< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فقه‌المسجد (مسجد طراز انقلاب اسلامي)/الباب الثاني: امكانيات المسجد /

 

فقه‌المسجد (تلخيص المباحث الماضية)

قد قدمنا في العام الدراسي الماضي مباحث عديدة حول المسجد من منظار الفقه، وكنا بصدد تبيين مكانة المسجد ودورها في الحضارة الاسلامية الجديدة.

لأنه لاشك في أن المسجد جزء من جدول الحضارة الاسلامية ولا يمكن البلوغ الى الحضارة الاسلامية من دون الالتفات الى المسجد.

لذلك قد أضفنا في فقه‌المسجد اضافة الى ما ذكره الفقهاء في كتبهم، عنوانين مهمين وهما: هوية المسجد وامكانيات المسجد.

أما العنوان الأول فهو هوية المسجد حسب ما استنبطنا من الآيات والروايات، ذكرنا عشرة موارد من هوية المسجد؛ يعني استخرجنا عشر محورا من القرآن والأحاديث التي بنيت المساجد لأجلها.

والهدف الأساس من جعل عنوان هوية المسجد وذكر عدة محاور مرتبطة معها؛ انما هو تبيين أساس بناء المسجد؛ لأنه اذا بينا المحور الأصلي والهدف الأساس من بنائه، نتمكن من القول بأن كلما ينطبق على هوية المسجد فيجوز اجراوءها وتنفيذها فيه أو فينا يتعلق به ولايحتاج الى نص خاص للجوازه.

مضافا الى ذلك أنه بعد أن تعرفنا على هوية المسجد يعني تعرفنا على الهدف الذي بني المسجد لأجله‘ ففي الحقيقة تعرفنا على اللبنة الأولى في مستوى المسجد في الاسلام ونتمكن من القول بأن المسجد الذي لم يبلغ الى هذا المستوى فليس مسجدا حقيقيا ينطبق على هويته؛ وان كان يطلق عليه عنوان المسجد شرعا وعرفا!

فهنا نلتفت الى أبعاد هوية المسجد التي استخرجناها من المباني وبيناها من خلال البحث في العام الدراسي الماضي؛ وهذه أمور ظاهرية وباطنية وهي أمور ليست مرتبطة بمبنى المسجد بل مرتبطة بتربية الانسان المسجدي الحضاري.

أبعاد هوية المسجد

الأول: الارتباط بالله عزوجل.

الثاني: الارتباط بالآخرة.

الثالث: الايمان بالله والاجتناب عن الشرك به.

الرابع: تقوى الله.

الخامس: حب الله.

السادس: هوية الحضور والاجتماع.

السابع: هوية تربية المجتمع الشاملة للجميع.

الثامن: هوية الوحدة وانسجام الأمة الاسلامية.

التاسع: الالتجاء الى المسجد حين نزول البلايا

العاشر: هوية الطهارة.

نعم هذه عناوين عشرة موثرة في تربية المجتمع فرديا واجتماعيا وباطنيا وظاهريا ودنيويا وأخرويا و...

وأما العنوان الثاني وهو امكانيات المسجد

والمقصود منها انما هو ما يمكن الاستفادة من المسجد لأجله؛ لأن موضوعات المسجد تنقسم الى قسمين:

القسم الأول: الذي بني المسجد لأجله ولا لغيره.

القسم الثاني: الذي يمكن بلوغ المجتمع اليه من خلال المسجد أو الافعال التي يمكن تنفيذها في المسجد ولاباس بالاستفادة من المسجد لتلك الامور.

ولاشك في أن هذه الأمور أكثر وأكثر موردا من هوية المسجد.

ولاريب في أنه لابد للمسجد الحضاري أو المسجد الذي يريد المجتمع تحقيق الاسلام الحضاري منه أو يريد المجتمع جعله مبدأ لتحقيق الاسلام الحضاري، أن يستفاد من جميع امكانياتة وقابلياته من دون التوقف على هويته.

لأن الهوية عبارة عن الأهداف الأساسية من بناء المسجد ولكن الله عزوجل جعل في المسجد امكانيات عدة وقابليات متوفرة لتحقيق الاسلام الحضاري وتاسيس المجتمع المثالي.

وأضف الى ذلك أن ينبغي الالتفات الى أن الفرق بين الهوية والامكانية؛ عبارة عن أن الهوية يعني ما لا يمكن تحقيقه الجامع الا في المسجد؛ ومن طلبه في غير المسجد لا يبلغ الى منتهاه.

وأما الامكانية فهي عبارة عما يمكن تحققيها من المسجد ومن غيره؛ ولكن الاستفادة من المسجد لأجل الوصول اليه أفضل لأفضلية المكان وقدسية المكان وتاثيره في قدسية العمل وطهارة الموضوع.

لذلك بدأنا بالبحث حول امكانيات المسجد وتحدثنا حول دورة في تعليم المجتمع ما يحتاجه أهله.

يعني مما ينبغي الاستفادة من المسجد ودورة وامكانياته لصالح المجتمع الاسلامي والانساني، هو الاستفادة منه امكانيات المسجد لتعليم ما يحتاجه المجتمع وللبلوغ الى مستوى الحضارة الاسلامية.

ومن هذا الباب دخلنا في البحث حول العلم الذي ينبغي تعلميه للمجتمع هل هو مطلق العلم ومطلق التعلم أو العلم الديني؟

فقدمنا مباحث هامة حول عنوان التعلم الراجح في المجتمع ما هو؟

هل التعلم الرجح هو ذات العلم؟ أو العلم الذي يعرض عليه عنوان في الشرع؟

فقلنا بوجود منهجين بين الفقهاء: المنهج الأول: رجحان مطلق التعلم وهو الاستحباب. المنهج الثاني: عدم رجحان مطلق التعلم وهو الاباحة.

المنهج الأول لصاحب الجواهر والشهيد الثاني في منية المريى والشهيد المطهري وغيرهم.

والمنهج الثاني هوالذي قاله مشهور الفقهاء وغيرهم من العلماء.

وقدمنا أقوال الباحثين حول هذين المنهجين وأدلتهم والاحتالات التي تكون موجودة في المقام.

ولا شك بأننا لا نستطيع القول بملاكية احدى الاحتمالات المذكورة في تعريف العلم الديني، لأنه سيستلزم مشاكل عديدة لا يمكن حلها.

بل لابد من القول بتقسيم العلم الى علمين:

1- علم توصيفي. 2- علم تنفيذي (؟) بالفارسية: (توصيه‌اي يا دستوري).

يعني أن العلماء يتحدثون في بعض الجهات من العلم عن أوصاف العلم وكيفية القواعد فيها وكيفية الوصول من المعلوم الى المجهول‘ مثل قواعد علم محاسبة الاعداد (علم رياضيات) او (علم الهندسة) أو علم الفيزيا، أو علم الكيمياء أو علم الاقتصاد وغيرها.

يعني يتحدث العلماء والمتخصصين حول ماهية العلم وماهية قواعدها وضوابطها وكيفية حل القضايا فيها.

يتحدث العلماء عن كشف وجود رابطة بين عناصر الدخيلة في العلم من العلة والمعلول في بعض العلوم كاختبارات علم الكيمياء في مراكز خاصة.

مثلا عن كيفية علم هندسة البناء أو غيره من جانب المهندس أو الطباخ في علم الطبخ أو تجربة الطبخ؛ يعني يتحدث عن التغييرات التي تحصل بين عناصر المواد الغذائية حين الطبخ وبعد الطبخ، أو عن ماهية سياقة السفينة وعلم سايقة السفينة أو الطيارة و ...

هذه العلوم والبحث حولها هي امور تخصصية عرفية لا دخل للدين في التدخل فيها.

يعني تعليم هذه الأمور خارج عن مسولية الدين، بل أنها مفوضة الى العرف الذي يستفيد من العقل الذي جعله الله في وجود الانسان وأمره بالتعقل فيما يري ويسمع ويحتاج الى تسخيرها.

لانريد القول بأن هذه الأمور لا دخل لها في حياة الانسان، بل لابد من القول بتدخلها في حياة البشر ولكنه لا يحتاج الى تدخل الدين، لأنها يمكن الوصول اليها من طريق العرف والعقل.

وكذلك علم الطب والذي يعالج به الانسان نفسه ومجتمعة لاشك في أن الدين لا يتدخل في ماهية هذا العلم وكيفية تاسيس الفيروسات وتاثيرها في البدن الانسان أو الحيواني وفي كيفية حصول النتائج حين العلاج وبعد العلاج واماتة الفيروس أو تضعيفها وغيرها.

لأن هذه الموارد كذلك امور تخصصية عرفية خارجة عن تدخل الدين فيها.

أو مثل علم النجوم والمقصود ماهية علم النجوم وكيفية تشكيل الكهكشانات؛ وليس المقصود منها احكام النجوم.

هذا أولا وهو الذي قد لقب بالعلم التوصيفي.

وأما ثانيا يتحدث العلماء والمتخصصين حول تنفيذ قواعد العلم في حياة البشر من تنفيذ قواعد علم الاقتصاد من التجارة أو تصنيعات جديدة أو علم الطب أو استعمال المواد الغذائية في حياة الانسان أو الاعتماد على علم النجوم في طريق سعادة البشر وتنفيذ أعمالة الواجبة.

نعم لاشك في هذه الجانب يتدخل الدين بشكل واضح وصريح.

يعني في طريق تنفيذ قواعد العلم في حياة البشر لابد من موافقة هذه القواعد العلمية مع القواعد الدينية. وبدونها لايمكن التنفيذ.

يعني أن الأوامر التي تصدر من مراكز العلوم التجربية (العملية مثل علم الطب والكيمياء) أو العلوم النظرية العقلية المحضة لابد من تطبيقها على القواعد الدينية القطعية.

نعم قد يتحدث مثلا في علم الطب بأن الخمر يفيد لبعض الأمراض الطبيعية النفسية، ويتحدث حول كيفية تاثير الخمر والمواد الموجودة فيه في علاج المرض المعين، وهذا يمكن أن يكون صحيحا أو غير صحيح ولا نتحدث عن صحتها أو عدم صحتها.

ولكن اذا يوصي الطبيب والعالم في الطب للانسان المريض بشرب الخمر، فهنا يأتي دور الدين وتدخله في تنفيذ هذه التوصية العلمية وعلى فرض تطيق هذه التوصية على القواعد الدينية فيمكن القول بجوازها وأما في فرض عدم التطبيق فلايجوز.

فبالنتيجة لا يتدخل الدين في القسم الأول من البحث بل يتدخل في القسم الثاني.

بناء علی ذلک أنه لايوجد في القسم الاول مقسم من العلم الذي يمكن تقسيمه الى الديني وغير الديني، بل يتصف بالعلم فقط.

وأما في القسم الثاني يمكن تصور المقسم وتقسيمه الى الديني وغير الديني.

مثلا: أن الدين لا يقول بتعطيل المختبرات الخاصة بالعلوم التجربية والحسية وغيرها ولايعطل العلمليات الحسية لاستخراج الخمر وتاثيره في علاج الحيوان الانسان وعلاج الفيروسات و...

وانما يتدخل ويمنع من استخدام هذه النتائج فضلا عن صحتها أو عدم صحتها في حياة البشر.

فهنا ياتي تقسيم العلم الى العلم الديني وغير ديني.

لان العلم في تلک المرحلة امور تخصصية عرفية مفوض الی العرف والعقلاء امرها. ولا يتدخل في الدين؛ لان الدين ياتي دورة في حيات البشر لا قبله؛ وانما الدين متکفل لتامين سعادة البشر في الحيات الدنيوية والاخروية؛ فکل ما يرتبط بحياته يتدخل فيه الدين نفيا وايجايا.

واما بعد بلوغه مرحلة الحيات العملية فياتي دور الدين وهناک مقسم کبير في تقسيمات العلم الی ديني وغير ديني وراجح ومرجوح وممنوع وفريضة.

فمقتضی التحقيق في العلم الديني وبيان المقصود منه في کلام العلماء والفحول کالسيد الطباطبايي والشيخ جوادي الآملي والشهيد المطهري وغيرهم (اعلی الله مقامهم)؛ ان العلم في ماهيتة واوصافه الذاتية علم وتخصص مفوض الی اهله؛ ولا منافاة بينه وبين الدين؛ واما في مقام الاستفادة من العلم في ساحة المجتمع فالملاک هناک عبارة عن تطبيق قواعده بقواعد الدين اي الاسلام؛ فما ينطبق علی خطوط الحمراء في الدين فهو يمکن اطلاق العلم الديني عليه؛ واما ما لاينطبق علی الدين فهو علم ممنوع تعليمه وتعلمه.

بناء علی ما قلنا فکل علم لاينافي الدين ولا يتجاوز الخطوط الحمراء الدينيه فهو من توصيات الدين تعلمه وتعليمه الا ما خرج عن هذه القاعده بسبب منافاته مع الدين.

بعباره اخری کل علم لايضر بحيات الانسان بل ينفع بحياته بملاکات الدين فهو راجح.

هذا مقتضی التعقل في ماهية العلم وماهية الدين وتصوير المقسم في تقسيم العلم الی ديني وغيره؛ واما الاستدلال علی رجحانه بکتاب الله عزوجل فالحق فيما قاله السيد الطباطبايي في الميزان؛ بانه لايمکن الاستدلال عليه بکتاب الله؛ لان العلم في کتاب الله هو العلم الديني ال‌ی يتعلق بحيات الانسان لا قبله.

واما الآيات التي تامرنا بالتفکر والتعقل في خلق السموات والارض وجميع ما خلقه الله وفي جميع الآيات الآفاقية والانفسية؛ فهي وان کانت العلوم المرتبطة بها غير علم الدين ولکنه امربها للاستخدام في حيات البشر والوصول الی خالق ه‌ذه الامور وتوحيد الخالق؛ وهو موثر في حيات الانسان والمجتمع ولا تدل علی رجحان تعلم مطلق العلم.

وأما الاستدلال بالروايات والنصوص علي رجحان تعلم العلم أو رجحان تعلم العلم الديني فهو بحث تفصيله كثيرة جدا.

لأن الاخبار والنصوص کثيرة جدا بل هي طوايف وقد تعرضنا للبعض وبقي الآخرون.

الاولی: الاخبار التي تدل علی الزام الناس بتعلم العلم.

الثانيه: الاخبار الی تدل علی فضل العلم وفضل تعلمه.

الثالثه: الاخبار التی تدل علی فضل مقام العلماء وعظمتهم.

اما الطايفة الاولی فهي کذلک تنقسم الی ثلاثة اقسام:

القسم الاول: الاخبار التي وردت بالفاظ الوجوب والفرض.

القسم الثاني: الاخبار التي وردت بلفظ الامر او ما شابهه وتبين لنا وجوب ا لتعلم.

القسم الثالث: الاخبار الناهية عن ترک التعلم.

فبدأنا بالبحث حول القسم الأول من الطائفة الأولى.

وهي عدة روايات حسب ما ذكره الکليني في كتابه وأسس کتابا بعنوان (کتاب فضل العلم) وجعل فيه بابا بعنوان «بَابُ فَرْضِ الْعِلْمِ ووُجُوبِ طَلَبِهِ والْحَثِّ عَلَيْهِ» وذکر فيه عدةاحاديث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo