصوم الحج، ثالث مرتبة الأمر بها رابع مرتبة امتثالها خامس مرتبة قصد امتثالها هذا بحسب الترتيب الطبيعي فإذا قلنا إن قصد امتثال الأمر قد أخذ في المتعلق في العبادة فهذا يلزم منه الدور وهو توقف الشيء على نفسه.

بيانه المقدمة الأولى قد امتثال الأمر يتوقف على وجود الأمر إذن وجود الأمر الواسطة الأولى ووجود الأمر يتوقف على وجود المتعلق ووجود المتعلق يتوقف على وجود جزئه أو شرطه وهو قصد امتثال الأمر فصار قصد امتثال الأمر يتوقف على قصد امتثال الأمر وهو توقف الشيء على نفسه فصار قصد امتثال الأمر متوقفا على قصد امتثال الأمر بواسطة تتوسطان بين قصد امتثال الأمر وهما الأمر والمتعلق، هذا تمام الكلام في الإشكال الأول.

صاحب الكفاية يقول إذا فسرنا قصد القربة المأخوذة في العبادة كالصلاة والصوم قلنا إن قصد القربة هو عبارة عن قصد امتثال الأمر يلزم إشكالين الإشكال الأول في عالم التشريع والصياغة، الإشكال الثاني في عالم الامتثال، إلى هنا بينا الإشكال الأول في عالم التشريع والتقنين يلزم الدور فإذا أخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر يلزم الدور وهو توقف قصد امتثال الأمر على قصد امتثال الأمر لأن قصد امتثال الأمر يتوقف على الأمر والأمر يتوقف على المتعلق والمتعلق يتوقف على قصد امتثال الأمر فصار قصد امتثال الأمر متوقفا على قصد امتثال الأمر.

إلى هنا تم الإشكال الأول وهو إشكال أخذ قصد امتثال الأمر في المتعلق بحسب عالم التشريع والتقنين وصياغة القوانين والتشريعات يوجد إشكال آخر بلحاظ عالم امتثال المكلف يقولون هناك قاعدة عقلية وأصولية يقولون يستحيل التكليف بغير المقدور يعني يشترط في امتثال التكليف أن يكون مقدورا عقلا هذه مقدمة.

سؤال المولى إذا قال صلي ما هو متعلق الأمر؟ الصلاة، هل متعلق الأمر هو الصلاة المقيدة بقصد امتثال الأمر؟ الجواب كلا لفظ الصلاة مطلق لو قال المولى صم حج زكي خمس فإن متعلق الأمر هو طبيعة العبادة لا العبادة المقيدة بقصد امتثال الأمر، طبيعة الصلاة، طبيعة الصوم، طبيعة الحج، طبيعة الزكاة، طبيعة الخمس وهذا مقدور للمكلف يمكن للمكلف أن يأتي بالصلاة وبالصوم وبالخمس لكن الصلاة المقيدة بقصد امتثال الأمر تحتاج إلى أمر جديد يعني عندنا أمران أمر بطبيعة الصلاة وأمر ثان بتقيد هذه الصلاة بقصد امتثال الأمر وهذا شيء عرفي يا ولدي أعطي أمك هدية هذا الأمر الأول، الأمر الثاني يا ولدي إذا أهديت أمك الهدية قبلها في جبهتها فتقييد الإهداء إلى الأم بتقبيل الجبهة إنما حصل بالأمر الثاني لا الأمر الأول، الأمر الأول أمر بمطلق الهدية إلى الأم هل يستطيع الابن أن يمتثل وجوب إهداء الأم بالهدية مع قيد تقبيل جبهتها من دون وجود الأمر الثاني من الأب، ما يستطيع يمتثل لأن الامتثال فرع صدور الأمر وصدور الأمر يصير من الأب لا من الولد بالتالي إذا الأب لم يصدر إلا أمرا واحدا يا ولدي أعطي أمك هدية هنا الولد أعطى الأم هدية وافترض قبل رأسها

سؤال هل إعطاء الولد أمه الهدية مع تقبيل رأسها يعد امتثال للأمر بالهدية المقيدة بتقبيل رأس الأم؟ الجواب لا لأن امتثال الأمر امتثال التكليف فرع صدور التكليف والأمر بتقبيل جبهة الأم ليس من صلاحيات الولد هذا من صلاحيات الأب من صلاحيات المولى هنا نأتي إلى أمثلة الصلاة والصوم.

الأوامر الموجودة في الشريعة أوامر مطلقة أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة غير مقيدة بقصد امتثال الأمر والمكلف لا يستطيع أن يمتثلها بحيث يأتي بالصلاة بقصد امتثال الأمر إذا لم يتوجه أمر ثان من المولى والأمر الثاني لم يتوجه فيستحيل الامتثال خارجا لأنه تكليف بغير المقدور لأن الامتثال الخارجي فرع صدور الأمر تشريعا يعني فرع صدور الأمر الثاني والأمر الثاني ناظر إلى الأمر الأول يعني لازم يصدر أمران في الشريعة الأمر الأول الأمر بالصلاة والأمر الثاني أمر بتقييد الصلاة بقصد امتثال الأمر.

الخلاصة صاحب الكفاية يقول لو التزمنا بأن قصد امتثال الأمر شرط في المتعلق شرط في الصلاة شرط في طبيعة العبادة يلزم إشكالان الإشكال الأول بلحاظ عالم التشريع والصياغة وهو إشكال الدور والإشكال الثاني بلحاظ عالم الامتثال لأن المكلف لا يستطيع أن يمتثل هذه الطبيعة المقيدة بقصد امتثال الأمر هذا كله موجود كلام صاحب الكفاية.

ثم يقول صاحب الكفاية بما أن قصد امتثال الأمر يستحيل أن يجعل في المتعلق شرعا إذن العقل يقول قصد امتثال الأمر ليس داخل في نفس التشريع وإنما امتثال الأمر هذا دخل في الامتثال وعالم الامتثال متأخر يعني هناك شروط أولية وهناك شروط ثانوية الشروط الأولية إذا قلت هذا شرط في المتعلق، الشروط الثانوية لا في عالم الامتثال يعني لكي يصدق على الصلاة أنها طاعة تقصد قصد امتثال الأمر لكي يصدق على الحج أنه طاعة تقصد قصد امتثال الأمر فقصد امتثال الأمر أخذ بلحاظ امتثال الصلاة بلحاظ امتثال الحج فهذا ممكن عقلا وبعبارة أخرى هذه العبادات لها غرض وقصد امتثال الأمر دخيل في غرضها لكي تمتثلها تأتي بقصد امتثال الأمر.

ثانيتها إن التقرب المعتبر في التعبدي يعني التقرب إلى الله إن كان بمعنى قصد الامتثال يعني بمعنى قصد امتثال الأمر أحيانا يكون بمعنى قصد المحبوبية أحيانا بمعنى قصد أن الله أهل للعبادة أحيانا إن هذه العبادة هي الفرد الأكمل هذه لا إشكال فيها كلامنا إن كان بمعنى قصد امتثال الأمر والإتيان بالواجب بداعي أمره يعني بقصد داعي الأمر بالواجب كان مما يعتبر يعني كان قصد الامتثال مما يعتبر في الطاعة عقلا يعني كان قصد الامتثال دخيلا في امتثال الطاعة عقلا يعني لكي تمتثل الطاعة تقصد امتثال الأمر تقصد التقرب إلى الله لا مما أخذ في نفس العبادة يعني لا أن قصد امتثال الأمر أخذ في نفس العبادة يعني في متعلق الأمر شرعا العبادة الصلاة والصوم هي متعلق الأمر، لماذا لا يؤخذ في نفس العبادة شرعا؟ لاستحالة الدور، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يتأتى يعني ما لا يتأتى يعني ما لا يحصل إلا من قبل الأمر، ما الذي لا يحصل؟ ما المراد لا يتأتى إلا من قبل الأمر لا يحصل إلا من قبل الأمر هو قصد امتثال الأمر أعبر بهذا التعبير الصريح، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى يعني وذلك لاستحال أخذ قصد امتثال الأمر وقصد امتثال الأمر لا يحصل إلا من قبل الأمر لأنه أولا ليحصل الأمر ثم يقصد امتثاله، ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشيء هذا الشيء الذي هو قصد امتثال الأمر، في متعلق ذلك الأمر الذي هو العبادة، مطلقا يعني شرطا أو شطرا يعني لا يؤخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر بنحو الشرطية أو بنحو الجزئية، إلى هنا انتهى من الإشكال الأول الإشكال الأول بلحاظ عالم التشريع يشرع في الإشكال الثاني بلحاظ عالم الامتثال

قال فما لم تكن نفس الصلاة يعني دون الصلاة بقصد متعلقها، متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها، لماذا لا يمكن الإتيان به يعني لا يمكن امتثالها لماذا لا يمكن امتثالها؟ لأن امتثالها فرع وجود أمر ثاني والأمر الثاني ليس مقدورا للمكلف وإنما هو من صلاحيات المولى إذن المكلف لا يستطيع امتثال الصلاة بقصد أمرها لأن الأمر ليس من صلاحياته وإنما من صلاحيات المولى، هذا تمام الكلام في بيان عدم إمكان اخذ قصد امتثال الأمر في متعلق الأمر لإشكالين الإشكال الأول بلحاظ عالم التشريع والإشكال الثاني بلحاظ عالم الامتثال وتوهم إمكان تعلق الأمر يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo