الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

1401/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فقه‌المسجد (مسجد طراز انقلاب اسلامي)/الباب الثاني: امكانيات المسجد /الثاني: التعليم التربوي حول رجحان تعلم العلم - الادلة في المقام - الثاني: الاستدلال بالاخبار (استکمال دلالة روايات القسم الأول من الطائفة الأولى)

تحدثنا في الدرس الماضي حول مفردة العلم في الروايات التي وردت بلفظ الفريضة والوجوب في تعلم العلم وقلنا بأنها وردت في القرآن الكريم والأحاديث في ثلاثة معان:

الأول: مطلق العلم.

الثاني: علم الدين؛ اي المعارف الدينية.

الثالث: العلم الذي اقترن بالعمل.

أما حسب الاحتمال الأول لا يمكن القوله به الا بتصرف في معنى الفريضة ومقدار دلالتها، أو بتصرف في مفردة العلم.

يعني لو نريد الخروج من هذه المعضلة فيجب القول بأن (الفريضة) التي وردت في الحديث استعملت بمعنى الرجحان أي الاستحباب لا الوجوب.

يعني نتصرف في معنى الفريضة ونفهم منه الاستحباب.

ولكنه من الواضح عدم صحة القول بهذا الاحتمال وعدم امكان القول به، لأن الفريضة ظاهر في الوجوب ومن الواضح انصراف اللفظ عن المعنى الظاهر من دون وجود قرينة تكلف وتعسف!

ان قيل: يمكن حل القضية من دون هذين الوجهين من التصرف، بل بتفسير الفريضة بالواجب الكفائي وخروجه عن دائرة الواجب العيني!

نقول: هذا التوجيه بعيد عن الدليل بل مستحيل، لأنه ورد في اكثر الأحاديث التصريح بأنه (فريضة على كل مسلم) وهذا صريح في الدلالة على الواجب العيني.

فبقي احتمالان آخران وهما احتمال التصرف في مفردة العلم وتفسيره بالاحتمال الثاني يعني علم الدين. أو التصرف فيه واقترانه بالعمل.

يعني اما أن المراد من العلم هو علم الدين أي المعارف الدينية، أو العلم مع العمل واتصاف الانسان بصفةاخلاقية.

لاشك في أن الاحتمال الثالث بعيد عن مقام الاستعمال ويحتاج الى وجود قرينة تدل عليه والحال أنه ما وجدنا قرينة عليه!

فيبقي الاحتمال الثاني والتفسير الثاني وهو الالتزام بأن المقصود من تعلم العلم في أحاديث فرض العلم هو تعلم علم الدين فقط؛ يعني يحب عليكم تعلم علم الدين.

وبهذا البيان يخرج القسم الأول من الأحاديث من الطائفة الأولى عن مقام الدلالة على رجحان تعلم مطلق العل؛ ويبقي رجحان مطلق تعلم العلم بلا دليل يدل عليه.

ويويد هذا الاحتمال الثاني، بعض التعابير التي يمكن مشاهدتها في نفس الاحاديث مثل ما روى في الحديث السابع الذي قدمناه من قبل:

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ| يَقُولُ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَاطْلُبُوا الْعِلْمَ فِي مَظَانِّهِ، وَاقْتَبِسُوهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ تَعَلُّمِهِ لِلَّهِ حَسَنَةً، وَطَلَبِهِ عِبَادَةِ، وَالْمُذَاكَرَةِ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَالْعَمَلُ بِهِ جِهَادِ، وَتَعْلِيمُهُ مِنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةَ، وَبَذَلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ (تَعَالَى)، لِأَنَّهُ مَعَالِمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَنَارُ سُبُلِ الْجَنَّةِ، وَالمؤنس فِي الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبِ فِي الْغُرْبَةِ وَالْوَحْدَةِ، وَالْمُحْدِثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلَاحَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَالزَّيْنَ عِنْدَ الأخلاء»[1] .

ومثل ما ورى في بعض آخر:

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ! اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ أَلَا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ ...‌» [2] .

هذه التعابير في الحديث «فَإِنْ تَعَلُّمِهِ لِلَّهِ حَسَنَةً، وطَلَبِهِ عِبَادَةِ، والْمُذَاكَرَةِ فِيهِ تَسْبِيحٌ، والْعَمَلُ بِهِ جِهَادِ...» تويد القول بأن المراد من تعلمه العلم هوتعلم علم الدين، لأن هذه التعابير تناسب علم الدين لا مطلق العلوم.

فبناء على ذلك أن أحسن الاحتمالات في الاحاديث هو احتمال دلالته على اختصاص رجحان تعلم علم الدين؛ واذا لم نقل بذلك فيبقي الحديث مهملا لا يدل علي شي؛ ولابد لنا ان نتعامل معه معاملة المهمل الذي لا يدل على شي.

بالنتيجة أن دلالة هذه الأحاديث أي أحاديث (طلب العلم فريضة) على المدعى يعني على رجحان تعلم مطلق العلوم غير صريحة وغير واضحة. ولا يمكن القول به.

فخرج هذا القسم من الاحاديث عن مقام الاستدلال، لأنه كما قلنا يمكن غض النظر عن الاشكال في سندها ولكن لا يمكن غض النظر عن الاشكال في دلالتها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo